الحبيب عكي
لا أدري،إلى متى ستظل الأزمة في العالم العربي مزمنة ومستفحلة و كأنها القدر؟.ولا أدري،إلى متى ستظل معضلة التخلف عند البعض قابلة للتأجيل،وأن الأولوية الآن في العالم ككل إنما هي للأمن والاستقرار ومحاربة التطرف والإرهاب،مع أن كل هذا ليس إلا مضاعفات جانبية لأزمة عارمة تنخرنا بشراسة،ولا يزيدها التأجيل كالمرض إلا استفحالا ولاشك سيفتك بالأصحاء والمرضى على السواء؟. وطبعا يبقى الواعون بخطورة الموضوع لم يكونوا يوما مكتوفي الأيدي أمام هذا القدر،بل حاولوا دفعه بكل الطرق والوسائل ومع كل الحساسيات السياسية والتنظيمات الاجتماعية دون جدوى؟،فأين يا ترى يكمن الخلل؟؟.
المتأمل خارج المثلثات والمربعات و الدوائر، يرى بكل وضوح أن مشاكلنا اليوم مشاكل معاصرة،معقدة،متراكمة،طويلة وعريضة،ولا تحلها اجتهادات الأمس مهما كانت صلبة ولا حتى اجتهادات اليوم إذا كانت لأناس لا يمتون لبيئتها ولا لفئاتها وضحاياها بصلة؟؟. أناس ولاشك ألفوا العيش في الماء الآسن وليس من مصلحتهم إلا أن يظل الكون على الدوام بؤرة توتر مزمنة آسنة وأن يظل لها الجميع وقود التوترات والأزمات وهي محرقة العولمة المتأججة الكاسحة؟؟.محرقة تتأجج بالإتباع وتخمد بالإبداع ،لا خيار لنا في إخمادها إذن إلا الإبداع،ترى لماذا لا نبدع أو على الأصح لماذا لا نبدع بالشكل وبالكيف وبالكم الذي يسعفنا في ربح معركة لا زالت تسحقنا ألا وهي معركة التخلف في مختلف مجالات الحياة؟؟:
الأنظمة السياسية وما يتنامى فيها من المنع والقمع والاستحواذ على كل شيء والاستفراد به ليس الثروة والسلطة وحدها بل حتى التفكير والمبادرة نيابة عن الشعوب؟، والأسوء أن يكون ذلك كله في جلباب نيابي ديمقراطي تمثيلي شعاره:”بسم الشعب وهو لا يدري”؟؟.
تدهور التعليم وحب المعرفة والفكر الفلسفي العلمي المنطقي،حتى أننا ندرس موادنا العلمية وحتى الطبية أحيانا هكذا نظرية جافة على السبورة دون تجارب ولا أدوات ولا مجموعات ولا أبحاث؟؟.
غياب الاهتمام بالعلماء والباحثين الشباب وتسليط الأضواء على أشخاصهم وعلى أبحاثهم وفرق عملهم ومؤسساتهم واكتشافاتهم أو على نزيف الأدمغة ولو بعشر معشار ما يسلط وينفق على غيرهم من نجوم اليوم وقدواته الفنية والرياضية مثلا؟؟. وهكذا فسيظل لدينا ولا أدري إلى متى:
تراكم نفس المشاكل القديمة والحديثة.
نفس التدابير والسياسات العمومية الفاشلة.
نفس الطرح المجتمعي والنخبوي حتى،لتشخيص هذه المشاكل ومقترحات حلها.وفي هذا الصدد يمكن أن نأخذ أزمة البطالة أو التعليم أو الصحة أو الانحراف إلى الخداع والعنف والمخدرات،أو ما يدوخ الناس من متاهات الانتخابات وإفراغها من المعنى بإجهاز المتنفذين و الفاسدين من الأحزاب والناخبين الكبار على انتظارات المواطنين و إرادة الناخبين الصغار؟؟، فهي نفس الأزمات ونفس العجز ونفس الاختلالات والاخفاقات رغم كل سياسات الإحصاء والتشريع والتخطيط والاستباق…،بينما العديد من الدول قد تجاوزت هذه المعضلات بإبداع مقارباتها الخاصة والجادة، و نحن مع الأسف تنضاف علينا بالإضافة إلى ما سبق أزمات العصر بطبائعها العنيفة وتضلعها في أمراض التفرقة والأنانية والوصولية والاتكالية والاستهلاكية والتصادمية والتبعية والارتهانية..؟؟.
ترى هل إلى خروج من سبيل،والله قد جعل لكل داء دواء إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها؟:
لابد من الاعتقاد الجماعي أفرادا ومؤسسات،دولا وقوميات بأهمية الموضوع وجدواه،ومن هنا ضرورة تعديل نظرتنا وتعاملنا مع المشاكل والأزمات،بين التهوين والتهويل،وبين الهروب و التأزيم،ناهيك عن ضرورة امتلاك بيداغوجيا حل المشاكل والأزمات بعيدا عن طريق الانتظارية والكوارث واستنساخ التأزيم الأفريقي الذي لا يحل المشاكل إلا بأفدح منها؟؟.
حماية مناهجنا التعليمية من فواجع السياسة السياسوية المدمرة والأيديولوجيات البراغماتية الفاشلة،وربطها بالحقائق الموضوعية و العلوم المنطقية،والمنطق والعلم رياضة العقل والعقل لا يقبل إلا الصواب،عند أمة طالما ادعت أنها أمة عقل و نقل، ولكنها في الواقع تضحي بأحدهما خاصة العقل ومن ثم لا يفهم على وجهه الصحيح حتى النقل؟؟.
