على هامش الامتحانات الإشهادية

admin
اقلام حرة
admin26 يوليو 2015
على هامش الامتحانات الإشهادية
مونير كوبي
الآن، وقد وضعت الامتحانات الإشهادية بدورتيها العادية والاستدراكية أوزارها، وجب الوقوف عند بعض النقاط التي تبدو مثيرة للاهتمام، في ظل منظومة دخلت منذ زمن بعيد في متاهة، يجدر بنا تسميتها بمتاهة التعليم، كما يجدر بنا تسمية هذا الزمن بزمن المتاهة. ومن هذه النقاط:
  • أثبتت “التسريبات الرياضية” (نسبة إلى تسريب الرياضيات أو رياضة التسريب) التي وقعت في الدورة العادية من الامتحان الوطني أن التلميذ آخر من يغش. فالغش المالي الذي يقع بعدد من الأكاديميات والنيابات وحتى في الوزارة نفسها كما عكسه البرنامج الاستعجالي مثلا (40 مليار درهم لم يصل منها سنتيم واحد إلى أي تلميذ)، والغش في شعارات محاربة الفساد والاستبداد كما تناوله عدد من المنابر الصحافية، والغش في المواد الغذائية كما عكسته الحملات الزجرية الرمضانية الأخيرة، أفضى إلى نتيجة مفادها أن الغش ينخر المجتمع من أعلى رأسه إلى أخمص قدميه، وأن من يمارسونه يتجاوزون الحلقة الضيقة للمدرسة والامتحان. أما عسكرة الامتحان وتسييجه بهاجس امني مدجج بأسلحة متهالكة، ولو كانت تكنولوجية (العصا السحرية…)، فلم تزد سوى في تعميق السؤال حول المدى المتبقي من النسق الأخلاقي والتربوي للمدرسة والمجتمع.
  • كما حدث بشأن تنزيل برنامج مسار، يثبت غياب التواصل بشأن الإجراءات المتعلقة بضبط الغش والتصدي له، ولاسيما فيما يتعلق بمنع إدخال الهواتف النقالة لقاعة الامتحان، سواء كانت الهواتف مشغلة كانت أم غير مشغلة. فعوض توضيح هذه الإجراءات منذ بداية السنة، تم إنزالها رأسا على أطر الإدارة وهيئة التدريس والتلاميذ قبل الامتحان كأوامر مبجلة مبهمة تلزم الجميع بالانصياع لها، وهنا – ويا لها من مفارقة- غابت التكنولوجيا وحضرت العادة الأليفة.
  • في أوراق الامتحان وفي جميع المواد شيء يثير الاستغراب، وهو وضع الياء بين قوسين للإحالة على التلميذة، كما في المثال التالي:”أوضح (ي) مضمون هذه القولة وبين (ي) أهمية وجود الغير بالنسبة للذات”. فوضع الياء بين قوسين يمكن أن يؤول إلى الوضع الشاذ للمرأة في المجتمع ككيان غير معترف به كشخص. فإذا كنا نريد أن نطوع اللغة العربية لتستجيب لمطلب حقوقي، وهو حق المرأة في الوجود وفي المساواة، ونعترف بوجودها كشخص وككيان يتمتع بما يتمتع به الآخر/الرجل، وجب أن يكون الفعل/الضمير صريحا ويحيل حقيقة عليها مثلها في ذلك مثل الرجل. ولذلك، وعوض أن نقول:”أوضح (ي) …”، ينبغي أن نقول:”أوضحي/أوضح …”. والأمر ينبغي أن ينسحب على جميع الوثائق الرسمية والإدارية والمقررات الدراسية وجميع المؤسسات التابعة للدولة.
  • يتم تنقيل الأساتذة من مقرات عملهم إلى مؤسسات أخرى للقيام بمهمة الحراسة دون توفير النقل لهم أو تعويضهم عن النقل، وهذا تعسف في حق الأساتذة ينضاف إلى التكاليف الأخرى التي يقتطعها هؤلاء من جيوبهم عوض أن تؤديها الوزارة، ومنها: نسخ الفروض الكتابية المحروسة، والارتهان القسري بالانترنت وببرنامج مسار، في مغرب يريد أن يصير رقميا، وهو ما يحتم على الوزارة الوصية على التعليم أن تمكن الأساتذة من انترنت مجانية وبصبيب عال، ومن حواسيب شخصية مجانا، ومن آلة ناسخة في كل مؤسسة، لتضمن انخراطهم الفعال في رقمنة المؤسسات التعليمية وتسريع أجرأة هذه الرقمنة.
  • يبدو أن الأستاذ هو الوحيد الذي يخرج خالي الوفاض من عملية الامتحان، وهو الوحيد الذي يقذف به الواجهة ليصلى نار الجحيم، في الوقت الذي لا يخرج فيه أي متدخل آخر بدون أن يحصل ثمن “تدخله”. فمع توالي الدورات تنضاف أعباء جديدة تلقى إلقاء على عاتق الأستاذ ليتحمل وزرها، في الوقت الذي يكافؤ به الجميع ماديا، باستثناء الأستاذ الذي يقذف به إلى الصفوف الأمامية في “مواجهة مباشرة” مع التلاميذ، لأنه أداة وأداة فقط.
  • وحتى في التصحيح، يلقى على المصحح عبء جديد، وفي المقابل يعوض عن كل ورقة يصححها بثمن هزيل، أما أوراق الغياب فلا تحتسب أصلا. وقد لا يعطى المصحح الوقت الكافي للتصحيح، وقد يعطاه من الأوراق أكثر مما يحتمل تصحيحه، وعليه، فضلا عن ذلك، أن يتدبر أمر أكله وشربه من جيبه. ومعنى هذا أنه كلما طالب الأساتذة بتحسين شروط العمل (التدريس، الحراسة، التصحيح…)، كلما أمعنت الوزارة في إغراقهم بأعباء جديدة وتكبيلهم بمسؤوليات ممتدة، ليسهل تقديمهم فيما بعد في كل مرة ككبش فداء لمنظومة معاقة أو على الأصح ل”فوضى خلاقة”، والنتيجة “هرب” مزيد من الأساتذة الأكفاء من التدريس نحو مناصب أقل ضغطا وارتهانا بالفصل/الجحيم (الحراسة العامة …).
  • تتعمد الوزارة ألا تعلن عن مباراة الكفاءة المهنية إلا بعد أن تنتهي الامتحانات الإشهادية، وبعد أن يوقع الأساتذة محاضر الخروج، ويعودوا إلى مدنهم الأصلية ليهنأوا بالعطلة الصيفية وسط ذويهم، الأمر الذي يتسبب في حرمان عدد منهم من إيداع ملفاتهم بالنيابة، لعدم علمهم بالإعلان، أو لتعذر إيداعها بصفة شخصية قبل انصرام الأجل، نظرا لبعد المسافة بين مقرات عملهم وبين مدنهم الأصلية، وهذا إمعان آخر في الظلم، وانتهاك لحق من حقوقهم الإنسانية.
هذه فقط بعض من الملاحظات التي سجلت في هذه اللحظات الاشهادية، وكلها تحيل على أنها مظاهر لأزمة بنيوية عميقة، لا يمكن للإجراءات التكنولوجية والتأديبية سوى تعميق السؤال المدى المتبقي من النسق الأخلاقي والتربوي للمدرسة والمجتمع.
المصدرمونير كوبي

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.