لشبونة – فاطمة أوناس
في مشهد سياسي غير معتاد، فاز حزب اليسار المتشدد في البرتغال بالانتخابات البرلمانية الأخيرة، واضعًا حدًا لهيمنة الأحزاب التقليدية، ومعلنًا بداية مرحلة جديدة في تاريخ البلاد. لكن في المقابل، لم يكن هذا الفوز مصدر أمل للجميع، خاصة بين الجاليات المهاجرة التي باتت تشعر بقلق بالغ إزاء التصريحات والمواقف التي أطلقها الحزب خلال حملته الانتخابية.
صعود سياسي على وقع الأزمات
جاء فوز حزب اليسار نتيجة استثمار ماهر في حالة الغضب الشعبي إزاء التفاوت الاقتصادي وتردي الأوضاع الاجتماعية والخدمات العامة. فقد تبنّى الحزب خطابًا حماسيًا يدعو إلى العدالة الاقتصادية، إصلاح النظام الضريبي، ومحاربة الفساد المستشري، وهو ما أكسبه تأييدًا واسعًا بين الفئات الشابة والطبقات العاملة.
لكن هذا الصعود السريع أخفى جانبًا مقلقًا، تجلّى في مواقف الحزب المتشددة تجاه ملف الهجرة، ما أثار استياء ومخاوف قطاعات واسعة من السكان المهاجرين.
تصريحات مثيرة للجدل
رغم أن أحزاب اليسار عادة ما تُعرف بمواقفها المتسامحة والمنفتحة، فإن الحزب البرتغالي المنتصر خالف هذا التوجه، ووجّه انتقادات مباشرة لسياسات الهجرة الحالية. واعتبر بعض قادة الحزب أن الهجرة “غير المنظمة” تشكل ضغطًا على الاقتصاد، وتُستخدم من قبل أرباب العمل كوسيلة لتخفيض الأجور والالتفاف على قوانين العمل.
وذهب بعضهم أبعد من ذلك، بالدعوة إلى تشديد قوانين الهجرة، فرض شروط أكثر صرامة للحصول على الإقامة، وتسريع عمليات الترحيل، خاصة لمن لا يستوفون المتطلبات القانونية أو ممن لم يُندمجوا “بشكل فعّال” في المجتمع البرتغالي.
مستقبل غير واعد للجاليات المهاجرة
تصاعد هذه الخطابات والمواقف يطرح تساؤلات جدية حول مستقبل الجاليات الأجنبية في البرتغال، التي ساهمت على مدى عقود في بناء الاقتصاد الوطني وساهمت في تنوّع النسيج المجتمعي. ويخشى الكثيرون من:
• ترحيل المهاجرين غير النظاميين حتى وإن كانت لديهم روابط أسرية أو عمل.
• تعقيد إجراءات الإقامة والتجنيس.
• تنامي الخطاب العنصري وكراهية الأجانب، نتيجة شرعنة التوجهات الإقصائية من قبل السلطة الجديدة.
• تقليص برامج الاندماج والمساعدات الاجتماعية الموجهة للأجانب.
ردود فعل وتحذيرات
عدد من منظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية عبّرت عن قلقها من هذا التحول السياسي، محذّرة من انعكاساته السلبية على التماسك الاجتماعي وصورة البرتغال كبلد منفتح ومتسامح. كما طالبت الحكومة الجديدة بمراجعة سياساتها بما يضمن احترام الكرامة الإنسانية وحقوق المهاجرين، التي تُعد من المبادئ الأساسية التي تقوم عليها الاتفاقيات الأوروبية.
في الختام
بينما يحتفل أنصار الحزب بالفوز الانتخابي ويعلّقون آمالًا عريضة على مشروع التغيير، تقف الجاليات المهاجرة على الضفة الأخرى من المشهد، مثقلة بالمخاوف والشكوك، مترقبة ما إذا كانت المرحلة المقبلة ستُكتب بلغة الانفتاح أم تُفرض بسياسات الترحيل والإقصاء.
المصدر : https://tinghir.info/?p=75140