كما لا يخفى على أحد ، فقد عرفت بلادنا خلال السنة الجارية أمطارا كثيرة ومهمة، فبالرغم من أن الجميع استحسنها وفي انتظارها بأحر من الجمر، وذلك لكونها أعادت المياه الى مجاريها في مختلف المناطق بعد سنوات من الجفاف والقحط ، لكنها بالمقابل أحدثت فيضاناتها خسائر بشرية و مادية فادحة، تناقلتها وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي بمختلف ألوانها بشكل كثيف وصل مداها الى خارج الحدود، فكان للإعلام الدولي نصيبه منها ، وذلك نظرا لهول الكارثة ، فقد أتت السيول على الاخضر واليابس ، فجرفت معها البشر والبنيان ، والطرق والقناطر ، والانعام والحرث …
ومنطقة ألنيف بإقليم تنغير المتواجدة بسفوح الجنوب الشرقي المغربي هي الاخرى لم تسلم، ولم تشكل استثناء من بين المناطق المتضررة ، فصور سيولها وهي تجرف شاحنة حمراء ومن عليها سائقها ومساعده يستنجدان ، تصدرت العناوين والصحف الوطنية والدولية في تلك الفترة، ليس هذا فحسب بل جرفت السيول كذلك قنطرة أرضية على “واد الرك” على الطريق الوطنية رقم 12 تماما في مدخل ألنيف في اتجاه الريصاني ، ومازال الجميع في ألنيف يتذكر أيضا نزوح كل العائلات التي تسكن داخل قصبة “إغرم” التاريخية لألنيف نحو أقسام مدرسة “صاغرو 1” بمركز ألنيف، لكي لا يبيتوا في العراء خوفا من أن يدفنوا أحياء تحت أنقاض منازلهم المتهالكة أصلا، والملاصقة بعضها ببعض والتي كانت تتساقط أطرافها تحت الأمطار الغزيرة، مما خلق جوا من الهلع والخوف والتشرد مازال ساكنا في نفوس الناس الذين قضوا ليلتين متتاليتين خارج بيوتهم داخل جدران أقسام المدارس أو لدى الأقارب و الجيران.
لكن الصدمة القوية ، والحقيقة المرة التي مازال يتجرعها المواطن بهذه المنطقة تكمن في أن الدولة لم تحرك ساكنا ولم تدعم متحركا اتجاه هذه الاضرار كلها الى حدود الساعة ، ولم تقدم اي تدخل يذكر ، وكأن الامر بعيد عنها ولا يعنيها في شيء ! إنه موقف مخجل صراحة ! إن دل على شيء فإنما يدل على استمرار التهميش و الاهمال اللذين طالا هذه المنطقة منذ الاستقلال .
فقد مازالت تلك القنطرة على حالها حتى الان مهدمة و أمامها علامة صفراء “طريق منحرف ” يكاد الناس يألفونها و يحسبونها واحدة منهم، فمنذ تلك الفيضانات التي مرت عليها الان ما يفوق نصف العام لم يرى أحد اي إصلاح له صلة بآثار الفيضانات في هذه المنطقة، كما نراه في مناطق أخرى من مغربنا !اللهم إذا استثنينا كل ما قدمته جمعية بوكافر المحلية بشراكة وتمويل من شركة GTR sa)) الفرنسية فرع المغرب من محاولة إنقاذ أكثر من 36 عائلة من التشرد والمعاناة مع كل موسم ممطر، يقطنون كما أسلفنا بيوتا طينية مهترئة داخل قصبة أو بالأحرى قصر “إغرم النيف” التاريخي الذي يمتد على مساحة تفوق 10000 متر مربع يحيط به سور شهيق ، تتخلله أبراج في كل زواياه و برجين أخرين يزينان مدخله الرئيسي الوحيد، ببابه الخشبي الذي مازال صامدا يشهد عن تاريخ الأجداد و الأمجاد وعن تاريخ المنطقة والوطن بصفة عامة . فكما ألفناه منها دائما بمبادراتها الهادفة، أخذت جمعية بوكافر على عاتقها مسؤولية إنقاذ الانسان والتاريخ معا من الضياع والاندثار، فدقت الأبواب، باحثة عن من يشاركها الهم والمبادرة، فوجدت في شركة أجنبية ما لم تجده في مؤسساتنا الوطنية محلية كانت أو إقليمية أو غيرها، والتي من المفترض ومن الواجب عليهاأن تنهض بهكذا أمور.
فمنذ بداية شهر فبراير الذي تلى الكارثة إلى شهر يونيو المنصرم، ولمدة تزيد عن 4 أشهر، تمكنت الجمعية بتمويل من GTR و بأدوات ومواد محلية من تبليط أسطح 55 منزلا وتقويتها ضد المياه الجارفة، كما قامت بتبليط وتقوية أرضية الشارع الرئيسي الذي يخترق القصر بالإسمنت والحجارة وكذلك الأزقة الثانوية المتفرعة عنه بمساحة تفوق 1850متر مربع، وحفتها بأساسات إسمنتية لتقوية قاعدة الجدران الطينية وحمايتها من الانجراف و التآكل . مما أضفى عليها أيضا رونقا وجمالا كانت تفتقدهما القصبة ، وقد نال هذا كله تنويه الساكنة ،خصوصا بعدما ظهرت أولى نتائج هذه المبادرة القيمة جيدة وناجحة، فلم يملكواسوى دعواتهم المستفيضة بالشكر والخير للقيمين على هذا الانجاز الرائع، متأسفين في الوقت نفسه من غياب أية مساعدة من الدولة، رغم أن هذه المعلمة التاريخية تراث وإرث تاريخي أحوج من أي شيء أخر إلى ترميم شامل ورعاية أكبر، كان من الاولى والواجب على الجماعة المحلية وعمالة الإقليم، وعل ىوزارة الثقافة والحكومة بصفة عامة أن تدعمه وتهتم به وتصلح أضرار الفيضان الاخير قبل أي جهة أخرى، لأنها ببساطة مسؤوليتهاالانسانية والاخلاقية والتاريخية والاجتماعية والوطنية اتجاه مواطنيها أينما كانوا .
المصدر : https://tinghir.info/?p=9914