هناك اجماع واتفاق بأن معظم المشاكل التي تعاني منها جل المؤسسات والقطاعات هي في الأصل بنيوية وهيكلية، وقد نرجع الأمر إلى طبيعة وبنية المجتمع المغربي الذي لازال يحتفظ في تنشئته الاجتماعية على البعد القبلي العشائري، وقد يظهر لنا هذا بشكل جلي من خلال الهويات المهنية للإطارات العليا والمتوسطة في المؤسسات الحكومية أو الخاصة. وقد يتبادر إلى أدهانكم سؤال كهذا: ما علاقة البعد العشائري بالإشكالات التي تتخبط فيها المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية بالمغرب؟
نحن نعلم جيدا طبيعة المجتمع المغربي الذي يتسم بالتركيب والتعقيد والتداخل والعشائرية، ويتبين هذا في العلاقات الاجتماعية بين افراد القبيلة الوحيدة أو الدوار. وارتباطا بهذا فإن الهويات الاجتماعية والمهنية تتأثر هي الأخرى بهذه التنشئة الاجتماعية ” العشائرية – القبلية “، كونها تشكل “الهابتوس” الذي يرسم معالم تمثلات الأفراد لذواتهم وللمجتمع وللوظيفة، ويعني هذا أن الأصول الريفية لازالت تطبع بصمتها في التنشئة الاجتماعية للشباب، كونها إرث حضاري وثقافي يتوارثه الأجيال عبر عملية التطويع والتطبيع، بالإضافة إلى كون الأصول القروية ساهمت بشكل كبير في إنتاج الفكر الشعبوي، والذي رسخ سلوكات غير سوية ومرضية بالمفهوم الدروكايمي، و المتمثلة في سلوكات اللاكفاءة والمحسوبية المتصلة بالعلاقات القرابية العشائرية.
وبالتالي هذا ينتج عنه تفاقم المشاكل الاجتماعية وتزايد الظواهر كــــ (البطالة – الدعارة – الفساد الإداري – الهجرة …وغيرها)، باعتبار الظواهر الاجتماعية نسقية ترابطية ولذلك نجد موضوع التنشئة المهنية موضوع له أهمية، سيما في وقتنا الراهن الذي تأزم فيه الوضع الاقتصادي والاجتماعي للأسر وتراجع دور الوكالة الاجتماعية في التنشئة الاجتماعية ” الأسرة والمدرسة.. ‘’ مما زاد الطين بلة، خاصة في ظل التحولات السريعة التي يشهدها العالم ككل وخاصة في بلدان العالم الثالث، حيث الرأسمالية المتوحشة تعمل على تحطيم كل القيم والمبادئ والهويات. مما أسفر عنه أزمة الهويات خاصة لدى الشباب. وهذا يجعلنا أيضا نتحدث حول مسألة إعادة الإنتاج الثقافي أو الهوياتي خاصة في المجتمعات العشائرية والمجالات ” الريفية” وحتى ” الحضرية” منها، باعتبار التنشئة الاجتماعية تجد جذورها في التنظيمات الاجتماعية أي ” المجتمع “. وعلى هذا الأساس فإن الهوية المجتمعية في تشكيلها هي هوية تطويعية وقد تكون في بعض التنظيمات الاجتماعية عشائرية ” النسب – العصبية ” التي تحدث عنها العلامة ابن خلدون في كتابه المقدمة. أي انصهار الأنا مع الضمير الجمعي ” نحن”، ويعود سبب هذا التشكل إلى الرغبة في الانتماء إلى هوية جماعية من أجل البقاء، خاصة حينما نتحدث عن المجتمعات القبلية. وفي مقابل هذا التصور نجد في المجتمعات المعاصرة بروز بشكل ملفت للنظر هويات أخرى كـ “الفردانية وغيرها”.
على العموم فموضوع الهويات نجده مطروح بإلحاح، خاصة في السجالات العلمية الأكاديمية “سوسيولوجيا الشغل” منذ القدم، فهو ليس وليد اللحظة بل كان حاضر في السوسيولوجيا الكلاسيكية أيضا «فريديريك تايلور «مثلا، لكن في وقتنا الراهن قد نجد الدرس السوسيولوجي الفرنسي لازال يبحث في مسألة أزمة الهويات Sain Saulieu» – كلود دوبار Claude Dubar– ألان تورين – Alain «Touraine . وهذا أيضا يفتح أمامنا الباب للحديث عن أزمة النظام القيمي، وعلى هذا الأساس فشباب اليوم ليس هو شباب الأمس، بفعل التقدم التقني أصبحنا أمام جيل جديد بهوية مغايرة عن الهويات السالفة، مما يتطلب منا جميعا محاولة الفهم والتفسير بغية ضبط السلوكات الجديدة لهؤلاء الشباب، وكذا توفير لهم الفضاء الأنسب لممارسة أفكارهم بكل حرية، بعيدا عن الفكر العشائري، الذي قد يقتل فيهم الطموح ويحولهم إلى جيل فقد هويته.
*باحث في السوسيولوجيا (مختبر التواصل والمقاولات وثقافة التنمية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية القاضي عياض مراكش)
المصدر : https://tinghir.info/?p=50880