يعتبر الماء عنصرا أساسيا ومهما لاستقرار الإنسان منذ قدم التاريخ، وهو أساس بناء الحضارة وتشكلها حيث يعيش الانسان ويحصل قوت يومه من الماء (الفلاحة…)، أو يبني به مسكنه ( القصبات والقصور…). وبالعودة إلى الروايات التاريخية للأجداد نجد أن هناك مجموعة من الصراعات والنزعات والحروب حول الماء والأرض بين مجموعة الدواوير والقبائل؛ مما يعني أن الماء يعتبر في العرف القبلي بمثابة شرف، وهو حرمة لديهم، فبدونه لا يمكن للإنسان أن يستمر في الوجود. إذ يقول عز وجل في سورة الأنبياء الآية 30 “وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ”. ومن منطلق فلسفي نجد أن الفيلسوف طاليس الملطي انطلق من فكرة جوهرية مفادها أن الماء هو أصل كل الأشياء. وبالعودة كذلك إلى التاريخ، نجد أن تمركز الاستعمار الإمبريالي الفرنسي على وجه الخصوص كان يستحوذ على المناطق التي تتميز بالثروة المائية والأراضي الصالحة للزراعة، إلى جانب الثروة المعدنية بغية الاستفادة منها واستغلال خيراتها. لقد فطن المستعمر منذ عهد طويل إلى أهمية الماء، ولهذا لا يخفى علينا اليوم بأن الدول ذات السيادة العظمى في العالم تولي اهتماما بالغا لموضوع ترشيد استعمال الماء ببلدانها.
لقد نجح المغرب بشكل باهر في سياساته المائية التي اتخذها منذ بزوغ فجر الاستقلال عبر بناء السدود وإنشاء السواقي… غير أنه في الآونة الأخيرة، صارت معظم المناطق ببلادنا وعلى وجه الخصوص منطقة الجنوب الشرقي، تعيش أزمة مائية غير مسبوقة من الجفاف الحاد وقلة التساقطات، هذه الأخيرة التي أدت إلى نقص ملحوظ في نسبة ملء السدود، والتي انخفضت إلى نسب مهولة ومخيفة بجهة درعة تافيلالت، حيث وصلت بسد “الحسن الداخل” بإقليم الرشيدية مثلا حسب الإحصائيات المنشورة بالموقع الرسمي لوزارة التجهيز والماء (المديرية العامة لهندسة المياه) إلى غاية 16 أبريل 2024 إلى نسبة 25.28 في المائة. إضافة إلى انخفاض كمية الماء بالسواقي والأودية. ونأخذ كنموذج واد دادس الذي يغطي حاجيات الفلاحين والمزارعين لسقي حقولهم ومواشيهم، إذ صار هو الأخر يعاني من تراجع نسبة الماء بشكل مهول مما ينذر بحصول أزمة فلاحية واقتصادية، بل وقد تصل إلى تفاقم الوضع اجتماعي؛ كالهجرة القروية (من المغرب الغير النافع إلى المغرب النافع) بواحة دادس و وباقي المناطق بالجهة. أضف إلى ذلك أن بعض الضيعات الفلاحية الخاصة أنهكت الفرشة المائية بشكل عويص، حيث بدا أن الهاجس الاقتصادي الربحي طغى على القيم الرشيدة التي تكفل التدبير المائي السليم بالمنطقة.
وهذا أدى إلى ظهور أزمة أكثر تعقيدا وهي أزمة الانقطاع المتواصل للماء مما زاد الطين بلة وعمق معاناة ساكنة الجنوب الشرقي أكثر مما هم فيه من بؤس و تهميش وإقصاء، والذي يقبعون فيه منذ زمن طويل. إضافة إلى ما ذكر فبعض المزروعات غير صالحة للمنطقة من قبيل البطيخ الأحمر الذي استنزف الثروة المائية، بل اكثر من ذلك فقد حول المنطقة إلى “أرض كنعان” على حد تعبير أحد ساكنة درعة تافيلالت… وفي ظل غياب أي دعم من الوزارة الوصية على القطاع، يبقى الفلاح الصغير في حلقة تيهان يعيش ويلات تلو الأخرى لا على المستوى الاقتصادي؛ من خلال تراجع الداخل الفردي من الفلاحة التسويقية، و كذا تراجع المردود الفلاحي المعيشي الذي بالكاد يحقق الاكتفاء الذاتي. فضلا عن الاستقرار النفسي والاجتماعي… إننا نخاف أن نستيقظ يوما على نزوح جماعي لساكنة الجنوب الشرقي كما وقع في بعض المناطق في السبعينيات والثمانينات من القرن الماضي، مما سيشكل انفصالا عن أرض حباها الله بخيرات وفيرة، وبعدا عن وطن يحمل في ثناياه مجدا وتاريخا دفينا في قبور الأجداد و قلوب الأحفاد.
صفوة القول، أن ما يعيشه الجنوب الشرقي من أزمات وخصوصا الأزمة المائية تتحمل فيها مجموعة من الأطراف المسؤولية، وذلك يعزى لعدة عوامل يستعصي حصرها وتحتاج إلى أبحاث ودراسات أكاديمية معمقة، مع اقتراح حلول ناجعة وآنية لتحليل و مناقشة هذه الأزمة التي تؤرق العديد من ساكنة درعة تافيلالت. إذ ينتظر تدخل من الجهات المعنية للحد على الأقل من بعض الظواهر والسلوكات والأفعال الغير معقلنة في علاقتها بالثروة المائية، في ظل غياب الوعي بأهمية الماء في حياتنا. أو اتخاذ قرارات وإجراءات احترازية. أما الساكنة فلا حول لها ولاقوه سوى رفع اليدين للسماء للدعاء باللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين…
المصدر : https://tinghir.info/?p=69784