تنغير : مدرسة سيدي الحاج عمرو العتيقة بسافلة تودغة إمتداد موضوعي للزاوية العمرية

admin
آخر الأخبار
admin17 مارس 2016
تنغير : مدرسة سيدي الحاج عمرو العتيقة بسافلة تودغة إمتداد موضوعي للزاوية العمرية

 لعبت الزاوية في تاريخ المغرب مند القدم دورا كبيرا في ترسيخ الدين الإسلامي داخل المجتمع أحكاما وتشريعات؛ إن لم نقول أنها أحيانا تجاوزت ما هو ديني- روحي لتتدخل فيما هو سياسي واجتماعي في بعض المراحل التاريخية الحرجة التي مرت منها البلاد عبر التاريخ، هذا ما يلاحظ من خلال الغوص في تاريخ الدول المتعاقبة على السلطة في البلاد المغربية المنعوتة بالدول الحديثة، إذ نجد أن بعضها كانت قد استمدت شرعيتها من هذه المؤسسات التي لها أثر عميق في نفوس الأهالي؛ باعتبارها الموجه الوحيد والأوحد بالنسبة لهم في حياتهم اليومية؛ هذا راجع بالأساس – لا للحصر- لقيمتها الرمزية والتاريخية؛ الحديث في هذا الباب يفرض علينا كذلك التطرق لعنصر أخر فرض نفسه داخل المشهد التاريخي والديني المغربي؛ ألا وهي مؤسسات الأضرحة التي عرفت انتشارا واسعا ليس فقط في المغرب بل في شمال إفريقيا وإفريقيا جنوب الصحراء كذلك، حتى سلم البعض بمقولة:”اذا كان المشرق بلد الأنبياء فالمغرب بلد الأولياء, ويقال عن المغرب أيضا بلد المائة ألف ولي, لكثرة ما به من الأضرحة ‏والمقامات”، فكما هو معلوم نكاد نجزم أنه لا زاوية بدون ضريح والعكس صحيح، فالضريح في التفسير الأنثربولوجي الإسلامي ما هو إلا قبر يعود لشخص معروف بعطائه الوفير وزاده من حيث المعارف الدينية والدنيوية، بمعنى أخر أن له دور في التعريف و نشر الرسالة الإسلامية كدين وسطية واعتدال؛ كما هو حال عبدالله بن ياسين خلال الفترة المرابطية في تاريخ المغرب الوسيط، أو شخصية وطنية أفدت حياتها في الدفاع عن الوطن رموزا ومقدسات.

    لكن في الواضح والغالب أن معظم الأضرحة التي مازالت تحتفظ برمزيتها الى اليوم اكتسبت قيمتها في الجانب الروحي،وإن كثر التشكيك في حقيقة وجود  العديد منها لغياب شواهد تؤرخ لها، هي إذن علاقة تابع بمتبوع؛ لكن حينما نعود للأصل فالاثنان لا يختلفان أن الشيخ هو نفسه مؤسس الزاوية، لتصبح بذلك فضاء خاص به؛ يسيره حسب أسلوبه وطريقته الخاصة، التي يراها الأجدر باعتمادها تجاه مريديه، ونتائج ذلك تظهر جليا من خلال كم الطلبة الذين يتخرجون تحت إمرتها كل عام فاقهين متفقهين، مدركين تمام الإدراك لحقول وعلوم الدين؛ متمكنين من علوم اللغة وآداب الخطابة. على العموم فالإشعاع العلمي لهذه الفضاءات لا يجب ربطه فقط بما يروى في كتب التراجم والأعلام، وإنما كذلك يعود لشخصية ذلك الشيخ وزاده من العلم وسلوكياته تجاه المجتمع؛ وطبيعة تأثيره على نفسية أفراده، فكلما اطلعنا على سير مؤسسي الزوايا في المصادر والمراجع التاريخية للمؤسسات الدينية إلا ووجدنا مجموعة من الصفات ترافق أنسابهم مرافقة الليل للنهار. من فقيه وإمام عادل، صالح، معتدل؛ حكيم، قاضي…، فما هي طبعا إلا صفات تبقى مرتبطة بهم وبمرحلة زمنية معينة، لما لا وأن لكل فترة رجالاتها وأمجادها.

