الإسلام في فرنسا، شماعة تُعلَّق عليها الأزمات

admin
2015-02-24T20:29:03+01:00
اقلام حرة
admin24 فبراير 2015
الإسلام في فرنسا، شماعة تُعلَّق عليها الأزمات
محمد الآمالي

 غداة الاحداث التي شهدتها باريس في الحادي عشر من يناير الماضي، بدءا بمجزرة شارلي إبدو مرورا بالهجوم على المطعم اليهودي و انتهاءا بمقتل منفدي تلك الاعمال الإجرامية، هب الساسة الفرنسيون إلى التعبير عن ما جرى كل على طريقته و اسلوبه، على نحو يخدم مصالحهم الحزبية الضيقة، و الكل يسعى لتوضيف الحادث لكسب قدر أكبر من التأييد لدى الفرنسيين.

  و قد أظهرت الإجراءات الضرفية و الحلول الآنية،  المحكومة بالرد الفعلي العاطفي،  التي اتخدتها الحكومة، إخلاصها للخط الذي دأبت عليه الحكومات السابقة في تعاملها مع المشاكل المتعلقة بسكان الضواحي الفقيرة، و كذلك عجزها في  تشخيص الأزمة التي تتخبط فيها الجمهورية مند أكثر من عقدين، و المتمثلة في الإنكسار أو القطيعة الإجتماعية بين الفرنسيين .

 هذا الإنكسار الذي ترى فيه بعض النخب المثقفة المعروفة بعدائها للاجانب بشكل عام و المسلمين بشكل خاص تجسيدا للتباين الثقافي بين سكان الضواحي الذين حملوا من بلدانهم الأصلية ثقافة ( وحشية ) و الفرنسيين البيض ذووا الثقافة الراقية و المتحضرة . و على رأسهم المفكر و الفيلسوف ألان فنكلكروت المعروف بحقده و كرهه الشديد للإسلام ، و الذي عبر غير مرة عن إحساسه بالألم نتيجة تزايد أعداد المهاجرين ، و يؤكد على أن مشكلة فرنسا الأولى تكمن في الإسلام، و ما كتابه الآخير الذي عنونه ب”الهوية التعيسة” إلا خير دليل على معانات الرجل بسبب ما يراه ضياعا للهوية الفرنسية، و التهديد الذي يشكله التنوع الثقافي  فيها.

 ليس ألان فنكلكروت إلا مثالا لثلة من هؤلاء المثقفين كإريك زيمور- الذي صدر له مؤخرا كتاب عنونه ب”الانتحار الفرنسي”  و الذي يتباكى فيه هو الآخر على فرنسا الضائعة -و ميشيل والبيك- صاحب كتاب “الإستسلام” الذي تنبأ فيه  في قالب روائي بأن انتخابات 2022 ستفرز أول رئيس مسلم في تاريخ فرنسا- ، و غيرهم ممن دأبوا على استهداف المسلمين و الأجانب عامة عبر التشهير بهم و التخويف من وجودهم و تزايد أعدادهم، في شكل مقالات صحفية أو حوارات عمومية، أو من خلال مؤلفات ملغومة. و تحاول هذه الفئة تحميل مسؤولية عدم إندماج المسلمين ذاخل المجتمع الفرنسي، إلى كونهم متشبتون بثقافتهم الإسلامية، التي تدعوهم -في نظرهم طبعا- إلى الطائفية و كراهية الفرنسيين و رفض الإختلاط بهم، و تبنيهم لقوانين القرآن بدل قوانين الجمهورية.

في حين أن ألاوضاع التي يعيشها المهاجرون خاصة ذووا الأصول المغاربية لا علاقة لها بدين و لا ثقافة، فانطوائهم و انغلاقهم في ألأحياء الشعبية التي شُيدت في ستنيات القرن الماضي لإستقبالهم كيد عاملة، راجع بالأساس إلى الأوضاع الإقتصادية التي لا تسمح للكثير منهم باقتناء سكن خاص أو كراء شقة في أحياء ملائمة لعيش كريم، مما انعكس سلبا على أوضاع الشباب القاطن في تلك الأحياء حيث تنتشر البطالة و الفقر  في أوساطهم، مما يُوَلد لديهم إحساس بأن الدولة أدارت ظهرها لهم و لا تلتفت إلى أوضاعهم، و لا تقوم بخطوات جدية فيما يخص العنصرية التي يتعرضون لها في سوق العمل، و لا يتم الترحيب بهم إلا بعض الأعمال أو المهن التي هجرها (البِيض) .

