تملالت… وجهتي الأخير

admin
2019-12-24T09:39:45+01:00
اقلام حرة
admin22 ديسمبر 2019
تملالت… وجهتي الأخير
أحمد زرير

تملالت… وجهتي الأخير

    أحمد زرير  أيت سدراتالجبل ، بومالن دادس

 

      بعد أن ضاقت بي الأرض بما رحبت، و أمطرت المعاناة علي من السماء بما اتسعت، و أساءت الأقدار لي من الحياة بما مرت، و قدمت الإنسانية لي الإهمال بما شاءت، و نسي التاريخ حقائقي بما حرفت، و غيرت الجغرافيا أسمائي بما اغتصبت، و ودعت الألسن أبجديتي بما قهرت، و منعت إخوتي من أسمائها بما لحدت، و أقصيت كتبي من المدرسة بما خجلت، و عانت قناتي الفضائية من البث بما سرقت، و تركت عائلتي في العراء للثلج بما همشت، و ردع إخوتي في السجون بالباطل بما حكمت، و اختلفت الآراء في الكونكريس كل بما نظر…

       هذه هي حالتي،  حالة كل من يعاني مثلي و ينادي، أنا الإنسان الضعيف يحمل في ذاته كم من أحلام، لم اخلق هكذا بل خلقت للعطاء و التغيير في عالمي، رغم الضعف و المعاناة فاني املك ناصية التاريخ و الثقافة. ولدت حرا و تكلمت بالواضح، ورسمت الخطوط و التعابير. صنعت الأمجاد و العباقرة في بقاع مختلفة، عرفني الجميع بالصمود و المقاومة. من حضارتي ملأت جيراني دلوها فنونا و ابتكارات، رغم الضعف و المعاناة انا الإنسان الذي ورث حالة ليست حالتي من وطني الكبير الى قريتي الصغيرة.

        بعد الضيق و المعاناة و الأقدار، بعد الإهمال و النسيان و الاغتصاب، بعد القهر و المنع و الإقصاء، بعد السرقة و التهميش و السجن، بعد الباطل و الخلاف بعد… سأسافر بعيدا على أقدامي متجولا بين الصحاري و الغابات، و بين الجبال و الوديان و بين البحور و الهضاب سأسافر بعيدا جدا  عن كل اسباب الهجرة. سفري هو بحث و استكشاف و هروب . البحث عن مكان يغيب فيه كل ما يتناقض مع مبادئي انه البحث عن الحرية و الاستقلال من اجل عيش الحقائق ، و الاقتيات على الفضائل.

هدفي هو نزع غطاء الضعف و تحقيق الاحلام . الا ان الاشكال هو في أي موقع ساجد ذاتي و كل مسلماتها ؟ هذه حالة كل من جمع اوتاد خيمته لينصبها من جديد في القرية الصغيرة.

         بعد الوجود و الوعي بالذات ، و الاعتراف الشخصي نسبيا . بعد الرحلة الطويلة و الاستكشافات الثمينة، رأيت المستقبل يخبرني بالاحسن و ما سيجعلني دائما في حالة من الاستيقاظ بالنضال و التضحية. هذه كلها افكار و مشاعر سحرية و منتظرة كانت نهايتها هو السفر عبر الطريق المستقيم الذي لم يخل من العقبات و التموجات هي اصلا نعمة و نقمة، في طبق الحياة المر بأذواقه المختلفة و الواقعية طريقي طويل تاريخيا و قريب وجدانيا اخر نقطة فيه هي تملالت.

        كم اشتقت اليها و أنا أناضل بين الاعداء، رافعا صوتي لعلني أجد رفيقا. محطتي الأخيرة قبلها كانت قمة جبل شامخ عبره تظهر صورة العالم جلية، عالم شوهه الاستعمار تغيرت ملامحه الأصلية بسبب مخالب الأوباش، تغيرت فيه اتجاهات الرياح كراهية منها تقديم نسيم الربيع. جبل وشم في الذاكرة أثارا و تراثا، من المقاومة الى الانتصار ذاكرة الجبل هي مفتاح الطريق الى تملالت.

        هذه هي قريتي الصغيرة انتابني شعور الغيرة و ادرفت عيني دمعة المحبة و اشرت بيدي الى المبادئ الثلاثة. انها حالة تنسي كل الماضي المؤلم ايقنت نفسي ان من خلالها سأتغلب على كل الصعاب. و سأجد ذاتي فقط ببساطتها و تقليدها الناذر . هي تملالت شريان الحياة و منبع التجديد و التغيير، هكذا رايتها تأوي كل الارواح النبيلة .انها قرية مقدسة تنتمي الى وحدة ثقافية متجانسة الى حد كبير و آمالي و متمنياتي. انها مجال خصب تراكمت فيه الحضارة و سجنت فيه المعارف قريتي الصغيرة اليك ذاتي المجهولة و انسانيتي القديمة الجديدة .عبر خطوات كلها دعاء و خير و بركة حييتك بكلمة الاخلاص “azul” افتحي ابوابك لا تطرديني عن اسرارك …

