عبد الحكيم الصديقي
يبدو أن بركات وكرامات وخوارق الشيخ “محمد الصمدي” ذلك الشاب المنحدر من مدينة طنجة، والذي لا يتجاوز عمره 24 عاما، طارت هي الأخرى لتصل إلى المارد الأزرق والمواقع الإلكترونية، لتخلق “حضرة” إعلامية، وموسم جذبة فايسبوكية خارقة للعادة، الغريب في الأمر أن هذه التكنولوجية المتطورة التي أسسها العقل العلمي المحض اخترقتها كرامات وخوارق وبركات الشيخ الصمدي، في مفارقة عجيبة ومتناقضة تجمع بين العلم والخرافة، بين الحقيقة العلمية والوهم الثيولوجي، بين العقل المعاصر وطفولة العقل البشري.
قد يكون من الأهمية الإشارة إلى أن “ظاهرة الشيخ الفتى” ـ على حد تعبير الأستاذ خالد الصلعي ـ، تعتبر إحدى تمظهرات البنايات الفكرية والدينية والاجتماعية والسياسية للمغرب، بدليل أن المغرب يعد من بين أكبر البلدان الإسلامية احتضانا لظاهرة الزوايا والأضرحة والمزارات، فلا تكاد تجد تلا ولا سهلا ولا هضبة ولا قرية ولا مقبرة و لا مدينة إلا وقد شيد فيها ضريح أو مزار أو زاوية، إلى الحد الذي وصف فيه المغرب ببلد المائة ألف ولي. لكن اللافت للنظر هو في كيفية تعامل المواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي ــ هذه التقنيات الحديثة والمتطورة ــ مع الحدث، لتصبح هي الأخرى زوايا وطرق إلكترونية تنتفع ببركات “الشيخ الظاهرة” وتمشي على طريقته وأوراده وتتبع آثاره أنى رحل وارتحل.
رغم تصريحات “الشيخ الولي” الأخيرة ونفيه العديد من الكرامات والخوارق التي روجت عنه، فإن المعروف لدينا في المجال التداولي الصوفي المغربي منذ العصر الوسيط وإلى العصر الحديث، إيمان الشيخ والمريد بكرامة مشي الأولياء على الماء، وطيرانهم في الهواء، وطي المسافات، وإبراء العلل، والتنبؤ بالغيب، وإفشاء المكنون، واستدرار الغيب، وتحويل التراب إلى ذهب، والاختفاء عن الأنظار، وإرجاع المسروق، وتحويل المر إلى حلو… (1).
فربما يعود هذا الاهتمام الزائد عن حده وهذه المكانة التي خص بها الإعلام الإلكتروني “الشيخ الصمدي” إلى عدة عوامل تأتي على رأسها تناسل القصص والروايات الأسطورية التي تثبت لهذا “الشيخ الفتى” خوارق وهمية قام بترويجها فئة ممن كانوا يستفيدون من إتاوات وأرباح الزيارات والهبات.
الذي لم تلتفت إليه هذه المواقع/الزوايا أنها بتناولها لهكذا مواضيع، وبتلك الطريقة السخيفة، ربما ستثير حفيظة الفكر السلفي الداعشي، وتساهم في تبلوره، فتصير بوعي أو بغيره موضوع مواجهة وطرفا في الصراع، وعاملا رئيسا في نشر الفكر السلفي الداعشي، لتعم بذلك خطابات التبديع والتكفير والتضليل من جديد، ومن منطلق السياقات الآنفة يصير من الأهمية بمكان أن نستشرف مستقبلا جديدا للإعلام الإلكتروني بالمغرب في ضوء البحث عن ضرورة بعث تصحيحي ورؤية متجددة لهذا الإعلام، ليلعب دوره الحقيقي في تغيير أنماط الوعي الإنساني، ويساهم في تشكيل الرأي العام، وتوسيع دائرة القراء والمهتمين العقلاء..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـ أنظر عبد الله بن عتو “التصوف المغربي من عمق السياق إلى قوة الرمز” مجلة مناهل 2007.
عبد الحكيم الصديقي
المصدر : https://tinghir.info/?p=7498