لحسن أمقران
في حلقة أخرى من مسلسل لن ينتهي، وفي خرجة جديدة قديمة لأحد أنجب تلاميذ التعريبيين بالمغرب، وألدّ معادي الحركة الأمازيغية وأحد أخبث المهاجمين على المشروع الأمازيغي، أطل علينا الأستاذ السيد “أحمد ويحمان” ليشن هجوما على الأمازيغ والأمازيغية في أثناء مداخلة له في الندوة “العلمية” التي نظمها “الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية” يوم الجمعة 02 أبريل 2015 بقاعة “المهدي بنبركة” بمدينة الرباط، حول موضوع: “لغة التدريس في منظومة التربية والتكوين: الثوابت الدستورية والواقع العملي”.
في البداية لا بد أن نركز على أن تعقيبنا على الأستاذ يأتي في إطار التنبيه إلى حساسية الادعاءات، وإعادة طرح مغالطات وجب تصحيحها، والتنبيه إلى خطورة ما ورد في تلكم الكلمة التي أفسدت في الحقيقة وصف “العلمية” الذي أطلقه المنظمون على لقائهم. فقد كان اللقاء عموما حربا إيديولوجية شعواء – كالعادة – تحت غطاء علمي آثر خلط الأوراق ونهج سياسة التغليط والتضليل باسم الدفاع عن اللغة العربية.
قبل الخوض في كلمة السيد “ويحمان”، يجدر التنبيه إلى أن الدفاع عن اللغة العربية في الحقيقة أمر مشروع لو تم في إطار يحترم التعدد والتفاعل الايجابي مع الواقع اللساني الذي يطبعه التنوع بالمغرب، فاللغة العربية مثلها مثل اللغة الأمازيغية رصيد يشترك فيه المغاربة جميعا، ولا يعقل أن يكون الدفاع عن اللغة العربية محل أي مزايدات سياسوية أو إيديولوجية، فهو حق يراد به الباطل إذا علمنا أن هؤلاء يسعون إلى إقامة اللغة العربية المستضافة على جثة اللغة الأمازيغية المستضيفة.
إن اللغة العربية بوصفها لغة لا تطرح أي إشكال في التصور الأمازيغي للمسألة اللغوية بالمغرب، إن مشكلتنا مع سعي التعريبيين إلى جعلها هوية لوطن ندرك جميعا هويته الحقيقية، وفرضها لغايات إيديولوجية ترمي إلى التعريب القسري للشعب المغربي وللدولة المغربية. إن من ينفي حق اللغة العربية في التنمية والرفع من مكانتها باعتبارها لغة يغالط نفسه قبل أن يغالط غيره، واللغة العربية التي تحترم الهوية الأمازيغية للشعب المغربي وللدولة المغربية مرحّب بها ولا يسعنا إلا أن نعمل على تشجيع الإقبال عليها. ولسنا نقول ما نقول لإرضاء جهة معينة حتى لا يفهم منه البعض تودّدا إليه، أو يفهم منه البعض الآخر مجرد تقية نمارسها لسبب من الأسباب، فنحن نفتخر باللغة العربية وبكل اللغات – باعتبار هذه الأخيرة ملكا مشتركا ونتاجا إنسانيا ما دامت حاملة للثقافة لا هادفة للإبادة اللغوية الغيرية – لكن تبقى الأمازيغية تاجا فوق رؤوسنا وأمانة على أعناقنا.
عودة إلى السيد “أحمد ويحمان”، فالأستاذ معروف اغتنامه فرصة الظفر بالميكروفون ليكيل كل أنواع التخوين والتجنّي على الحركة الأمازيغية، خصوصا في حضرة أساتذته الذين يدركون أكثر من غيرهم زيف ادعاءات تلميذهم النجيب. في المناسبة الأخيرة، عاود السيد “ويحمان” ترديد أسطوانته بغير قليل من الانفعال الذي حاد به عن الموضوعية التي تقتضيها طبيعة اللقاء كما تمّ الترويج له، وجعل الأستاذ الجليل ينساق وراء اختياره حتى لا نقول نزوته الإيديولوجية على حساب العلمية والموضوعية التي تقتضيهما الندوات العلمية، ليتأكد مرّة أخرى أنه ضحية مركّبات يعجز المرء عن تفسير خيوطها.
