يوسف عشي
تشير مختلف الأدبيات في مجال الدراسات القانونية إلى أهمية مفهوم الحكامة باعتباره براديغم يطغى على ساحة الخطاب العلمي. وتأتي أهمية ودقة توظيف المفهوم من درجة عدم الاتساق التي تتصف بها السياسات العمومية في البلدان النامية.. فإلى جانب لغة الخشب السائدة دون وجه حياء والتي ما تفتأ ألسنة سياسيينا تلوكها، نجد هذا المفهوم كثير الحضور ليس لأهميته الإجرائية في الرفع من الأداء الحَكَامي.. وإنما ربما “لزخرفة وتنميق” الخطاب وإعطائه دلالة أكاديمية وعلمية.
ولكي لا يكون توصيفنا لسياسيينا متجنيا.. أو مجانبا للصواب.. كان لابد من الوقوف حالات أو أمثلة تجسد ما نزعم وتبدد آمال كل حالم بغد رائع.. إذ كيف نتحدث عن الحكامة فيما لا يملأ رؤوس سياسيينا سوى الواجهة وعلى قاعدة المثال الشعبي “زوق تبيع” وفي تجاهل تام للمقولة الشعبية المأثورة “آلمزوق من برا آش خبارك من الداخل؟” وكتحديد منهجي فإننا لن نميز هنا بين المسئولين “المنتخبين” والمسئولين “المعينين” لأنه – مع كامل الأسف – تصدق فيهم المقولة الشعبية المأثورة “كلشي مسكي بمغرف وحدة”.
وفيما يبدو التحليل حين لجوئه للجانب السياسي شعبويا نعود لنسبغه بالطابع الإجرائي حينما نستحضر بعض الحالات التدبيرية.. وليعذرني القارئ الكريم نظرا ندرة المعلومات الرسمية في مقالي هذا فيما سيجد حضورا لأمثلة ميدانية واقعية .. فالهم وحده هو ما يدفع بنا إلى هكذا تحليلات..
إن المتأمل لمدينة سطات ليجد نفسه في عدد من النقط بوسط المدينة وجنباتها مدعوا للإعجاب بحكام المدينة المعينون والمنتخبون، ولعل نظرة إلى شارع الحسن الثاني بحلته الجميلة التي زانتها الحديقتين الجديدتين على مستوى قيسارية النخيل، تجعل المواطن ينشرح لكن انشراحه لا يلبث أن يزول حينما يضطر إلى المشي على الإسفلت جنبا إلى جنب مع السيارات حينما يقترب من “أوتوهال” في اتجاه سيدي الغليمي حيث تحتل المقاهي الرصيف بدون وجه حياء، وعلى مرأى ومسمع ممن بدأ ولايته ببطولة حينذاك تسمى “محاربة احتلال الملك العام” فالمقاهي التي كانت تحتل مترين أصبحت الآن تحتل ثلاثة.. والحبل على الجرار..
ونظرة أخرى في الحي الشعبي “ميمونة” تجعل المواطن ينشرح لإنجازات المجلس البلدي حينما يرى كيف تم ترصيف هذا الحي والحلة الجميلة التي بات يأخذها لكن نظرة صغيرة إلى حي صغير جدا يقبع في قلب المدية يسمى “درب السوق” تجعل قلب المواطن ينقبض حينما يرى بأم عينيه كيف يصارع الناس مياه الأمطار التي تدخل إلى بيوتهم خصوصا القديمة منها بالقطاع الجنوبي كلما هلت أمطار الخير. ليجيب السيد رئيس المجلس البلدي على حالة هذا الحي بكلمة بسيطة وبهدوء الواثقين ” إنه غير مبرمج.. انتظروا ربما نبرمجه..” ويجب السيد الوالي شخصيا ” انتظروا مخطط التقويم الهيكلي وسيتم إصلاحه..” وبالمناسبة هذا الجواب قدم لمنبر المواطن بريس أثناء تغطيته لزيارة السيد الوالي التفقدية للأشغال بالحديقة الرائعة التي أنجزت بجانب هذا الحي البئيس..
ولابد لمن ألقى نظرة على لوحة إعلامية كبيرة تم نصبها بقرب مسجد المسيرة تتحدث عن إعادة تكسية وترصيف “طرق القرب” أن يندهش للأمر حينما لا يرى من أثر الأشغال سوى اللوحة الإشهارية التي نصبت بوسط ممر للسيارات وتتحدث عن مدة أشغال تستمر ل5 أشهر. ترى هل تدخل الفترة الحالية في الأشهر الخمس؟..علما أن الشارع استفاد أصلا في السنة الماضية مما سمي إعادة تكسية.. يا سلام.. كذا يكون التدبير وإلا فلا..