زِد على ذلك حملات التشويه التي يتعرضون لها في بعض البرامج الإعلامية، التي أصبح فيها الشاب ذو الشعر الأسود و البشرة الداكنة رمزا للإنحراف و الجريمة. أما في الحملات الإنتخابية فلا يكون الحديث إلا على الأمن و لا شيء غير الأمن -الذي يهدده شباب الضواحي- من قِبل الساسة و كأني بهم يتسابقون على من يُسيئ أكثر لهؤلاء الشباب حتى يكسب أصوات الناخبين، و قد رأينا كيف أن الرئيس السابق نيكولا ساركوزي فاز بالإنتخابات الرئاسية بفضل السياسة القمعية التي اتبعتها الشرطة تحت إمرته لما كان وزيرا للذاخلية، مما أشعل انتفاضة الضواحي سنة 2005 . و ها هو الرجل و بعد عشر سنوات من مقولته الشهيرة التي وصف فيها شباب الضواحي بالرعاع و الأوباش، يدشن عودته الى الواجهة السياسية و عينه على رئاسيات 2017 بتصريح أدلى به لإذاعة أوربا 1 يوم الخميس 19 فبراير بأنه لا يريد نساءاً محجبات في فرنسا. 

إن أزمة فرنسا مع أبنائها من الطائفة المسلمة هي أزمة ثقة، فالشاب المسلم يُحس بأن هذا البلد الذي ضحى من أجله مئات الآلاف من المسلمين في الحروب التي خاضتها فرنسا، و قاوموا في الصفوف الأمامية من أجل تحريرها من الإحتلال النازي، بالإضافة إلى دورهم في بناء و إعمار هذا الوطن الذي حولته الحرب إلى خراب و دمار، هذا وبعد كل هذه التضحيات الجسام، يرى الشباب المسلم أن فرنسا تنكرت لهم و لأبائهم، و تجاهلت دورهم و مشاركتهم في بناء هذا البلد. أضف إلى ذلك التاريخ الإستعماري لبلدانهم الأصلية، و ما نتج عنه من نهب للثورات و تشتيت للأوطان، عِلاوة على ملف الشرق الأوسط الذي كثيرا ما يُلقي بضلاله على الساحة الفرنسية نظرا لتواجد لوبيات صهيونية مُؤثرة في توجيه بعض المواقف السياسية  فيما يخص الصراع الفلسطيني ضد الإحتلال.   

إن أسلمة المشاكل الإجتماعية و أزمة الهوية التي تعاني منها فرنسا، أصبحت لعبة مكشوفة تلجأ إليها بعض العقليات المتحجرة ذاخل النخب الفرنسية، و من يُطلق عليهم بالمحافظين الجدد، و الذين لا تروقهم التحولات التي تعرفها المجتعات الغربية و خاصة فرنسا،  و أن التعدد الثقافي أصبح السمة اللازمة لهذا البلد، و عليهم أن يُدركوا هذا جيدا. و أن يستحضروا في أذهانهم أن الرجل الأسود الذي يحكم في الولايات المتحدة الأمريكية كان ممنوعا عليه الى حدود الستينيات من القرن الماضي ركوب الحافلة جنبا إلى جنب مع الأنسان الأبيض الأمريكي، كما أن نضريةالإستيعاب التي يدعون إليها و التي تقضي بأن يترك المهاجر ثقافته الأصلية  و ينصهر كليا في ثقافة البلد المضيف، ربما تكون قابلة للتطبيق على كوكب آخر غير الذي نعيش فيه. و هي تنم عن نوع مِن التعالي و الكبرياء.

كما يجب عليهم أن يُعوِّدوا أنفسهم شيئا فشيئا على رُؤية المسلمين في كل مكان لأن أعدادهم مِن سوء حظ فنكلكروت و أقرانه لم تعد تتسع لها الضواحي، و بدؤوا يَخرجون من الهوامش إلى الواجهة،  كما أنهم و رغم العقبات أصبح حضورهم ملحوظا في جميع القطاعات، من الطب الى التعليم مرورا بإدارة و إنشاء مقاولات، مما جعلهم يتدرجون في هرم السلم الإجتماعي،  و يتفانون في خدمة وطنهم الذي وُلدوا فيه و ترعرعوا في أحضانه، مع احتفاظهم بثقافتهم الإسلامية، دون أن يشكل لهم ذلك أية عوائق.

 في النهاية أقول أن أزمة الهوية التي تعاني منها فرنسا، لن يتم حلها إلا في إطار حوار شامل و جاد بين مختلف فعاليات المجتمع من مفكرين و خبراء إجتماعيين و ممثلين عن المجتمع المدني، و جمعيات ثقافية، حوار تكون فيه الكلمة للجميع و من أجل الجميع، بغية قطع الطريق على حسابات السياسيين الذين لاتتجاوز طموحاتهم المناصب التي يسعون إليها، و بعض مثقفي اليمين الذين لا يتوانون في بث سموم الفتنة ذاخل جسد بلد الأنوار.     

محمد الآمالي

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.