السُّخْرية من المَوْت‎

admin
2020-04-13T22:30:12+01:00
اقلام حرة
admin13 أبريل 2020
السُّخْرية من المَوْت‎
محمد بوطاهر

 تعلمْنا  قديمًا من  مُحاضرات  الأدب الحِكائي  أن السّخرية  في النّص السّردي وسيلة  لبَث رُوح الدّعابة ووجْهٌ من وجُوه نضال البطل ضد القاهر الذي تعْوزهُ  المُواجهة المُباشرة، فالسّخرية أو الإضْحاك بجميع أنواعه أداة الضّعيف، وآلية معنوية مُثلى للنيل من الخطر الذي يسْتمرّ في تهشيم جمْجمة البطل ظاهرا وباطنا.  ولمّا كان الواقع الذي نعيش فيه أسْوأ وأشرسَ ممّا لدينا من ذخيرة مادية، فإن حَاجتنا إلى هذه الوسْيلة، الآن مع كورونا،  أشد إلحاحا ومطلبا… لكن بتروِّ وعقلانية.

مع بداية اجتياح كورونا لديارنا، غزت صُور الإضْحاك منها والسّخرية مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة مع التزام المجتمع الفايسْبوكي بالحجر الصّحي والاكتفاء بتنفسِه عبر شاشات الهاتف والحاسُوب. ومن يتفحّص هذا الكم الهائل مِن هذه المادة الفكاهية يخلُصُ إلى مقدار اسْتهتار الإنسان بالموت أو على الأقل جهله بها وعدم الإيمان بها حقيقة مُجسّدة كائنة، والدليل أن مُنحنى هذا الاسْتهزاء من كورونا بدأ ينخفض تدريجيا في الأسابيع الأخيرة، يقابله تنامي الوعْي بإكراهات المرحلة والسّعي نحو التأقلم معها بدءا بتقليل الخروج من الجُحر ثم تصْحيح المنشورات وصُولا إلى تقريع الرؤوس واللحى.

نتفقُ أن هذا التوجه الفكاهي الالكتروني الجديد يحْتاج إلى دِراسة تشريحية، بُغية الوصُول إلى الخلاصات الضّمنية التي قد لا تتبدّى لنا في المُستوى السّطحي لفهمنا المتواضع، لكن اسْمحوا لنا بالتأكيد على أن تأسِيس مٌباراة ذهنية / افتراضية على شاكلة الأقسَام الافتراضية أيضا، مع طرف أقوى مِنا مَاديا وسُلطة، والتحايل عليه بأساليب السّخرية ليُعدّ براعة وامتيازا وأحد العناصِر المائزة في ملء مُركبات نقص ظل يُعاني منها الانسان المقهور منذ أمد … وفق هذا المنظور، فسِلاحُ السّخرية  انكشافٌ وتوليدٌ وبديلٌ اسْتراتيجي يسْتعين به العقل الباطني عندما يتراءى له عجز وسَائله التقليدية عن تحقيق غايته، أو عندما يُدرك أن فاعلية مقاومته لا يُمكن أن تتمدّد لِتحقق له مأربه، إنها- ببساطة- وسيلة مُقاومَاتية في الثقافة الشعبية.

عُمومًا فالحِسّ الفكاهي في مُواجهة المَوت أو كورُونا، اسْتجابة مُعقدة لا يُمكن اختزال مُسَبباتها بسُهولة لتكون سِمة واحِدة، وإنما في الجنوب الشرقي المغربي مثلا، المَوبُوء منذ القدم بكثير مِن الأمْراض/ الأخطار وأكثرها عُضالا: الجهلُ وما يترتبُ عنه من عَصبية وتوحش (ضد التمدن بفهم ابن خلدون)، يُمكن أن نلمَس شدة الاسْتهتار بوباء كورونا، والتفكّه به وكثيرا من التندر والطرفة، حتى يُخيّل لرائِي المواقع الاجْتماعية أن الأمر مشهد تمثيلي غير واقعي. وذلك مَرده إلى يلي:

– الجهلُ أحيانا أقوى من الوباء فتكا بالعِباد وإبادة لتراثهم،

– السّخرية من كورونا ظلت في البداية ردة فعل انعكاسِي/ لا شعوري تجاه الحقيقة،

– الإضْحاك والتندر والإبداع في الطرفة لا يلتجئ إليه المُبدع إلا في حَالة الفشل في مُواجهة الواقع، (في السّرد كما في التواصل الاجتماعي وفي غيرهما)،

– الالتجاء إلى هذه الأدوات تعويض لمُركب نقص نفسِي (الاحتياج العاطفي)،

– واجَه المُجتمع الفيسْبوكي كورونا بالسّخرية فكانت النتيجة «تصْليع» الرؤوس والذقون وتغيير مَلامح الأشخاص بشكل مُخيف غالبا، ولذلك دلالة سميائية خطيرة،

– اسْتثمار الجانب الايجَابي في هذه الأدوات يسْتلزم الوعي بسِياق إنتاجها وعْيا كاملا،

– المبدعُون القدماء لا ينتجُون النصُوص الفارهة المَاتعة إلا تحت التوتر والانفعال الزائد، (جنون الإبداع) وقياسًا عليه فإنتاجات زمن كورونا قد لا تخرجُ عن هذا النمط،

– السّخرية من كورونا بلسان أمازيغي أشد وطيسُا من غيرها لتضخّم الأنا عند الإنسان الأمازيغي و أنفتِه في الأمُور الجليلة (رصْد تنغير نمُوذجا)،

– يُعزى انخفاض السّخرية في الآونة الأخِيرة إلى قدرة الإنسان وتمكنه من الاقتراب من حقيقة كورونا وتغوّلها،

– الأسَابيع القادِمة قد تغيّر من طريقة تعامُل البعْض مع المَوت، كآلية نفسْية وميكانيكية، بل وتصْحيح نظرته للحَياة.

 هذه جُملة اسْتنتاجات بسِيطة تهمّ فكرة السّخرية من المَوت الكورُوني، ولم نقفْ عند جَرد اسْتشهادات وأمثلة  لذلك لشفع عَيْشنا اللحْظة الآن عن ذلك، ثم تفاديا للإطالة فيما قد يكون بَدهِـيًا عند مُتلقينا الأعزاء. ولعَلّ حَاجتنا اليوم إلى السّخرية والاضْحاك في نوازلِنا الرّاهنة، أقل بكثير من حَاجتنا إلى الغضَب من مَاضينا المُعتل، وتقويم الوعْي المُجتمعي المعْطوب .

……..

(محمد بوطاهر – 13 أبريل 2020-  خليك في بيتك)

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.