نداء الى المسؤولين: الواحة تستغيث
عثمان عوي- خميس دادس
في أدبيات الوساطة وتدبير النزاعات نتحدث عن السلم بنوعيه: الإيجابي والسلبي، وقد يخطر على البال نوع من التناقض في الجمع بين السلم والسلبية أي بين متناقضتين، لكن للأمر تفسير ولن أخوض فيه خلال هذا المقال بل سأسقطه على نزاع تعيشه الطبيعة / البيئة مع أحد عناصرها وهو الانسان. هذا الفقري من المملكة الحيوانية الذي تمادى في نشر وقطع الغصن الذي يحمله على شجرة الحياة.
يعتبر السلم سلبيا عندما تعيش فترة تظنها هادئة، لكن عناصر النزاع تتفاعل بصمت لتحدث انفجارا حتميا لا رجعة فيه، ونحن الآن نعيش هذا النوع من السلم في واحات الجنوب الشرقي للمغرب حيث خريطة النزاع مع الطبيعة أصبحت معقدة وأطراف النزاع متباينة وكل هذا ينذر بخطر محدق يعلمه الكثير ويتغاضى عنه كأن شيء لم يقع.
أصبح الحديث عن التغير المناخي مألوفا وبين جميع الأوساط، لا أحد ينكر ما وقع للكون فكل شيء تغير، نمر بفترات جفاف عصيبة لنقهر بفيضانات رهيبة ومرعبة، أصبحنا نعيش فصلين في السنة فصلا الشتاء والصيف. هذه الأمور يعيشها العالم قاطبة لكن تفاعل النظام الواحي وجنبات الاودية مع هذه التغيرات صعب ويزيد من هشاشة هذا النظام الايكولوجي الهش أصلا.
لقد حبا الله هذه المناطق بطبيعة خلابة وجو صحي وهواء نقي وماء يتدفق بين الصخور، كل هذا جعل الانسان الواحي يتشبث بواحته رغم ظروف العيش الصعبة والقاسية. لكن في الآونة الأخيرة بدأت مظاهر الخلل تظهر ومن بينها كثرة الحديث عن أمراض مستعصية ومحيرة تصدم الاسرة والمريض كلما تم الكشف عليها.
لكن من منا تسائل يوما : ما الأسباب والمسببات؟
لو رجعنا الى طريقة عيشنا وتعاملنا مع الطبيعة و حديثنا الى الأجداد ومقارنة الأوضاع لتبين الامر. فمن بين المسببات أذكر مايلي:
أولا: الاستثمار
مع تنامي اقتصاد السوق والسعي الى الربح السريع ظهرت عدة مقاولات استثمارية خصوصا في الصناعة المعدنية والسياحة وكلها مجالات تنتج نفايات متعددة وسامة في كثير من الأحيان وتصرفها بطرق عشوائية في الطبيعة، مع العلم أن العاملين في المجال البيئي يتطرقون كثيرا للصناعة المعدنية دون الاهتمام بما تقدفه المؤسسات الفندقية المترامية على جنبات الأودية وكميات المياه المستعملة.
ثانيا : استقرار السكان
بعد الاستقرار بحث الانسان الواحي على بعض الطرق العصرية للحياة كالبناء بالأسمنت و دورات المياه المنزلية و الاستحمام، فصنع لنفسه هذه المتطلبات مع حفر الآبار المفقودة لتصريف المياه العديمة لكن للأسف تجد المسافة بين بئر “الصرف الصحي” وبئر جلب الماء الشروب لا تتعدى بضعة أمتار علما أن مستوى جيران المياه الباطنية يبدأ في بعض الأماكن في أقل من عشرة أمتار، فاختلطت المياه وشرب منها الانسان فتفاقمت الامراض.
فمن منا لا يفرط في استعمال أنواع من الصابون و الشمبوانات المختلفة و الغريب في الامر أنواع مختلفة من الأحماض ( لاسيد ) لفتح القنوات وتلميع الفسيفساء و العقاقير.
فليعلم الجميع اننا نتخلص من هذه السموم في مكان ونجلبها للتغذية في مكان آخر.
ثالثا : الفلاحة
أصبح هاجس الربح وتغطية المصاريف الثقيلة يفرض على الفلاح مقاومة الأمراض باستعمال أنواع متعددة من مبيدات ترش على الأشجار والأرض، فتم القضاء على الثروة الحيوانية التي كانت تخدم الأرض بشكل فعال وتزيد في الإنتاج. رغم أن الجميع واع بتسرب هذه المبيدات الى الفواكه حيث تشاهد العامة يزيلون قشر التفاح قبل أكله وهو الموضع الغني بالمواد التي يحتاجها جسم الانسان.
لم يكن الفلاح وحده المسؤول عن هذه الظاهرة بل حتى القائمين على الشأن الفلاحي وأكبر دليل على ذلك القضاء على النحلة الصحراوية الصفراء بدعوى محاربة الجراد فكان ذلك مفصل لتراجع الإنتاج الفلاحي بمناطق الجنوب الشرقي للملكة.