منذ ما يقارب الشهر ونصف تقريبا تم نشر خبر في موقع المواطن بريس الإلكتروني حول حالة من العشوائية التي تعرفها عمالة سطات حيث يتم تخزين أرشيف مكتب الضبط في مرحاض “أعزكم الله”، في الوقت الذي يتم فيه غلق المراحيض في وجه الموظفين والمرحاض الوحيد المتروك في متناول الجميع حالته أكثر من كارثية.. ربما انتظر القراء أن يسمعوا عن الإجراءات التي سيتم اتخاذها. فربما كبار المسئولين لم يكونا على علم.. إليكم ما تم اتخاذه من تدابير في تجل جديد ونادر لمفهوم الحكامة: تم نقل موظف من مكان عمله بحجة أنه “يسرب المعلومات للصحافة” والغريب أن هذا الموظف بريء من هذه “التهمة” براء الذئب من دم ابن يعقوب..ولا يجمعه بالصحيفة غير الخير والإحسان.. كما تم تنظيم زيارة مفاجئة من طرف أحد كبار المسئولين حيث تحقق من صحة الخبر.. لكن ما كانت النتيجة؟؟ ندعو القراء الأعزاء لزيارة مقر عمالة سطات فهي إدارة عمومية – يمكن لأي كان أن يتجول في جنباتها – ليروا بأم أعينهم كيف لا تزال الحال على ما هي عليه.. في مدينة ترصد لها المبالغ الكبيرة للتهيئة الحضرية.
ولعل القارئ الكريم لاحظ كيف يتم اقتلاع “الطروطوار” وهو في حالة جيدة ليتم تعويضه ب”طروطوار” آخر.. تنفيذا للمشاريع الواعدة في التهيئة الحضرية !!.. وتغيير أعمدة الكهرباء بأخرى وهي في حالة جيدة !!.. ولعل آخر عملية من هذا النوع تتم حاليا بالشارع المؤدي إلى المركز الإستشفائي الجهوي الحسن الثاني بنفس الطريقة المبذرة دون أن تتم زيادة سنتيمتر واحد في عرض الطريق المثنى والذي بات كالشريان المخنوق !!..
وليس بغريب على المواطن السطاتي الحالة المزرية التي يبدو عليها شارع الجيش الملكي على طوله رغم كونه استفاد مؤخرا من إعادة تكسية وبتركيز أكثر بشارع الزرقطوني الذي يواصل مسار شارع الجيش الملكي أمام سوق شطيبة الشهير حيث تلعب السيارات لعبة الاهتزاز و تجاوز “السلوقيات” في مشهد شبيه بألعاب “بلاي سطيشن” في طريق من المفروض أنه حديث الإصلاح “ياحصرة”..
قد يعترض معارض ويقول قائل أن نظرتنا سوداوية وربما حتى نوايانا مشبوهة.. نقول له بكل بساطة كما نقول للمسئولين: الماء يكذب الغطاس.. لننزل إلى الشارع ولنر هل فعلا يمكن اعتبار هذه “المهازل” إنجازات؟؟ مع كامل احترامنا وتقديرنا لهما..
أليس من لوازم الحكامة الجيدة سلوك مسلكيات الإفتحاص؟ أم أن كل من رست عليه صفقة عمومية في هذا البلد السعيد له أن يفعل ما يشاء؟؟ أليس هناك دفاتر تحملات؟؟ أليس هناك ضوابط؟؟
نأتي الآن إلى إحدى الكوارث الكبرى باعتراف المسئولين أنفسهم.. حينما نتحدث عن التقطيع الإداري.. بالله عليكم في الوقت الذي يتحدث فيه الجميع في البلاد عن تقريب الإدارة من المواطن. هاهي أحياء بكاملها تُبعد إداراتها عنها حتى يتحول سكان حي السماعلة إلى حي السلام للحصول مثلا على شهادة السكنى !!.. وأمام استغراب واستنكار الجميع تمضي السلطات المحلية في تنفيذ هذا التقطيع ولتذهب شكايات وأصوات المواطنين إلى الجحيم..
إن رؤية إصلاحية للحكامة المحلية باتت في نظرنا جد ملحة.. و أكثر إلحاحا في مدينة بات المواطن يشعر فيها بالإقصاء.. حينما يرى بأم عينيه كيف يبتعد ويبتعد عن الاستهداف في تدبير الشأن المحلي ليطرح السؤال.. لم توجد الدولة أصلا؟.. أليست شخصا معنويا أنيطت به مهمة تدبير شؤون المواطنين على اعتبار أنهم يعيشون في دولة الحق والقانون؟ أليس هذا ما يلقن للتلاميذ في المدارس والطلبة في الجامعات؟؟
قد تكون رؤيتنا مجانبة للصواب وربما يعتريها انزلاق ما.. نعم هذا وارد.. لكن وارد أيضا.. حرقة وهم باتا يعصران أفئدتنا ونحن نرى الحال لا ينصلح بهذه المدينة التي قدمت الكثير للوطن ولا تزال : شهداء في حرب التحرير.. وسياسين عظام .. ومفكرين أفذاذ.. ومواطنين صالحين.. أفلا تستحق هذه المدينة على الأقل حقها في حكامة جيدة؟؟..
نعتذر لمن لمس في كلامنا هذا مساسا بعمله – وهذا طبعا غير مقصود- لكن نردد كما دائما مقولتنا الدائمة: ” نحن لا نتهم أحدا.. لكن من حقنا محاسبة الجميع”. السلام عليكم.
يوسف عشي
المصدر : https://tinghir.info/?p=8483