    مرحبا يا “تاملالت” يا سر ايت سدرات – ن- اغيل، يا تِتْريتْ السفح الجنوبي للاطلس الكبير الاوسط، يا معجزة اسيف -ن- دادس، يا رمز كل المنسيات، يا حل كل المعاناة. انت الجدر ان لم اقل الروح، لك وحدك انحني تحية الاجلال و الشرف، و تقديسا لعشق الاصالة و احياء لروح تيموزغا…

 انها تملالت و لا اقصد “الغزالة”، جمالها يفوق كل تشبيه و استعارة، هي كلها بثقافتها و عمرانها، بتقاليدها  و معاصرتها ، بسكونها و رموزها بشيوخها و نسائها بكل محتواها الخارجي و الباطني . هي وجهتي و مستقبلي لراحة البال و اعادة الضمير، انها لوحة الفنانة المتشبعة بروح الامازيغية منها و اليها تعكس و تجسد واقعا حيا، بريشة بين انامل بريئة تختار من الالوان تناسقا لراية تسافر بالأنظار و الاماني الى عالم توحده الذات الامازيغية. لها نسج الشاعر كلمات و الحان عذبة بسيمفونية الحياة من قيتارة جالت وراء الاسوار باصواتها، و رحبت بصدور اعتقدت انها  في طي النسيان. حقا انها جسر التغيير بالارادة و اللاشعور بين حس الطبيعة و وعي موحا و فاطمة.

      الصباح في تملالت، صباح العمل في الحقل بالمحراث صباح قطف تمرة التين، صباح الطفل و هو يلعب لعبة النسيان، صباح فيه تجعلك زقزقة العصافير و خرير المياه في حالة حمامة بيضاء عانقت للمرة الثانية نسيم السماء الصافية، و انت جالس فوق صخور ضخمة و عجيبة تنسل ورائها اشعة شمس الأثير لتضيء ممر القصبات، و جداول الماء الى البساتين. من الجهة الاخرى تظهر لك عادة و تقليد قديم، انه العمل الجماعي في حقل لونه ذهب و لمعان، ادخاره امر ضروري حسب قوانين الزمن. حيث اشجار الصفصاف العتيقة تتمايل، ظلها استراحة بكوب من الشاي. تملالت قدر و تاريخ صباحا و مساء، تملالت جغرافية و مدرسة لاسلاف ارتبطت بالارض ارتباط الروح بالجسد. تملالت حرية و استقلال. تملالت صورة طبيعية لقريتي و موطن اجدادي تملالت. عقدة في نفوس ترغب عثرة المبادئ و سجن الحرية.

    مساء تودعك شمس الأصيل، و تهديك القرية الصغيرة هدوء الليل بصوت البوم، وانت في حوار يتحدث فيه الجميع بديمقراطية و مسؤولية، يضيئه نور القمر استعدادا لوجبة مداقها كله جذور لنباتات أنجبتها الارض المقدسة بركتها و شفائها لجدات لا تنتهي حكاياتها الا مع بزوغ الفجر، حيث يستعد Ayur بأغنامه للانتجاع و البحث عن الكلأ، دائما نغمات نايِهِ ترسم خطوط السعادة الدائمة بين فجاج الجبال، و من اعالي المراعي الى جنبات الوديان. انغام تخشع لها قلوب منكسرة امتلأت محبة و عشقا تباركها ارواح اسلافنا الدائمة، بجلال و عظمة فوق ربوع تملالت الجميلة . فربما صلاة الفجر نابعة من ضمائر حية و علمانية ترتل احلى الكلام باللسان الفصيح، داعية بالنصر و الاستقلال على كل ثرثار و غاصب لأرض تامازغا العظيمة .

     لقد وصلت وجهتي الأخيرة و وجدتها كما تمنيت و تصورت، تنتظر بشغف و فرح كل الارواح و الذوات الانسانية، التي تجري في عروقها مسؤولية و هم التغيير و التجديد. من اجل الوحدة و التضامن و الثورة ضد كل معيقات قافلة الحرية، و اثبات الذات و ضد كل اعداء القضية الامازيغية .

      فمرحبا بكل مسافرو باحث عن الحرية في تملالت، كوجهة أخيرة للاستكشاف و لمعانقة ثقافة امازيغية أصيلة من أجل بناء قاعدة لـ…

  ” مغرم بالقرية السدراتية تملالت ”

Hmad_ntouda@yahoo.fr 

20190426 130141 - تنغير أنفو :: الخبر اليقين بين يديك20190426 171510 - تنغير أنفو :: الخبر اليقين بين يديك20190426 172417 - تنغير أنفو :: الخبر اليقين بين يديك20190609 082750 - تنغير أنفو :: الخبر اليقين بين يديك 

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.