نادية الصبار – المغرب
أسدل الستار عن فعاليات النسخة الثامنة من “ملتقى الثقافة العربية” بمدينة خريبكة، الذي ينظمه منتدى الآفاق للتنمية والثقافة، تحت شعار “دور الثنمية الثقافية في تعزيز الهوية الوطنية، الإبداع النسائي نموذجا” وذلك من 7 إلى 10 أكتوبر الجاري، وحملت هذه الدورة اسم “الكاتبة والأديبة خناتة بنونة”، تكريمًا لإسهاماتها الأدبية الكبيرة.
ويُعد هذا الملتقى، الذي أصبح من أبرز الأحداث الثقافية في المغرب والعالم العربي قاطبة، فرصة سنوية لاستعراض التنوع الثقافي والفني في الوطن العربي، وتسليط الضوء على الشخصيات الأدبية والفنية التي أثرت المشهد الثقافي العربي.
أخذت على عاتقها، البارة بمدينتها، السيدة ياسمين الحاج رئيسة منتدى الآفاق للثقافة والتنمية ومديرة ملتقى الثقافة العربية، أن تجعل من هذه النسخة منصة للتفاعل الهادف والراقي بين المثقفين والمفكرين والأدباء والشعراء والفنانين والإعلاميين والفاعلين السياسيين والدبلوماسيين، وهي التي ما فتئت، سيدة خريبكة الأولى التي تربعت على عرش العمل الجمعوي، أن حرصت على أن تجعل من كل نسخة قيمة مضافة، تنضاف، ليس لرصيد المنتدى والملتقى فحسب، بل لرصيد الفعل الثقافي عموما والجمعوي خصوصا سواء داخل المغرب أو خارجه. لما تقوم به من أدوار طلائعية لنفض الغبار عن الذاكرة الجمعية والذاكرين من كتاب ومفكرين وإعلاميين، كل يدلي بدلوه لتسليط أضواء آفلة عن الفعل الثقافي ولإشعاع حقيقي تتوق الفاعلة الناسكة العاشقة المتيمة بحب وطنها وخدمته، إيمانا منها أن الثقافة معبر لكل تغيير نحو مغرب أفضل وعالم أفضل.
كيف لا! فلا أخطأ من أطلق عليها لقب سفيرة السلام وسفيرة الفعل الثقافي ورائدة العمل الجمعوي، فصاحبتنا لا تتوانى في كل مناسبة على هندسة وإخراج برامج وازنة تهدف إلى نشر الثقافة محليا ووطنيا ودوليا، من خلال نشر الوعي بالدور الأساسي والمحوري للثقافة وإشاعة قيم الجمال والفن والسلام والتعايش.
فالمتتبع لمسيرتها الجمعوية الأبية، يتجلى له كيف تميزت ياسمين الحاج أو “ياسمينة خريبكة”، بحرصها على جعل العمل الجمعوي عملا احترافيا لفعل ثقافي حقيقي، يجمع الفن والفكر والأدب والشعر والصحافة والإعلام والدبلوماسية والدبلوماسية الموازية في خانة واحدة وعلى منصة واحدة هي منصة ملتقى الثقافة العربية، حيث لكل نسخة عنوان يشهد أن الثقافة هناك، في مدينة على الهامش، شاءت ابنة خريبكة أن تساير من خلال ملتقيات مماثلة ركب كبريات المدن والعواصم العربية وربما تفوقت.
ملتقى الثقافة العربية عيد بين عيدين.. المسيرة الخضراء وعيد الاستقلال
تزامنت النسخة الثامنة من “ملتقى الثقافة العربية” في مدينة خريبكة مع حدثين هامين في التاريخ الوطني المغربي، مما أضاف للملتقى بعدًا رمزيًا ووطنيًا. حيث عقد الملتقى في الفترة التي تتوسط مناسبتين عزيزتين على قلوب كل المغاربة، ألا وهما عيد المسيرة الخضراء المظفرة الذي يصادف 6 نوفمبر من كل عام، وذكرى عيد الاستقلال المجيد الذي يحتفل به المغرب في 18 نوفمبر من كل سنة.
عيد المسيرة الخضراء المظفرة، يمثل لحظة فارقة في تاريخ المغرب، والتي شارك فيها مئات الآلاف من المغاربة لاسترجاع الأقاليم الجنوبية. وأما عيد الاستقلال المجيد، فيُعتبر ذكرى جلاء الاستعمار الفرنسي عن المغرب، وهو يوم يعكس انتصار الإرادة الوطنية والتحرر.
وتزامن هاتين المناسبتين الوطنيتين مع فعاليات “ملتقى الثقافة العربية” جعل من الملتقى أكثر من مجرد حدث ثقافي، بل كان مناسبة للاحتفاء بالهوية الوطنية والتراث الثقافي المغربي. كما منح ذلك، المشاركين في الملتقى، الفرصة للتعبير عن فخرهم واعتزازهم بمسيرة المغرب الطويلة نحو الاستقلال والتنمية.
