يعد شهر رمضان الكريم للسنة الهجرية الجارية، من بين الأشهر الذي اشتدت فيه المنافسة “الشريفة” على فعل الخير والتسابق لتأطير “الأنشطة الخيرية” نظرا لظرفيته موازاة مع الأجندة الانتخابية للقوى السياسية بالمنطقة، هذا ما يميز مختلف الأحياء الفقيرة بتافيلالت وعلى صعيد الجهة برمتها. استهداف للفئات المعوزة والفقيرة يتم بتجنيد “جيوش” ميدانية مكملة لدور مثيلتها المرابطة بمواقع التواصل الاجتماعي، لتمشيط الأحياء زنقة زنقة، ودار دار، وبيت بيت، للبحث عن أصوات ذهبية وواعدة ليست للمنافسة في مسابقة لتجويد للقرآن الكريم، بل لاستغلالها كوقود لإنارة “مصابيح” انتخابية، نظرا لكون هذه الفئة من المجتمع تتميز بسهولة استقطابها و بصيامها قهرا على طول أشهر السنة، بسبب استنزاف القفة اليومية لجيوبها، وارتفاع ثمن مختلف المواد الغذائية الأساسية الأكثر استهلاكا خلال هذا الشهر المبارك، نتيجة قفز من “فازوا بثقة العزوف السياسي” على أقصر حائط اجتماعي لتمرير مجموعة من القرارات اللاشعبية، وعزمهم مؤخرا على إتمام إلغاء ما تبقى من الدعم بصندوق صمام آمان القدرة الشرائية “المقاصة”، وتربصهم بالمكتسبات بصندوق يملأ من عرق جبين الشغيلة المقهورة “التقاعد”، مقابل حرمانهم من الزيادة في الأجور والمصاحب باقتطاعات جزافية، هؤلاء لا يحرصون إلا على طمأنة العفاريت والسفهاء والتماسيح بعد رفعهم للراية البيضاء في “حرب” كان شعارها في البداية “محاربة الفساد والاستبداد” وبقدرة قادر وبعد احتكاكهم بالأمر الواقع تحول في النهاية إلى استسلام عنوانه “عفى الله عما سلف”، وماهم إلا كراكيز كما فضحتها تسريبات ويكيليكس بالسعودية، في ظل دستور متقدم لازال يحلق كطائر في سماء المغرب منذ 2011 ، ينتظر ما ستسفر عنه الاستحقاقات المقبلة لعلها تفرز أياد أمنة لتنزيل مقتضياته ديمقراطيا.
في خضم هذا التفقير الممنهج والرغبة في إشاعة ثقافة التسول بمناسب الشهر المبارك، وجدت الكائنات الانتخابية رغم اشعارها بالمنع، أرضية خصبة للاختباء في عباءة جمعيات المجتمع المدني التي يمولونها والداعية إلى “فعل الخير والكرامة”، للهرولة وراء تنظيم عدة مناسبات لإفطار جماعي بمائدة الكرامة، وتقديم قفة رمضان، أو قفة قطر، وتنظيم أنشطة رياضية، وتوزيع جوائز للناجحين في البكالوريا…الخ، تعددت الأسماء والشعارات والهدف واحد، لامحالة هو استمالة الناخبين. وإلا كيف نفسر هذا السخاء المناسباتي؟ وهل الفقر وليد شهر رمضان؟، قس على ذلك، لا، لا ثم لا الكل مدروس بدقة متناهية، فالأحزاب سياسية بامتياز وتعي ما تفعله وما تخطط له، للأسف المواطن الضعيف لم يستفق بعد من غيبوبته لأن البطنة “الحريرية” تذهب الفطنة الفكرية.
إنها لحظات تاريخية هرمنا لرؤيتها، لحظات تتقاطر خلالها أعمال الخير من كل صوب وحدب على المستضعفين الصالحين والمسجلين فقط في اللوائح الانتخابية، والذين ينبتون في مختلف الأحياء كالفطريات بعدما أنعمت عليهم سماء الانتخابات بتهاطل أمطار محملة ببيض دجاج مسلوق، وحريرة حامضة تسبح فيها بعض بذور الحمص والعدس الملغومين، و”شباكية” معوجة كاعوجاج نويا من يوزعونها، وتمرة حلوة في مذاقها ومرة في مقاصدها، وحليب بقر ونعاج تزين بصوفها الوجوه خلال الحملات الانتخابية…الخ.
بالمناسبة انتابني طلب أحد المستفيدين بعد إفطاره بخيمة نصبت بالقرب من الباب الرئيسي لمستشفى مولاي علي الشريف بالرشيدية قائلا “ما أحوجنا لاستمرار شهر رمضان طيلة السنة، لتعم الخيرات الفقراء والمرضى وزائريهم”، متسائلا “لماذا لا يتكلف كذلك أهل الخيمة بوجبة السحور للظفر بالحسنات وبالخير
بأكمله”. ابتسمت وقلت له بكل بساطة الفقر مناسباتي ولا يرى إلا قبيل الانتخابات، أما وجبة السحور فخلالها يعم الظلام الدامس، ويصعب على المنظمين أن يفرقوا بين الصالح والطالح، ولن تظهر أعمال الخير للمواطنين لأن جلهم نائمين، ولن تتضح الصور الملتقطة التي تنشر على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، كالإخوان الذين نظفوا مسجدا بحي المحيط بالرشيدية ويتباهون بنشر صورهم واشهارها على صفحاتهم الفايسبوكية، ذلك يذكرنا تماما بما أقدمت عليه مسؤولة حزبية بعدما أن التقطت صورة مقززة رفقة طفلة بريئة تمسك بيدها صدقة “ياغورت” بجبال بضواحي تنغير، فهذه النماذج تنطبق عليها مقولة “صوروني وأنا أفعل الخير”، قمة البلادة السياسة. الخير يعمل بحسن نية ويلزم التستر كي لا تعرف اليد اليسرى ما تصدقت به اليد اليمنى.