  وبما أن مبدأ الحديث في العلوم الإنسانية تقتضي وضع دراسات جزئية قبل الشاملة، والتاريخ منها يدرس المحلي قبل الإقليمي والجهوي؛ فإلقاء النظرة وتسليط الضوء على هذه المرافق العلمية التقليدية دفعنا بدون تعصب ولا رغبة في نيل “الاستحسان” للحديث عن فضاء علمي حصل على ما يمكن الحصول عليه من الشهرة في تلك الأزمنة الغابرة؛ أزمنة لا تعترف إلا بالعمل الصالح والاجتهاد المحمود. إنها الزاوية العمرية بواحة تودغة بالجنوب الشرقي المغربي”أسامر” التي كانت محجا للمريدين وطلاب العلم والعلوم؛ فيها عُلِّمت علوم الدين ولا يدَل فيها الإمام ولا الفقيه؛ هناك حُفظ ما ينير القلب ويهدي لطريق دعا إليه الرسول الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم. ملتقى أهل العلم والعلماء؛ منبر الصلح والصلحاء.

إن الكثير من الناس في هذا العصر، عصر الحداثة لا يكادون يعرفون شيئا عن هذه الزاوية سوى الحديث عن واقع تلك الأطلال المتناثرة من القصر القديم لحارة المرابطين، الذي لم يتبقى منه إلا جزء قليل – نقول جزء قليل من تاريخنا ومن ماضي أجدادنا الذي لا يمكن أن يقدر بثمن- وهم بذلك أحق، إذ لا يمكن أن نعترف بشيء دون قناعة، هذا راجع لعدة أسباب مرتبطة بشكل عام بعدم إدراك السكان المحليين لأهمية التراث الإنساني بشقيه المادي والشفوي، وغياب العقليات الغيورة على مخلفات أسلافها التي أضحت ربما ثقلا غير مرغوب فيه لذا الخلُف.

فإذا سلم البعض بأنه لا فائدة في الحديث عن تراث ضيعه أهله، فإفادتنا نحن هي أن نفتخر بالحديث عن تراث تمسك به أهله وحفظوه أشد حفظ؛ بل طوروه وفق ما يتماشى مع متطلبات العصر، بمعنى أنهم استطاعوا التوفيق بين الماضي والحاضر، ذلك من أجل استغلال ايجابيات اليوم في تطعيم مكتسبات الأمس، مزج لن يكون سوى في خدمة البحث العلمي والتعليم العتيق بصفة خاصة. طبعا نحن نتحدث عن الامتداد الموضوعي للزاوية العمرية الذي تمثله مدرسة الحج عمرو للتعليم العتيق بحارة المرابطين؛ التي أضحى لزاما علينا جميعا تقديم ما يمكن تقديمه من أجل التعريف بهذه المؤسسة، ووضع إمكانياتنا العلمية المتواضعة؛ رهن إشارة القائمين عليها من مدير وحراس عامون وأساتذة دون استثناء الطلبة، كمقاربة تشاركية بين التعاليم العالي الأكاديمي والتعليم العتيق، فالحفاظ على الأصالة كما هو معلوم لدى منظمة اليونسكو لا يمكن تحقيقه إلا بتضافر الجهود بين كل الأطراف المعنية والمهتمة بالشأن الثقافي والديني، بعيدا عن الحسابات الضيقة التي لن تكون الا من ذوي الفكر الحداثي العصبوي المعادي لكل ما هو تقليدي وأصيل، ومن بعض “المصلحتين”- الذين عاشوا في ماضي ليس بماضيهم؛ ماضي الاستعمار، وفي مستقبل ليس بمستقبلهم؛ مستقبل الاستعباد الثقافي والطمس الهوياتي- دعونا اذن نتحدث فيما يعننا ويعني تاريخنا وحضارتنا.