إن ربط الحركة الأمازيغية ومشروعها الحضاري بـ “التصهين والعمالة والتطبيع”، وبإصرار مرضي، يبعث على السؤال عن السلامة الفكرية لصاحبه، فمثل هذه الاتهامات الباطلة أكل عليها الدهر وشرب، وأضحت متجاوزة لا يستقيم أن يصدّقها الأميّ فما بالك أن يجترها إنسان يحسب على الحداثة والحقوق.
لقد اختار السيد “أحمد ويحمان” مرة أخرى أن ينصب نفسه محاميا للقومية الفاشية – وهذا شأنه – بدل الدفاع المسؤول عن اللغة العربية، ورائدا في التنجيم الجيوسياسي بدل الخوض في أمور ربما قد تدخل في صميم تخصصه – وهو الذي لا علاقة له لا بالتدريس ولا بديداكتيك اللغات ولا باللسانيات ولا بعلم النفس التربوي ولا بالاستراتيجيات اللغوية ولا بحوث في التهيئة اللغوية لمجال متنوع اللغات – فحذر من “غرداية” في نسخة مغربية وتنبأ “بحرب” وشيكة بين “الأمازيغ” و”العرب”، وهو ما يعكس جهله بالأسباب الحقيقية الكامنة وراء ذلك النزاع الأهلي الدائرة رحاه هناك، بل وربط الأمازيغية بالصهيونية – في صورة كاريكاتورية لا تستحق أكثر من الشفقة على مبتدعها – دون أن يأتي ولو بدليل واحد على “تورط” مكون من مكونات الحركة الأمازيغية في الحصول على دعم من تلك الجهات. في مقابل ذلك، نطالب الدولة المغربية بالتحقق من كل شخص إطارا جمعويا كان أو حزبيا يتلقى أموالا من الخارج من أية جهة كانت ولأي هدف كان، وإجراء الفحص المالي لحساباته عبر تحريك مسطرة “من أين لك هذا؟” للتحقق من الاغتناء السريع لبعض الأشخاص الذين كانوا بالأمس يستجدون ثمن وقود السيارة، واتخاذ كامل الإجراءات القضائية والقانونية في حق كل من ثبتت صلته بأية جهة خارجية مشبوهة ومنبوذة، والخوف كل الخوف أن نجد من يتّهمون الناس بالباطل هم من يتلقى الإعانات المالية من أسيادهم بالخليج مقابل التحامل على المزوغة. إنه لأمر مؤسف ومخجل أن يكيل الانسان هكذا اتهامات لأبناء بلده لتصفية حسابات ضيقة وبغير دليل قاطع وملموس يقطع الشك باليقين.
الأمازيغ يا ابن بلدتي، ليسوا ضد اللغة العربية، لكنهم سيقفون أمام مشاريعكم التعريبية الممنهجة والهدامة، يا من تسعون إلى محو الخصوصيات الأصيلة باسم “الوحدة” من “المحيط الى الخليج”، قل ما شئت وادّعِ كما يحلو لك، فالفرق بيننا أننا نؤمن بمغرب متعدد يسع لكل أبنائه، فيما تريدون، أنت وأساتذتك قولبة الوطن وتنميطه على مقاس قومي ضيق.
إن ما جاء على لسان الأستاذ “أحمد ويحمان” كلام خطير جدّا، ولن نبالغ إذا زعمنا أنه يهدد أمننا القومي، والحال هذه، يتعين على الدولة المغربية وأجهزتها أن تأخذ هذه الادعاءات على محمل الجد، فإذا كان ما ذهب إليه السيد “ويحمان” صحيحا والحجة عليه، فالدولة مدعوة إلى تحريك المسطرة القانونية ضد هؤلاء “المتصهينين” الذين يعبثون بالاستقرار والأمن الوجداني للمغاربة ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو “هل يملك السيد المذكور من قنوات الاستخبارات والاستعلامات ما لا تملكه الدولة المغربية على فطنتها وهيبتها؟ أم أنه اتهام غير صريح على أنها متواطئة مع هؤلاء “المتصهينين”؟، وإذا كان كلام الأستاذ ادعاء أيديولوجيا في قالب مخابراتي، فيتعين على الدولة المغربية تأديب صاحبه لكونه من يهدد هذا الأمن باعتباره بلاغا كاذبا يعاقب عليه القانون.
بقلم: لحسن أمقران
المصدر : https://tinghir.info/?p=7434