تاريخ المغرب بين الكتابات المحلية والاستعمارية

admin
2014-10-27T21:26:57+01:00
اقلام حرة
admin27 أكتوبر 2014
تاريخ المغرب بين الكتابات المحلية والاستعمارية
علاحمو مصطفى

     إن كل دولة لها حضارة و تاريخ تفتخر بهما بين الأمم والشعوب، إذ تحافظ من خلالهما على ثقافتها وهويتها وانتمائها لمجال جغرافي معين، وبالتالي فإن التاريخ عنصر أساسي لبناء أي مجتمع إنساني ملتزم ووافي لتطلعات أبناءه إذ يستحيل عدم الاعتماد عليه التنبؤ بمستقبل مشرق لأي أمة، ولا يمكن الجزم بتعريفه انه “استهلاك للماضي من طرف عقول تخشى اللاحق بما قد يحتويه من مفاجآت، بل إن الماضي احترام وتقدير لكل عمل سالف”وعلينا أن لا نصدم أنفسنا بوجود كيانات لازالت تتخبط في ازدواجية الواقع والخيال بحثا عن مادة تحتوي الموضوعية التاريخية من أجل إنصاف كل مكوناتها التي تعي بمدى ضرورة إعادة الاعتبار لماضي أجدادها، فالإهمال والتهميش الذي قد يلاحقان البحث التاريخي في أي بلد كان ستكون له نتائج وخيمة في المستقبل لان “الشعوب التي لا ذاكرة لها تنتج أفرادا لا مستقبل لهم”، ومن هذا المنطلق فإن بلدان شمال إفريقيا هي نفسها تائهة في تاريخ متافيزقي لن يقبل وضع فرضيات عميقة أو استعمال منهجيات متفق عليها، إذ أن المتتبعين الموضوعيين للشأن التاريخي في المغرب كبلد أفريقي شمالي يتمتع بفسيفساء ثقافي مستقل عن المشرق باعترافات كبار الكتاب مستاءون من الطرق التي دونت بها موضوعاته مند فجر التاريخ إلى الآن، و إننا نؤمن حق الإيمان أن ما ذكر عن ماضينا ليس في السكة الصحيحة مما يفرض على باحثي هذا العصر في التاريخ والحضارة عدم التسرع في فرض الأحكام تجلبا للفهم السطحي وكذا التسلح بجهاز مفاهيمي من أجل رؤى نقدية دقيقة بالإضافة إلى نوع من الحلكة والموضوعية عند قراءة أي وثيقة، سماع رواية معينة، أو انجاز بحث حول موضوع تاريخي ما وتجنب العواطف، وهذا ما قد يفصل في جدال المؤرخ والفلاح و العامل في مهامهم كما يقول الصينيين، انه مثال عكسي واضح يعيدنا لما حصل لتاريخنا الرسمي بحيث اتخذ الكل مهنة المؤرخ وأصبح الفلاح هو المؤرخ وكتب ما يحلو له وفق سياسته وانتمائه الإيديولوجي الخاص بل هناك من أنجز مجلدات حول سير أشخاص معينين مخلفين بذلك إشكاليات عويصة للأصحاب التخصص، وبهذا المعنى فإننا في خانة الفبركة والصناعة لأحداث سوف يكذبها المستقبل لا محالة بحيث تتغير صدف العيش وحال اليوم ليس بحال الماضي، لأنه وبكل بساطة الإنسان هو صانع التاريخ في شتى الأزمنة والأمكنة وليس العكس، لتبقى الأسئلة الجوهرية والتي تنتظر الجواب في الأفق إلى متى الحقيقة في تاريخ المغرب من خلال الكتابات المحلية والكولونالية؟ هل للكتابات الرسمية دور ايجابي في تاريخ المغرب ؟ ولماذا حاولت تشويه الجانب الحضاري له من خلال تغييبها لبعض فتراته؟ وكيف تنظر الكتابات الاستعمارية إليه؟ ما السبيل إلى تاريخ مغربي موضوعي؟

إننا أحيانا نطرح أسئلة قد تزعجنا من حين للأخر، ليس الهدف منها فقط إبراز وضعية البحث العلمي “التاريخي” في بلادنا المتدهورة وإنما كذلك وضع المهتمين بهذا الميدان في موضع يفرض عليهم الاجتهاد للارتقاء إلى مستويات مطلوبة تمكنهم من الوصول إلى المغزى الحقيقي لأعمالهم العلمية خاصة إذا تعلق الأمر بالطلبة الباحثين الذين وضعوا القدم الأول في هذا المجال، فقد أصبحنا ننتج مادة تاريخية للجامعات الوطنية بدون هوية بل وبلا معنى كما أصبح المفهوم الحقيقي للتاريخ أشبه بتلك المقولات الشعبية التي تتحرف وتتأول معانيها من جيل لجيل وهذا طبعا يعكس سلبيات ما ذكرنا سلفا، فإذا ما سلمنا بذلك فلا يعني أنه أصعب تحدي قد يواجه الممتهنين لمهنة التأريخ لكن بالإضافة إلى ذلك لا يجب أن نجعل شخص المؤرخ”شخص عزيز محبوب غير مرغوب فيه إذا تكلم”، بل يجب إن يكون له دورا محوريا يلتزم فيه بالحيادية لكي لا يكون من ضحايا الكتابات الاستهلاكية التي أزاحت الصبغة العلمية لعلم التاريخ من خلال الربط بين الذات والموضوع وجعله بذلك اقرب ما يكون نثرا أو أدبا ويسقط في فخ الاقتناع بأفكار جاهزة لباحثين مغمورين مشكوك في نزاهتهم من خلال معالجة القضايا التاريخية المعقدة، وهذا ما حدث بالفعل أثناء تدوين معظم الوقائع البارزة في ماضي بلادنا بحيث أن الروايات تختلف من مؤرخ للأخر في كثير منها وهذا خير دليل على كون إعادة تدوين أحداثها لم يجانب الصواب لتطرح حزمة من التساؤلات والتي لا تزال عالقة إلى اليوم، إنه جزء من المشكلات التي تصعب المأمورية لأي كان في الوصول للحقيقة اليقينية لهذا النوع من العلوم.