شمولية المجالات الإبداعية التي نحتاجها بقدر شمولية وتعدد الذكاءات الاجتماعية والأدبية والفنية…،لأنه في الحقيقة لا زلنا نعيش على فتات الآخرين أدرك ذلك كينونتنا ولائمنا أم تجاهلها و لم يلائمنا؟، وكل هذه الإبداعات لابد أن يقودها الإبداع العلمي ويكون هو أسها وأساسها،خاصة في هذا العصر الذي تفجرت فيه الاختراعات العلمية والتقنية وتطبيقاتها وتطويراتها فأصبحت اللغة الأولى للتواصل العالمي؟؟.
إصلاح السياسات العمومية بما يجعل الإبداع جزء لا يتجزأ من الاعتماد في المناصب ومؤشرات المؤهلين لها والتي تسند إليهم،مع اعتماد العمل بالتخصص والتخطيط الاستراتيجي وفق رؤية ورسالة وبرنامج وفريق عمل وشركاء ومؤشرات الانجاز على أرض الواقع وفي حياة الناس،وليس مجرد تبذير الميزانيات واختلاس الأموال العمومية رغم أنف الناس ورغم أنف التقارير، ليس إلا؟؟.
ولله ذر المدرب العالمي الدكتور السوري جمال أبو الورد – كشف الله ما ببلده من غمة-،وهو يتحدث عما دفعه إلى التوغل المذهل في مجال اختراع قوانين الرياضيات (أكثر من 20 براءة قانون رياضي لحد الآن،وقد تبنت الدولة في مناهجها تدريس بعضها)،وهو يتحدث في الرشيدية خلال رمضان 1436 في محاضرته القيمة مع “المؤسسة المغربية نماء للتكوين والتدريب”،حول الإبداع بين الأسرة والمدرسة والمجتمع،و وضع لكل منهما الشروط التحفيزية الضرورية لخلق بيئة إبداعية وجيل مستقبلي مبدع،غير أنه ركز على دور الإنسان المبدع قبل كل شيء حتى قبل الفرق والمؤسسات والسياسات،وأنه لابد أن يكون الشخص المبدع لديه حب العلم والمعرفة وحلم التفوق والتميز والإبداع،فوق بداهة الاكتشاف لما هو موجود أو الاختراع في مجال التقنيات أو مجرد النسخ والتطوير لبعض الآليات،و أضاف وهو يتحدث عن تجربته الشخصية وكيف دخل مجال الخلق والإبداع والابتكار وفي أعقد مجال علمي ألا وهو الرياضيات فقال:”أنا ومنذ البداية والطفولة كنت شغوفا بالقراءة ولكن لا أحب القراءة للمؤلفين والكتاب لأني وجدت مجمل كتبهم مجرد أراء وخواطر واختلافات لا تشفي الغليل، ومجرد نسخ واقتباسات وتجميعات وحواشي ليس إلا،فتوجهت إلى كتب العلم التي تتحدث عن الحقائق والاختراعات والقوانين وإنجازات العلم والعلماء فوجدت فيها ضالتي،حتى أشربتها وبفضل الله ساهمت في إثرائها والإبداع في مجالها،وبالضبط في مجال الرياضيات والرياضيات روح الحياة ولغة العقل والعقل لا يقبل إلا الصواب والمنطق؟؟.
وأخيرا ليس من نافلة القول ولا الفعل أن تكون لدينا مهرجانات الإبداع وتسليط الضوء على المبدعين وبراءات الإبداع والانجاز والإنتاج والتنمية في مختلف المجالات وفق المعايير الدولية،وتقاسم الخبرات والتجارب وتطارح المشاكل والتفكير في مشاريع الحلول وأطقمها،والانفاق على ذلك كله بسخاء ولو بعشر معشار ما ينفق على مهرجانات التبذير والفساد والاستبداد الضخمة والتافهة وهي في مختلف البلدان على طول السنة وعرضها أكثر من أن تعد أو تحصى؟؟.
إن استقراء واقع الإبداع في حياتنا العربية ليس سوداوية وإنما هو واقع والواقع لا يرتفع،وكما يقال فقد حققنا ثورة في تقنيات الاتصال ولكن هل حققنا التواصل؟،و حققنا ثورة في وسائل الإعلام ولكن هل حققنا روح الإعلام؟،وبقدر ما تتعالى عندنا البنايات والعمارات والإقامات بقدر ما نفقد السكن والسكينة؟، وبقدر ما تزداد وسائل النقل وتتنوع وتتعصرن بقدر ما تختنق أزمة النقل ومضاعفاتها الجانبية في الحواضر والبوادي؟،ذلك أن كثيرا من التحديث في حياتنا كان مجرد نسخ واقتباس مجاني أو تسول واستيراد جنوني أو اكتشاف وتطوير سيء ولم يكن أبدا إبداعا وابتكارا أصيليا نابتا من بيئتنا ومناسبا لحاجياتنا؟. ويحكى أنه قد ورد عن “أينشتاين” قوله:”من الغباء أن تفعل الشيء بنفس الطريقة وتنتظر نتيجة مغايرة”؟،نفس الطريقة السيئة الفاشلة المشكلة يعني،و تنتظر منها النتيجة الإيجابية الجيدة والجديدة والحل السحري الحاسم،فعسى ألا نكون من أغبياء “أينشتاين”، عسى ألا نكون ممن يفتقدون ملكة الخلق والإبداع ؟؟.
المصدرالحبيب عكي
المصدر : https://tinghir.info/?p=12064