الحركة الإسلامية المعاصرة في ميزان النقد

admin
اقلام حرة
admin17 أكتوبر 2014
الحركة الإسلامية المعاصرة في ميزان النقد
عبد الحكيم الصديقي

من المعلوم والمسلم به أن لكل كاتب نظرة قبلية محكومة بسلف “أيديولوجي”، تعبر عنها كتاباته وخطاباته. الأيديولوجيا كبناء نظري مأخوذ من واقع آخر كما قال عبد الله العروي في كتابه “الأيديولوجيا العربية المعاصرة”، وهذا ــ من وجهة نظر محمد عابد الجابري ــ شاهد على غياب العلاقة بين الفكر والواقع. ويضيف الجابري أن ذلك نتيجة اختلاف السلطة المعرفية المعتمدة كمرجع.

 وبعبارة أخرى فإن الكثير من الكتابات والخطابات لا تطرح قضايا الواقع الملموس، بل قضايا تقع خارج الواقع، قضايا مستعارة من النموذج السلف. 

يمكن سحب هذا المعطى على العديد من الكُتّاب والكِتَابات التي تناولت ظاهرة الحركة الإسلامية المعاصرة بالنقد أو محاولة تفسير نشأتها سواء قاربوها من زاوية نظر سوسيولوجية أو سيكولوجية أو أنثروبولوجية أو إرجاعها إلى أسباب دينية أو اقتصادية أو سياسية أو ديمغرافية أو ثقافية أو اجتماعية أو تاريخية أو طبقية…، أو غيرها من زوايا النظر المعرفية.

وعلى الرغم من اختلاف وتعدد المداخل المنهجية التي توسل بها أصحاب تلك المشاريع الفكرية إلى تحليل وتركيب ظاهرة الحركة الإسلامية المعاصرة وموقع المسألة السياسية من مشروع التجديد الإسلامي، إلا أننا لا نسلم بنتائجها مهما بلغت قدرتها الإقناعية، وذلك لكثرة الانتقادات والتحديات التي تواجهها من جهة وللاعتبارات التي ذكرناها سابقا من جهة أخرى.

يذهب بعض الكتاب في نقده للحركة الإسلامية المعاصرة إلى أبعد مدى حين يمارس دور شرطي الأفكار، في سعي إلى الإكثار من محاكم التفتيش الحديثة التي تحتمي بالعقلانية والتنوير من خلال تحريضه للسلطة على مواجهة المد الحركي الإسلامي، ويرىهذا المنظور أيضا أن الصحوة الإسلامية إنما هي نتيجة حتمية لحالة التخلف العام الذي تشهده البلاد العربية والإسلامية.

 يكشف لنا التحليل النفسي أن هذا الخطاب المؤدلج مموضع داخل خانة ما يسميه أحد المختصين بـ “لا شعور الخطاب” وهو ميل المخاطِب إلى ممارسة التفوق والسلطة.

 وهناك محاولات للرجوع للتاريخ الإسلامي، محاولات تنظر إلى الحركة الإسلامية المعاصرة، من خلال ظاهرة الفرق الإسلامية التي نشأت في خضم الخلاف الذي حصل في صدر تاريخ الإسلام حول قضية الخلافة، باعتبار أن الحركات الإسلامية التي تنشط في الراهن هي شبيهة بالفرق الإسلامية التي ظهرت منذ فجر الإسلام، وكانت ذات سياسة معلنة وغير معلنة، عن وعي وعن غير وعي، وتتحكم في بروزها أسباب اقتصادية وسياسية وطبقية وتاريخية. فلإن كان لهذه الحركات مسوغ وجود لأسباب اجتماعية واقتصادية وثقافية، فليس لها أن تزعم امتلاك الحقيقة المطلقة” (1).

ما يستنتج على وجه العموم أن مثل هذه الخطابات تهدف من حيث دلالتها ومدلولها إلى التخلص من أي تصور ثيولوجي من العقلية المعاصرة، وتنخرط كذلك ضمن سلسلة من الإقصاءات لتلك التصورات اللاهوتية من كل مناحي الحياة العامة والخاصة، سياسية واجتماعية وفردية، وهي دعوى لعلمانية القانون، وعقلانية الأخلاق، ومحاولة لإسقاط التجربة الأوربية بحذافيرها على واقع لا يمت بصلة إلى الشروط الثقافية والدينية والسياسية الأوربية، والتي توجت بالانتقال إلى عصر جديد كان وسمه “عصر الأنوار”.

