القراءة هي الحياة، ولا حياة لمن لا يقرأ

admin
اقلام حرة
admin5 ديسمبر 2019
القراءة هي الحياة، ولا حياة لمن لا يقرأ
عبد الحكيم الصديقي

في البدءِ كانت {إقرأ} ..

لأنها وحي اخترق حجب الغيب لنكتشف من خلاله أسرار عالم الشهادة، هي الحدث الذي وقع في التاريخ البشري لتغيير بنية التفكير الجاهلي، ولأنها أول كلمة إلهية تربط السماء بالأرض نزلت بصيغة الأمر {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}.. فكان أول واجب على المسلم هو العلم قبل القول والعمل..

ولأنها كذلك فيجب أن تكون أول شيء في حياتنا، لأنه إذا كان ثمة شيء يمكن أن يضفي المعنى لوجودنا فهو القراءة، ذلك لأنها الأساس الذي ينبني عليه وعينا ويتشكل بها أسلوب إدراكنا لذواتنا وللوجود، فالقراءة هي الحياة، ولا حياة لمن لا يقرأ..

ومهما سعينا في البحث عن وصف ملائم للمجتمع في حالة غياب القراءة لدى أفراده فلن نجد أفضل من نعته بكونه ينحو نحو الموت، ذلك أن القراءة من حيث كونها انفتاحا دائما على المعرفة، فهي أيضا اكتشاف لأغوار الذات من خلال ردود فعلها تجاه المقروء، ولذلك كلما انعدمت القراءة أو قلت كلما ضعفت معرفة المرء بذاته، ليغدو كل نشاط صادر عنه نوعا من الفعل التلقائي الذي لا يستطيع أن يعطيه معنى، وتصبح من ثم علاقته بذاته ومحيطه علاقة أقرب إلى البدائية التي تتسم بالسذاجة وردود الفعل التلقائية التي لا يمكنها أن تنتج ثقافة ولا حضارة، لا سيما في عصر أهم سماته الصراع الثقافي والتسابق المعرفي، اللذين على أساسهما تحدد المواقع، وانطلاقا منهما ترسم العلاقات.

~ماذا نقرأ لنحيا؟

في روايته الماتعة “تسعة عشر” يحكي لنا “أيمن العتوم” عن بناء حجري عملاق وصل إليه بطل الرواية بعد أن بُعِث من قبره وأمضى سنوات في الركض في كل الاتجاهات .. وحين دخل إلى البناء وجد نفسه في مكتبة عملاقة تتكون من تسعة عشر طابقا، مكتبة على قدر عال من التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، فبكبسة زر تحضر كل الكتب التي تريدها، وفيها كل الكتب التي ألفها البشر في حياتهم..

في ترتيب طوابق المكتبة يحدد لنا الكاتب أولويات القراءة، فجعل الطابق الأساس هو طابق الدين، يعلوه تسعة طوابق، وتنزل تحته تسعة أخرى، فيضع في أعلى الطوابق طابق الفلسفة، وفي أسفلها وأدناها طابق التنمية البشرية والسحر.. وكأنه يقول لنا إن الدين هو أساس كل شيء، وكل الفروع الأخرى تأتي بعده إما في مرتبة أعلى أو أدنى.

“فاقرأ كل شيء عن دينك واقرأ شيئا عن كل شيء”، تلك قاعدة فاحفظها..

~مستويات القراء:

هناك مستويات للقراءة، يمكن تقسيمها إلى ثلاث:

– قراءة التسلية: وأغلب الناس على هذا النمط، أي أن معدل قراءاتهم يدور في فلك الكتاب الواحد إلى عشرة كتب سنويا على أكثر تقدير، وهو أضعف المستويات، لأنه لا يتجاوز حدود التسلية وملئ الفراغ.

– قراءة المعرفة: وهي تلك التي تصل بك إلى تحصيل زاد معرفي متوسط في مجال من المجالات، وهي بدورها مرحلة وسط بين قراءة التسلية والقراءة المنتجة، أو القراءة الإنتاجية.

– القراءة الإنتاجية: وهي أرقى الأنواع فهي تعيد إنتاجك على صعيد السلوك والمعاملات، وعلى صعيد الفكر والتأمل، وبالتالي على مستوى الإبداع الثقافي والمعرفي كتابة وتحليلا ونقدا.. فهي تحرك المياه الراكدة في بحيرة عقلك.. وهذه القراءة لا تكون إلا بعد سعة الاطلاع ومثافنة الكتب بالركب..

القراءة الإنتاجية تفتح النوافذ الجديدة وتكشف لنا أفقاً أرحب. القراءة الإنتاجية هي حوار متواصل مع الذات من خلال فكر الآخر. فأنت عندما تقرأُ غيرك تعودُ إلى ذاتك وتمحصُ آراءك وتتأملُ أفكارك، من هنا تتحاشى الوقوع في مزالق التحنط العقلي وتحافظ على عملية الارتقاء التي يجب أن تستمر ولاتتوقف في نقطة معينة، لأن الإنسان كائن قارئ كما يقول “البرتو مانويل” صاحب كتاب “فن القراءة”، كما أن هدف القراءة لا يُمكن تحديده، لأن القراءة هي متاهة هرمسية متعددة الغايات على حد تعبير “إمبرتو إيكو”.
فالقراءة هي الحياة، ولا حياة لمن لا يقرأ

عبد الحكيم الصديقي

المصدرعبد الحكيم الصديقي

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.