سؤال عميق وشائك ويحتاج الى كثير من الصراحة والوضوح وإلى التجرد من كل الخلفيات للبحث عن أجوبة مقنعة تشفي غليل ساكنة جهة الله اعمرها دار. فإذا كنت من هذه الفئة أو تلك أو ممن اختلطت عليهم الأمور بسبب تبادل الاتهامات وتحميل البعض للبعض الآخر مسؤولية الأوضاع بالجهة. فإليك أسئلة استنكارية تحمل بين ثناياها رسائل خفية تحمل كل طرف بشكل مباشر أو غير مباشر جزءا من المسؤولية ليكون المواطن البسيط والضحية على بينة واستيعاب الطرف والمسؤول الحقيقي على الواقع الذي تعيشه الجهة التي اجهضت قبل ولادتها.
فمن أعدم حقيقة التنمية بجهة درعة تافيلالت التي كانت ولادتها قيصرية وتجمع بين كل الهوامش المنسية لعقود، وتعتبر معدومة من كل شيء تقريبا قبل وبعد انطلاق ورش الجهوية المتقدمة بالمغرب.
فهل هم المنتخبون المنتمون لأحزاب سياسية أغلبية ومعارضة وبمختلف مرجعياتهم ورموزهم السياسية بعد صرفهم النظر عن التزاماتهم تجاه الساكنة وانغمسوا في تأليف المسرحيات الساخرة و نصب المكائد والاستهتار بالميزانيات وبرامج التنمية. وكذا تسخير البعض لموارد الجهة وإمكاناتها لتنفيذ أجندتهم السياسية والانتخابية والانتقامية وإغراق الجهة في صدامات وصراعات هي في غنى عنها وكلها كلفت الساكنة سنوات من الضياع وأخلفت موعد اللحاق بالجهات الاخرى.
فماذا استفادت الساكنة من هؤلاء المنتخبين ومن البرامج التنموية ومن عقد الدورات ومن برمجة الميزانيات ومن جداول الاعمال التي تزيد عن 1000 نقطة وكذا عشرات النقط نظام والنقاشات البيزنطية التي كان الجميع شاهدا عليها ولم تفرز إلا الفتات وتدخلات متفرقة هنا وهناك وزرعت الحقد وعدم الرضى وأفرزت لنا مواطنين متشائمين وفاقدين للثقة والأخطر أن لهذا عواقب وخيمة أبرزها تهديد الاستقرار الامني والاجتماعي بالجهة.
وهل بعض مصالح الداخلية التي لها اليد العليا عبر توظيف آليات وأجهزة الرقابة الإدارية من ولاة وعمال تعاقبوا على المنطقة اتضح منذ البداية أن هاجسهم الأساس لسنوات هو الأمن والبحث عن الثغرات القانونية وإذكاء الصراعات لعرقلة عمل بعض المجالس ومحاولة فرملة أي إنجاز يحسب لأي كائن انتخابي أو سياسي كيفما كان بغض النظر عن الخلفيات التنموية لهذه الحسابات وبعضها وصل إلى المحاكم الإدارية للطعن في القرارات. وخلف ذلك تعثر عشرات ومئات المشاريع والمبادرات وتم تجميد اتفاقيات وعدم تأشير على ميزانيات وتعرضات بعضها قانونية وبعضها يدخل في خانة الشطط غير المشروع.
فماذا استفادت الساكنة من هذا الوضع القائم وكم عدد المشاريع التي استقطبها وأنجزها وأشرف عليها ممثلو الإدارة الترابية من ولاة و عمال منذ سنوات بعيدا عن هؤلاء “المنتخبين”، وكم عدد المشاريع الاستراتيجية والبنيات المهيكلة وكم عدد المعامل والطرق والطرق السيارة والقناطر والجامعات والمعاهد و المستشفيات و وسائل اللوجيستيك وغيرها من المقومات التي تبعث على الامل والتفاؤل وحظيت وتحظى بها مختلف جهات المملكة في أول تجربة للجهوية المتقدمة وما حملته من انتظارات في تدبير الشأن العام.
وهل تآمرت نخب درعة تافيلالت من مثقفين ورجال أعمال وأكاديميين وإعلاميين ورجال صحافة وتعليم ومؤثرين وغيرهم على الجهة كل من موقعه سواء بالصمت أو الانحياز وعدم الموضوعية. فالبعض وجد الفرصة في الصراع القائم بين الأطراف لنصرة جهات دون أخرى أو التقرب ودعم جهات أخرى من تبخيس للمجهودات وتجييش وترويج للصراعات التي طالت دون الاهتمام بوضع الجمود الذي تعرفه الجهة لسنوات طويلة مفضلين التضحية بمستقبل أبناء ونساء جهة درعة تافيلالت على الانتصار للمبادئ الكونية والانتصار للحق مهما كانت مرجعية الخصوم أو الاطراف الآخرى.
