عندما نحاول البحث عن تاريخ الأغنية بالأطلس المتوسط، فإننا نصادف الكثير من المهتمين الذي يعتبرون بل ويوثقون أن الراحل حمو ليازيد هو المؤسس الفعلي للأغنية الأطلسية، فما مدى صحة هذآ القول؟
إن الحديث عن جانب من جوانب حضارة شعب معين لابد من تناوله في إطار باقي الجوانب الأخرى ودون عزل منطقة من هذا الوطن عن باقي المناطق الأخرى .
وعندما نتحدث عن الأمازيغ فإننا نتحدث عن مجال جغرافي جد شاسع، تفاعل سكانه مع باقي الشعوب على اعتبار أن الحضارة الأمازيغية، من بين اقدم الحضارات التي بقيت لليوم تصارع من أجل البقاء . والحضارة هي مجموعة من المعتقدات والتقاليد والقيم والقوانين ومجموعة من المظاهر الفنية والأدبية والعلمية وعادات وسلوك وإمكانات، الخاصة بمجتمع معين، أي باختصار هي ذلك الإرث المعنوي والمادي الإنساني.
وبالتالي فإن الغناء الأمازيغي هو شكل من أشكال التعبير الفني الذي يدخل في خانة الفن كمكون من مكونات الحضارة الأمازيغية، وعندما نقول مكون، فإننا نقصد عدم إغفال باقي المكونات الأخرى كالفن المعماري والزخرفة والرقص الجماعي (أحيدوس)، وتمديازت (الشعر) والنسيج .. الخ
فلنأخذ مثلا الزربية الأطلسية “كوننا نتحدث عن أطلس”، فالكل يجمع على أن للزربية الأطلسية تاريخ جد قديم وهي شكل من أشكال إبداع الإنسان الأمازيغي، لما لها من دلالات حياتية، لكن لا احد يمكن له أن يعطينا التاريخ الحقيقي لبداية نسج الزرابي (إزظوان) .. ونفس الأمر ينطبق على إحدجامن (الوشم) عند المرأة الأمازيغية، نعم تزينت المرأة الأمازيغية برسم رموز على جسدها منذ غابر الأزمان، لكن هل نستطيع تحديد متى وضعت أول امرأة أمازيغية هذا الوشم؟
أحيدوس والذي أسميه أبا الفنون عند الأمازيغ، هل يستطيع أحد منا تحديد تاريخ ظهور هذا الطقس، بالتحديد كما هو الشأن بباقي الرقصات الجماعية الأخرى عند باقي مناطق الأمازيغ عبر ربوع تامزغا؟
إمليازن أي الشعراء فالجميع يجمع على أن لا حفل عند أمازيغ
الأطلس دون وجود شعراء في هذا الحفل وهذا ليس وليد اليوم بل منذ القدم . فهل يا ترى نعرف أول من نظم الشعر عند الأمازيغ ؟
فالغناء كنوع من أنواع الفنون لا يخرج عن هذا النطاق فلا شك أنه شكل تعبيري قديم قدم الإنسان الأمازيغي. والأطلس لا يخرج عن نطاق باقي المناطق الأمازيغية الأخرى نظرا لوحدة الشعب الأمازيغي عرقا ولغة وتاريخ وحضارة .
كنت قد قلت إن أحيدوس هو أبو الفنون “على الأقل عند امازيغ الاطلس” وهذا يتجلى في مجال الغناء فالأغنية الأطلسية استمدت شكلها ونمطها من أحيدوس فكان الغناء بشكل جماعي به ثماويات وترديد الغناء بشكل جماعي كما هو الشأن بأحيدوس.
إذن فما يسميه من اهتم بالغناء عند امازيغ الاطلس بالمؤسسين ليسوا كذلك والأصح هو أن هؤلاء استطاعوا اخراج الغناء من شكله التقليدي إلى الشكل الحالي اي الاستقلال من قواعد الغناء التقليدي القديم الى الغناء بشكل فردي. ومنهم حمو ليازيد وباقي الرواد رواد الأغنية الأمازيغية الحديثة. هؤلاء الرواد الذين وجدوا تراتا كبير ا وهاما، كان متداولا بشكل كبير وواسع كان بالنسبة لهم أرضية خصبة لابداعهم .. وهؤلاء ” حقبة الاستعمار وما بعدها ” تركوا هم أيضا إرثا لجيلنا الحالي. وهكذا بالضبط تتشكل الحضارة وتتطور.
دون أن نغفل الرسومات التي وجدت في المغارات تؤكد على أن الإنسان الامازيغي أبدع اشكال من الفنون التعبيرية منذ وجوده ..
وهنا يقول المؤرخ والعالم الفرنسي غابرييل كامب عن الفن عند الامازيغ : “والحال ان هذا الفن الموغل في القدم لا تبدله عنهم القرون ولا التقلبات الدينية ولا اشكال الاحتواء الثقافي فهو دائم الحضور في لاوعي المغاربيين، اشبه بنهر قوي يجري على وجه الارض تارة، وتارة اخرى يكون غويرا ، فهو فن يتأبى عن التاريخ “.
وفي الختام يجب التذكير بمشكل التوثيق عند الأمازيغ وكون الفن كان شفهيا بشكل كبير ولم يتم تأريخه بالشكل الكافي والحفاظ عليه بالإضافة إلى ما تعرض ما تم الاحتفاظ به من عبث من طرف أعداء الهوية الأمازيغية لغاية نعرفها جميعا ..
خلاصة القول (ما نسميهم بالمؤسسون هم في الحقيقة من استطاعوا اخراج الاغنية الامازيغية من شكلها القديم الى .شكلها الحديث .. هي لعبة الزمن حاكمها التطور ، فالشعب الذي لا يتطور مصيره الموت والزوال.
المصدر : https://tinghir.info/?p=39469