وأخص خصائص هذا المنظور أنه يحاول إقامة قطيعة جذرية مع الموروث الديني، باستبداله المرجعية الإسلامية بفلسفة وضعية تجعل من العقل السلطان الأوحد، واعتبار الدين صفحة من صفحات طفولة العقل البشري التي طوتها الفلسفة الوضعية، والتي لا تعترف بغير معارف وحقائق الكون المادي والعالم المشهود، ولا تستعين بغير العقل والتجربة.

في المقابل ــ وهذا هو الأهم والأخطر ــ فإن بعض التيارات الإسلامية المعاصرة تتضايق من أي أطروحات نقدية لتصوراتها، وتظن ذلك نوعا من أنواع اتهام النيات، فهي تنتشي وتطرب للمديح والإطراء وتتألم من النقد، بل إن بعض العقليات الإسلامية المعاصرة تجرم النقد وإن كان ذاتيا من عندياتها، أي من داخلها، وأقصد على وجه التحديد التيارات السلفية بكل تلاوينها وأشكالها، يقول الأستاذ عصام تليمة: “ادعاء البعض من رموز الحركة الإسلامية، بأن كل نقد ذاتي منشور، يعد صراخا وضجيجا ضد الحركة، وأنه يعوق مسيرتها، وأنه نشر لغسيلها، وأنه ليس مقبولا، وهو أمر أعتبره غير صحيح، بل هو ظاهرة صحية يجب المحافظة عليها، وتشجيعها؟، بدلا من تسرب ظاهرة النفاق الدعوي للحركة، وأن يعلن الناس خلاف ما يبطنون، وأن يسكتوا على مضض على أوضاع لا يقبلونها، أو لا يتفهمونها، ويحدث أحيانا من محاكم تفتيش دعوية للأسف، لأصحاب الفكر، وأرباب القلم، وبخاصة من يكتبون ناقدين لأوضاع معينة في الحركة، وبدل أن يرد عليهم بفكر مماثل، رحنا نستعير من السلطة الغاشمة: ثقافة قصف الأقلام، وتكميم الأفواه…”(2).

يعجبني قول الفيلسوف والمفكر السوداني محمد أبو القاسم حاج حمد رحمه الله: “حين نقول بإشكاليات الحركة الدينية فكأننا نعني إشكالية المثقفين مع الحركات الدينية في مؤدى فهم هذه الحركات الدينية لمتغيرات الواقع، إذ لا زالت هذه الحركات بمعزل عن تبين هذه الإشكالية في عمقها، وإن لامستها بعبارات التجديد والخروج من الجمود العثماني والمملوكي، ولكن القضية أكبر من ذلك بكثير، فليس فكر الحركات الدينية سوى ما هو سائد من فكر في مجتمعات لم تتغير تركيبتها بعد إلا على نحو نسبي لا يكفي لإحداث متغير نوعي باتجاه الحداثة المعاصرة. ومن هنا فإن معظم هذه الحركات الدينية لا تفهم يقينا انتقادات هذه النخب إلا بوصفها انتقادات متهمة بالتغريب والانحياز للفكر الثقافي الأوربي الغازي”(3).     

وهو الأمر الذي استشعره الدكتور فريد الأنصاري رحمه الله حين أصدر كتابه القيم “البيان الدعوي، وظاهرة التضخم السياسي”، حيث قال: “ما أسهل إذن أن يتهم باحث إسلامي في هذا الموضوع ــ من لدن الإسلاميين أنفسهم ــ بالردة الثقافية، والنكوص عن الاختيار الجهادي، والركون إلى الذين ظلموا”، ويعزو ذلك إلى عدم استعداد قيادات الحركات الإسلامية ومنظريها لتقبل النقد الذاتي، إلا قليلا، فما بالك بالمقلدين والأتباع (4).

 عبد الحكيم الصديقي

 

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)            “النزعات الأصولية والحداثية”  ص: 139، بتصرف.

(2)            نقلا عن:“الحركة الإسلامية.. رؤية نقدية” ص: 9ـ 10، تحرير: مصطفى الحباب. 

(3)            “القرآن والمتغيرات الاجتماعية والتاريخية”، ص: 43.

(4)            البيان الدعوي وظاهرة التضخم السياسي”، ص: 8.   

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.