رابعا : الاستغلال المفرط للثروات
أقصد هنا ما تتعرض له الأعشاب العطرية والطبية من اقتلاع من الجذور للدخول في تجارة فاسدة تجعل البشر يجني دريهمات قليلة ويجني على الطبيعة جروحا غائرة لن تندمل أبدا، فبعد القضاء على الثروة الحيوانية – ذلك الوحيش الذي يغني التربة بسماده ويقلبها من حين لآخر بحوافره – بعد ذلك جاء الدور على الثروة النباتية بطرق عشوائية تشمئز لها النفوس.
أمام هذه الظواهر يتضح أننا نعيش مرحلة سلم سلبي تفاعل داخله جزئيات تنتظر الوقت المناسب للانفجار وربما أن المنزل يحترق أمامنا ونتابع المشهد من بعيد.
يكثر الحديث في اللقاءات والمناسبات عن ثروات المنطقة وعلاقاتها المتباينة بالتنمية لكن من منظوري الخاص تعتبر البيئة السليمة والطبيعة الخلابة الصحية من أغنى الكنوز ومدخلا اساسيا وسليما لتنمية الواحات، فلا يجب أن نغتر بمعادننا وفلاحتنا وسياحتنا مع الأنين المفزع المقلق الصادر من رئة الواحة المريضة.
أتفق مع من يعارض كتاباتي وكتابات أخرى حول المحافظة على البيئة من منظور أن التشخيص سهل المنال والحديث والنضال بالرقن والقلم في متناول الجميع فما العمل؟
هنا سأذكر بعدة مقترحات عملية سبق وأن طرحتها للنقاش ولم تجد آذانا صاغية – الا من بعض القلقين عن الشأن البيئي المحلي من الفاعلين المدنيين – واستمرار القائمين على الشأن المحلي من سلطات ومنتحبين في التعامل مع الأمر بالمناسباتية أو بالتفادي من باب كم من حاجة قضيناها بتركها. مع العلم أن التجربة سترتكز على واحتي دادس وامكون في انتظار تعميمها على كل الواحات.
التخطيط الاستراتيجي:
1- على المدى القريب :
_ جعل هذا النقاش حاضرا في كل اللقاءات والمناسبات
_ مناقشة الموضوع داخل المؤسسات التعليمية
_ اهتمام الجمعيات والتعاونيات بالمسألة البيئة بمراجعة برامجها ومخططاتها لتعتمد المقاربة البيئية.
_ تشجيع تربية النحل ( النحلة الصحراوية الصفراء مع محاربة استيراد النحلة السوداء)
_مراجعة الطريقة الحالية للفلاحة لتفادي استعمال المبيدات والمواد الكيماوية.
_جعل المدارس مشاتل للفلحة البيئية.
_ مراجعة كل السياسات العمومية المحلية ( الواحية ) لتستجيب لمعايير التنمية المستدامة.
_ تنظيم محلي ( اطار ما ) للعمل على المشروع البيئي للواحة .
_ الانخراط الفعلي لكل رؤساء الجماعات ( 12 ) المطلة على وادي دادس و امكون ، فمسؤوليتهم كبيرة في الموضوع.
_ تنظيم يوم دراسي في اطار المسؤولية المجتمعية للتنظيمات (LA RSO RESPONSABILITE SOCIETALE DES ORGANISATIONS) علما ان هذه المسؤولية ترتكز على فاعلين أساسيين أربعة وجب حضورهم في كل فعل تنموي صحيح و سليم وهم : الدولة – الجماعات الترابية – القطاع الخاص – المجتمع المدني
ومن خلال اليوم الدراسي سيتم التحضير لبناء مخطط عملي لحماية الواحة.
2 – على المدى البعيد :
و هو العمل على تنفيذ مخطط الحماية عبر مشاريع اذكر منها دون الحصر ما يلي :
تكتيف جهود الفاعلين الأربع للبحث عن مصادر التمويل.
_بناء محطات معالجة المياه العديمة من تلمي الى ايت سدرات السهل الغربية.
_تشجير سفوح الجبال وجنبات الوادي على طول الواحة.
_ربط هذا الغطاء النباتي بمحطات المعالجة
_بناء سدود تلية لتجميع مياه الامطار.
_خلق واحات صغيرة جديدة للنباتات العشبية (des oasis mellifères )
_بناء مطارح بيجماعية خاضعة للمراقبة مع تثمين النفايات الصلبة
_دعم استعمال المواد المحلية في البناء وذلك بتمويل الدولة للسقوف بألواح الطاقة الشمسية للحد من نفاذية الأمطار وإنتاج الطاقة مع اخراج قانون ضخها في الشبكة الوطنية الى الوجود.
لن أخفي ورغم ايماني الصادق بما أكتب، أنني أراجع المقال وأجده حلما وربما مستحيلا لكن بتظافر الجهود وما تزخر به المنطقة من طاقات بشرية وإطارات فاعلة يشهد الجميع بكفاءاتها يمكن أن يتحقق الحلم وأن نحارب المستحيل.
فغدا أفضل لهذه الواحة لا ينقصه الا الإرادة الفعلية وانخراط الجميع.
فإلى العمل …
المصدر : https://tinghir.info/?p=38569