إن إلقاء الضوء على هذه المدرسة الأصيلة الجذور ومن دون أدنى شك سيخلف الارتياح ليس لدى المهتمين بالشأن الديني فقط وإنما سيشمل كل من له فضول في العودة لصفحات ماضينا المجيد، ماضي يشرف المستقبل الذي وجب بناءه وفق نموذج يتلائم مع خصوصياتنا المحلية، فكلما في أذهاننا تجاهها هو أنها أضحت في تقدم مستمر، بل وصل الأمر بطلابها الى البروز في كل الأنشطة الدينية التي تنظم في المنطقة أو حتى تلك التي يشرف عليها المجلس العلمي المحلي الساهر على المؤسسات الدينية بالمنطقة، اذ لا يمكن أن تصور -هنا في تودغة- مسابقات قرآنية من دون تألق أبناء هذه المدرسة، هذا كله إن دل على شيء فإنما يدل على أن هناك اجتهاد محمود يعود للقائمين عليها، والذين يحسب لهم كل نجاح حصده طلابهم، رغم الإمكانيات المادية واللوجيستيكية التي قد نعتبرها جد ضعيفة مقارنة مع ما يتوفر لنظيرتها في المناطق الأخرى في بلادنا، كتارودانت و تافيلالت على سبيل الذكر، الأمر الذي يبقى نقطة لن نقول سوداء وإنما هي فقط نقطة تعيق التعليم السليم؛ القائم على حسن التنقيل والتلقي. فحتى المقر المخصص لهذه المدرسة لا يليق بها، ولا يتناسب مع عدد الطلبة المتمدرسين فيها، نهيك عن الأدوات المتوفرة الجد المحدودة التي لا تعكس نجاحاتها، فالأمر يحتاج الى مزيد من المجهودات لكل من المجلس العلمي المحلى الذي هو في عمل مستمر للرقي بهذا النوع من التعليم محليا، وكذلك كل المعنيين بالشأن المحلي.

وإذا ما ارتدينا نظارات سوداء في ما ذكر سابقا، فالواقع كذلك يفرض علينا ارتداء النظارات البيضاء، لتبيان الواضح من المبهم، ولتمييز الصواب عن الخطأ، صواب نتمناه صوابا لغيرنا، هنا سنشير لبعض العوائق التي من شأنها التأثير سلبا على التعليم العتيق ليس محليا فقط، وانما إسقاطا على كل البقاع. فمن بين النقاط السوداء والتي حولنا تجنب ذكرها سابقا والقادرة على المس بعوتقة التعليم، نسجل غياب أية مبادرة لهيكلة هذا القطاع العلمي من الوزارة المعنية، فهيكلته وحسن تدبيره لازال في لائحات الغياب، كما تبقى مسألة تأهيل الأساتذة بعيدة عن الأذهان، حيث الكل يعلم أنه لا مجال للمقارنة بين خريجي المدارس العتيقة والجامعات، الأولين نجدهم طبعا جد متمكنين لغويا وفقهيا عكس خريجي الجامعات الذين قد ينسب إليهم نقص في هذا أو ذاك، نحن هنا لا نرمي الحجارة من قمة جبل كلها حجارة، حتى لا ينسب لإبن الأطلس أنه يتحدث بلسان غير لسانه “كما قالها البعض يوما”، وإنما الحق حق والباطل باطل. نحن لا ندعو تلك المؤسسات لتسريحهم بل نطالب مدراءها بوضع الحجارة حيث تتسرب المياه.