وبناءا على ما سلف ذكره فإن النظر إلى الإنتاج التاريخي للكتابات الوطنية من خلال الإطلاع على بعض المصادر والمراجع التي تعود إليها خاصة المناهج المدرسية لا تمنح للنقاد التاريخيين أي فرصة للتدقيق والتأكد من صحة المعلومات التي تقدمها للمتعلم، كما أنها عمدت إلى الإقصاء تجاه بعض الفترات التاريخية لهذا البلد فعلى سبيل المثال إن لم يثيرونا الفضول ورد في تلك المقررات أن تاريخ المغرب مختزل في 12 قرنا أي مند قيام الإمارة الإدارسة في حين أن الحقيقة تقول انه يعود لعصور ما قبل التاريخ بالإضافة إلى إهمالها لدور الهوامش في الأحداث كالمغرب العميق والريف وهذه عوامل تجعل الحكم عليها من طرف المهتمين بأنها كتابات ” اقصائية، عنصرية ذو طابع إيديولوجي” تريد جعل الباحث التاريخي المغربي المعاصر باحث ظل فقط يستهلك المعلومة كما هي دون زيادة أو نقصان، كما أنها نهجت سياسة صناعة وتنفيخ المفاهيم الأسطورية من قبيل أضحوكة “الظهير البربري” الشيء الذي يجعلنا لا نؤمن بانتجاتها مهما كانت قيمتها المعرفية، لكن هل سيدفعنا افتقاد هذه الكتابات للموضوعية إلى الاعتماد على نظيرتها الاستعمارية بشكل تام؟

بالطبع لا لان الدول الامبريالية الأوربية التي استدمرت المغرب كانت لها وجهات نظرا متباينة فيما يتعلق بتاريخ الدولة المغربية حسب مواقفها ومصالحها في هذا البلد مند بداية المواجهة بينهما سنة 1822م، إلى أن النظر إليها دون تدقيق يوضح أن لها رؤى مغايرة تجاهه ، فإذا ما تصفحنا كتاب “تاريخ شمال إفريقيا” لكاتبه شارل أندري جوليان فقد نتفاْءل خيرا بالطريقة التي تناول بها هذا المؤلف أحداث منطقة شمال إفريقيا، إذا قدم رأيا شخصيا مستقلا ولم يتأثر بالضغوطات التي مرستها السلطات الفرنسية على مِْؤرخيها لتحريف الأحداث. لكن مع كل ما ذكر فذلك لا يمنعنا من اعتبار التأليف الإمبريالي عنصري أيديولوجي يجعل التاريخ المغربي تاريخ ناقص، متناقض، تاريخ قبائل متناحرة كما أنه ينبني على أحكام سلبية معتمدا مصطلحات جاهزة وليست له أي علاقة بواقع التاريخ المغربي الحقيقي.

   إنا الباحث المغربي اليوم يعيش بين روايات محلية وهمية تمجد المدن وتقصي الهوامش وروايات أجنبية لها أبعاد سياسية تجعل من ماضي المغرب ماضيا مغمورا بل سلبي أحيانا وهذا ما ولد حسب عبد الله العروي مفكرون يدعون إلى تجديد تاريخ المغرب، لكن ذلك ليس بالأمر السهل فقد يتطلب أعواما كثيرة كما انه يحتاج إلى خبرات و عنصر بشري متمكن ومعاهد مستقلة مهتمة بالميدان وحده بالإضافة إلى دعم مادي إن أردنا كشف حقيقة تلك الأكوام من الوثائق التي تختزن التاريخ الحقيقي لهذا البلد في شتى أنحاءه منصفين ماضينا الذي ينظر إليه الكل بتشاؤم وبخيبة أمان إن لم نقول بفقدان الأمان لأنه من العيب أن نجمع تاريخ بلد عريق مثل المغرب في اثنا عشر قرنا متنكرين لحضارات استوطنت المجال قرونا ما قبل التاريخ ومن اللازم محاسبة أنفسنا ولو لم نكن مستعدين لذلك لنقدم لأجيال المستقبل تاريخا موضوعيا يفتخرون به يوما من الأيام لنضع بذلك قطيعة مع تاريخ مزور صنع في المساجد التي قرأ فيها اللطيف من طرف أناس تبنو ما لم يضحوا من أجله لنستشهد بخير الأحكام “تاريخ الأمم تصنعها دروع الرجال ولا يجب أن تمجد به أجسام فقدت القيمة في الميزان حينما كانت النساء يناضلنا في المنازل والجبال لمد مجاهدو الجبال بماء وخبز من أجل النصر وكسب النزال “.فهل نستطيع إذن كتابة تاريخ مغربي صحيح من دون الرجوع إلى تلك الروايات المحلية والأجنبية ما دامت تفتقد الصواب أحيانا؟

   الكاتب: علاحمو مصطفى

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.