المثير للجدل أن “الانشطة الخيرية” بالرشيدية لا تؤطرها فقط جمعيات مدنية وحركات دعوية ومنظمة طلابية تعتبر الدراع الأيمن لتيار حزبي أسس بثقافة القفة، بل حتى اليد القطرية أرادت أن تقول كلمتها بفضل مساعداتها التي دخلت سوق الصراع السياسي لتنافس المنتوج المحلي “القفة”، مما دفع بقوى سياسية إقليمية لعقد لقاء مع الكتابة العامة للإقليم بخصوص المساعدات الاجنبية المقدمة لجمعية “الكرامة” خوفا من استغلالها سياسيا بمناسبة شهر رمضان، الأمر الذي جعل الكاتب الإقليمي لحزب المصباح يرد عليهم قائلا «هل حلال على الأمين وحرام على الكرامة؟ بذلك فشهد شاهد من أهلهم على حدوث الاستمالة، إلى جانب تنظيم فئة محسوبة على رؤوس الأصابيع بحي الواحة لوقفات و حلقيات جامعية أمام ووسط مسجد حي الواحة والأحياء المجاورة له وفي جمعة رمضان “وهم صيام”، وهناك من دافع بالقلم وكتب “من طغى فلا جمعة له”، وهناك من عزم على تأطير وقفات نضالية أمام مندوبية الأوقاف، السبب بسيط جدا هو إقدام هذه الأخيرة على تغيير خطيب مسجدها، لكن اتضح فيما بعد أنه ابن جلدتهم السياسية، والمذهل أن منظمي الوقفات ينصرفون بعدها لتأدية صلاة الجمعة في المساجد المجاورة بدل مسجد الحي !!، وهنا يطرح سؤال عريض حول خلفيات مثل هذه الوقفات المعززة بيافطات أمام المسجد وبداخله، ألا يمكن إدراجها ضمن استمالة المصليين لمقاطعة الصلاة وراء الخطيب الجديد، أم لها حسنات ضمن أجندات سياسية، وأين أنتم من “من لغى فلا جمعة له” وليس من طغى، فما هو إذن جزاء من يريد نسف صلاة الجمعة في رمضان؟، أهذا هو التعاون على البر والتقوى أم على الإثم والعدوان؟، يا إخوتي في الله، المسجد “بيت الله” كما يقال بالدارجة، والسلطة الوصية عليه محليا هي مندوبية الأوقاف والشؤون الإسلامية، ولها الحق في استبدال أو طرد أو تأديب أحد مستخدميها، فلا دخل لكم كمواطنين في قراراتها وهي المسؤولة على عدم استغلال المساجد. هذا الموقف بالذات يبرر ما بينه المحلل السياسي للجماعات الإسلامية الدكتور محمد ضريف، بأن أغلب الأحزاب السياسية ذات المرجعية الإسلامية لا تمتلك أية استقلالية تجاه الحركة الدعوية التي انبثقت عنها، فمعلوم أن الإسلاميين اشتغلوا منذ البداية داخل “جماعات” كانت تعتبر نفسها ذات مهمة “رسالية ” وهذه الأحزاب ظلت مرتبطة، تنظيميا، بالجماعات الأم. وبالتالي عدم القدرة على تأمين استقلالية بين ما هو سياسي عما هو ديني. وأختم ورقتي هذه بمناشدة الثلاثي أهل الخير، والشريحة المعوزة، والسلطات الوصية كالاتي:
- يا فاعل الخير بالرشيدية، الخير الذي ينتظره منكم الفقراء هو تركهم وشأنهم، وعدم السطو على كينونتهم والجثم على صدورهم لإلباسهم قناع التسول، ومن يتفقد حالهم طيلة أشهر السنة العجاف. كما نطالب السلطات الإقليمية والمحلية السهر على تكافؤ الفرص بين الهيئات السياسية بالإقليم وحماية المواطنين من بطش بعض الأحزاب المعروفة بثقافة “القفة”، ولهذا كان لزاما على الأحزاب أن تقوم بدورها الحقيقي وهو التأطير ودفع الشباب ليأخذ زمام المبادرة والعمل. وليس كما نرى الآن جل الأحزاب همها الوحيد والأوحد هو الصندوق الانتخابي وكم الكراسي الذي يفوز به.
- يا فقراء تافيلالت لا تكونوا سدجاء هذه الجمعيات التي تأتي بمقاربات إحسانية دائما ورائها أهداف وأجندات سياسية مقيتة. فكرامتكم تبقى هدفا أسمى من أجله يجب أن تتنافس الأحزاب في برامجها بعيداً عن كل استرزاق سياسوي. وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون صدق الله العظيم، وعن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اللَّهُ:” كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ. “، متفق عليه.
المصدر : https://tinghir.info/?p=9576