زيادة لما أشرنا اليه نستحضر مسألة وجب إعادة النظر فيها من طرف المجلس العلمي المحلي لتنغير ووزارة التربية الوطنية، وهي مسألة مصير المتخرجين من هذه المدرسة، الذين نعرف أغلبهم “غير” تابعين للتعليم العمومي، أي أن تحصيلهم العلمي مرتبط فقط بالتعليم العتيق، بالتالي فوجهتهم غير معلومة عند انقضاء تكوينهم، لذا – وعلى الأقل حتى وإن غابت بعض الأشياء الممكن توفيرها في القادم من الأيام- وجب إقحامهم كطلبة عادين شأنهم في ذلك شأن غيرهم، هذا عن طريق إحداث مستويات ومنحهم شواهد تسمح لهم بولوج التعليم العالي، أي مساعدتهم في متابعة دراستهم داخل المؤسسات الجامعية، طبعا لن يكون ذلك سوى مساهمة فعالة في تطوير هذا الميدان الهام. مع العناية بأساتذتها ماديا، لأنه كما يقال لا يعلم بقساوة الحياة سوى من فهمها. إضافة لذلك- لا للتعميم- يتبين أنه على الرغم من مكانة هذه المؤسسة وقيمتها، كخير خلف لخير سلف (الزاوية العمرية)، أن هناك نظرة أخرى من بعض السكان التي لن تكون إلا نظرة سلبية تغطيها أغلفة الهشاشة الاجتماعية وغياب الوعي بضرورة الدفع بأبنائهم للتسجيل فيها، وتعليمهم ما ينفعهم في الدنيا والآخرة. فلماذا إذن التعنت حتى في أصلح الأمور؟

هذا سؤال أظنه لي ولنفسي والفاهمين غيري، لكن هذا لا يعني أن الجميع أسقطت عليه المسؤوليات الملقاة عليها، فالكم الهائل من مؤسسات المجتمع المدني المنتشرة في المنطقة انتشار السحاب في السماء، بصفتها احدى الفضاءات التي تحتضن الأطفال في مختلف أنشطتها، أضحت مطالبة(بكسر اللام) بنقل الرسائل الحضارية التي ستبقى على عاتقها؛ بما أنها فضاءات للتوعية وتكوين أجيال المستقبل، إذ وجب عليها نشر أفكار ايجابية تصنع الشخصية المنتجة في أذهان الناشئة، والقادرة كذلك على جعلها قائمة مستقيمة وفية لخصوصياتها الثقافية المحلية التي يندرج ضمنها التعليم الأصيل، بل هي ملزمة  بالتعاون المستمر مع المؤسسة التي اشرنا إليها من أجل تشجيع مختلف الفئات وليس الأطفال فقط لدق أبوابها من أجل إشعاع علمي أكثر من ما نراه اليوم. كما أضحى واجبا على المسؤولين الساهيرين فيها -المدرسة العتيقة- على توزيع المنح إن لم نقول المحفزات عن التعليم في المستقبل إعادة النظر في توزيعها على الطلاب بكل نزاهة و”إنسانية”، فقد يكون هناك طالب فقير ويتيم منضبط ومتواضع لتعلم العلم وحفظ كتاب الله لا يستفيد من المنحة في الوقت الذي قد نرى طفلا طال يد أبيه خيرا يمنح، هذا طبعا و”إن كان لا يحدث ولله الحمد فقد ذكرناه خشية، ونعود بالله أن نكون من المتنبئين”، فلقد اشرنا اليه بسبب غيرتنا على هذا الميدان الذي أثلجت إستمراريته قلوبنا جميعا، وما علينا سوى أن نسأل الله الدوام و التوفيق والنجاح لكل من يعملون في صمت من أجل الصلاح لأبناء الأمة الإسلامية جمعاء، كما نسأله جل جلاله أن يجعلنا من الوارثين لتراث أجدادهم كما ورث سليمان داوود عليهم الصلاة والسلام.

المصدرالطالب الباحث علاحمو مصطفى / تنغير انفو

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.