فماذا استفادت الساكنة والجهة عموما من بعض الحملات ومواقف بعض الجهات والأطراف التي ساهمت في تغذية تلك الصراعات فبذلت مجهودات كبيرة لتغذية النزاع وغُيبت مبادرات الصلح والتهدئة وتبديد الصراعات وأخلف شرفاء الجهة الموعد مع الانتصار للصلح وتغليب مصلحة الجهة. وانتهى بنا المطاف جميعا بخسارة الموعد مع التنمية مع توزيع يومي لخطاب الشيطنة والتبخيس والبكاء وفقدنا الرهان والأمل الذي كانت تعقده الساكنة على نخبها وعلى مسؤوليها جميعا.
بينما فضل البعض الآخر لعب دور الضحية وتسخير مكانته من داخل المجتمع المدني ولعب أوراقا في هذا الصراع ولم يستطع هؤلاء الإفصاح عن الحقائق كاملة وكذا تحميل المسؤولية للأطراف المتحكمة في الوضع حفاظا على المصالح الشخصية أو المشتركة. وأغلب هؤلاء بقي متفرجا في صراع قائم بين الإدارة التي استخدمت كل آلياتها وأدواتها للوقوف سدا أمام طموحات و”تمكن” بعض الأحزاب وبعض المنتخبين و “الأشخاص” الذين ربما ترى فيهم التهديد أو “الفاقدين للأهلية” الذين يجب محاربتهم ولو على حساب طموحات وانتظارات الساكنة.
ما هو جلي للعيان أن جهة درعة تافيلالت جهة “مكرضول” بامتياز وجهة الاستثناء في مختلف المناحي والمجالات. فلا نعتقد أن جهة طنجة تطوان الحسيمة أو الرباط سلا القنيطرة أو كلميم واد نون مثلا يمكن أن تعيش نفس الوضع ونفس الصراع وتسمح الدولة بهيبتها وقضائها وأجهزتها ومصالحها أن تسمح لبعض المجالس المنتخبة أو لمسؤوليها الترابيين أن يخلفوا الموعد مع التنمية ومع الرهانات التي تنتظر المملكة ولن تخضع لرغبات أو ميزاجية الأطراف كما هو الشأن بالنسبة لمن يدبر شؤون جهة درعة تافيلالت، أو يتم تسخير صلاحيات سلطة الرقابة الادارية لعرقلة سير بعض المؤسسات مع ما يرافق ذلك من تسجيل تراجعات دستورية وعودة مصطلحات من قبيل التحكم وصراع المؤسسات ووصاية المركز الذي يبدو أن الجهوية المتقدمة جاءت للقطع معه ولو بصفة تدريجية.
فإذا ثبت أن المسؤول أو المنتخب الذي يشغل منصب مسؤولية ما فاسد أو لم يستطع القيام بمهامه أو عاقه عائق أو فشل في تنزيل ما كلف لأجله، آنذاك يمكن اللجوء إلى حلول يزخر بها القانون أو القضاء لإسقاطه وعزله أو تعويضه وحتى تمكينه من أسباب النجاح أو الفشل أو نفترض حتى التكفل بإدارة شؤون المؤسسة بدلا عنه وكل هذه الإجراءات ممكنة وصائبة وكلها تغنينا عن سنوات الضياع إذا كنا فعلا نبحث عن استمرار المؤسسات في أداء واجباتها التنموية تجاه المواطنين كما هو الشأن في مناطق أخرى.
فلماذا لم تتخذ هذه الإجراءات رغم السنوات الطويلة للصراع الذي نشب بين مختلف الأطراف بجهة درعة تافيلالت ؟ وهل قُدر على ساكنة الجهة أن تنتظر لسنوات عقد صلح الحديبية بين هذه الكائنات التي طغت وتجبرت وتمكنت. وهل من المعقول أن نطالب النساء بعدم الحمل والولادة خشية الموت الى أن يتم الصلح، وأن نطالب ساكنة القرى بانتظار الطرق، والشباب بانتظار الملاعب والشغل وغيرها من المصالح الحيوية الملحة للساكنة.
إنه هدر للزمن التنموي يا سادة، فمن ولد بالأمس طفلا صغيرا أصبح اليوم يرجو ملعبا للقرب ومستشفى للعلاج ومدرسة نموذجية، ومن حصل بالأمس على إجازة أصبح اليوم في عطالة يبحث عن عمل قار وعن مؤسسة تحتضنه، وغيرهم كثير وبين الأمس واليوم سنوات طويلة وإلى متى يستمر النزيف ؟ فهل قدرنا لو كانت الانتخابات تتم لعشرين سنة أن نعيش الوضع نفسه لعشرين سنة ؟ إن هذا لمنكر، وإن هذا لهدر لحقوق أجيال جهة درعة تافيلالت المتأخرة أصلا والكل يتحمل المسؤولية، باستثناء إذا تحالفت كل القوى التي رأت أن ذنب الساكنة يكمن في أنها أعادت للواجهة أشخاص تم طردهم وإعفاؤهم من مناصب مسؤولية فحق عليهم العقاب. واختم هنا بعبرة مشابهة لواقع الجهة وهي لرجل كان جالسا على الارض وصعدت النمل فوق رجله وجسده وبعد لحظة أحس بالألم فقام بالضرب بقوة على ساقه مسقطا كل النمل وقتل منها عددا رغم أن نملة واحدة فقط هي السبب.
المصدر : https://tinghir.info/?p=54216