دورة الكاتبة خناتة بنونة: تكريم للإبداع الأدبي النسائي المغربي
تُعتبر دورة الكاتبة خناتة بنونة حدثًا خاصًا في النسخة الثامنة من الملتقى، إذ حملت فعاليات الملتقى اسمها تقديرًا لعطاءاتها الأدبية الكبيرة في مجال الرواية والكتابة القصصية. خناتة بنونة، التي تُعد من أبرز الكتاب المغاربة، أهدت للقارئ العربي أعمالًا أدبية عميقة تُلامس قضايا المجتمع وتستعرض التفاصيل اليومية للحياة المغربية، وقد نالت العديد من الجوائز والتكريمات على مستوى الوطن العربي.
خناتة بنونة هي واحدة من أبرز الأديبات المغربيات التي تعتبر من رواد الأدب العربي الحديث. ولدت في مدينة فاس، وبدأت مسيرتها الأدبية في سن مبكرة. هي كاتبة، صحفية، وناقدة أدبية تميزت بإسهاماتها في مجال الأدب العربي، وخصوصاً في مجال الرواية والقصة القصيرة.
خناتة بنونة نشطت في الكتابة الصحفية، حيث كتبت في العديد من الصحف والمجلات المغربية والعربية. كما أنها كانت عضوًا في العديد من الهيئات الثقافية المغربية والعربية. عملت على إبراز قضايا المرأة والعلاقة بين الأفراد والمجتمع من خلال أعمالها الأدبية.
تتميز كتاباتها بالتنوع والعمق، فقد تناولت مواضيع اجتماعية وسياسية ثقافية بأسلوب أدبي مميز، وحققت نجاحاً كبيراً في الوسط الأدبي العربي. عُرفت بنقدها اللاذع للمجتمع واهتمت بقضايا العنف والحريات الفردية.
كما تم تكريم خناتة بنونة خلال هذه الفعالية الثقافية الوازنة اعترافا بمسارها الحافل، حيث أطلق اسمها على الدورة الثامنة تقديراً لمساهمتها الكبيرة في الثقافة العربية. ولم تقتصر إسهامات خناتة على الأدب فقط، بل كانت لها أدوار اجتماعية وسياسية طلائعية داخل المغرب وخارجه وخصوصا تجاه فلسطين، ما جعلها واحدة من الشخصيات الأدبية الرائدة في العالم العربي… ولكل هذا التألق آثرت ياسمين الحاج أن تكون خناتة بنونة عروس هذه النسخة حيث تم تكريمها وسط جموع حاشدة من الفاعلين السياسيين والمدنيين والدبلوماسيين والمفكرين والأدباء والإعلاميين.
عرض فيلم “مطلقات الدار البيضاء” وتكريم المخرج عهد بنسودة
في إطار فعاليات ملتقى خريبكة للثقافة العربية، الذي يتميز بالتنوع والإبداع، تم عرض فيلم “مطلقات الدار البيضاء” للمخرج محمد عهد بنسودة، الذي حقق نجاحًا كبيرًا وحاز على إشادة واسعة من النقاد. كما حصل الفيلم على العديد من الجوائز السينمائية.
يعكس الفيلم قضايا اجتماعية هامة تتعلق بالمرأة، إذ يتناول موضوع الطلاق وتبعاته على النساء والأطفال وعلى الترابط الأسري على حد سواء، حيث نجح الفيلم في تقديم رؤية جديدة للسينما المغربية، في قضية مماثلة.
يعتبر فيلم “مطلقات الدار البيضاء” إضافة هامة للسينما المغربية الحديثة، ويجمع بين فريق تقني وفني ضخم، ويشارك في بطولته العديد من النجوم المغاربة مثل مونية لمكيمل، زينب عبيد، نادية العلمي، بشرى أهريش، صونيا عكاشة، وسعيدة شرف، إضافة إلى محمد الشوبي، نبيل عاطف، عبد اللطيف شوقي، يونس بنزاكور، وأمين بنجلون.
ويعرض الفيلم حياة خمس نساء مطلقات في مدينة الدار البيضاء، ينتمين إلى خلفيات اجتماعية مختلفة، ويعملن في مجالات متنوعة، ويحاولن إعادة بناء حياتهن في مجتمع يحمل نظرة دونية تجاه المرأة المطلقة. كما يناقش الفيلم التحديات التي قد تواجهها المرأة المغربية بسبب الجهل بالمساطر القانونية المتعلقة بمدونة الأسرة.
هذا وسعى المخرج محمد عهد بنسودة إلى تقديم صورة سينمائية معبرة، تسلط الضوء على القضايا الاجتماعية، مما جعل الفيلم يتصل بعدد كبير من شرائح المجتمع. أثار الفيلم نقاشًا خلال عرضه بالمكتبة الوسائطية بين الحضور حول طريقة وكيفية التناول الفني لقضية شائكة لاسبدبما في مجتمع تسمه النزعة الذكورية.
كما تم تكريم المخرج محمد عهد بنسودة من قبل السيدة ياسمين الحاج تقديرًا لمساهماته الكبيرة في السينما المغربية والعربية.
وفي رد له تفاعلا مع تعليقات الجمهور الخريبكي وضيوف الملتقى، قال عهد بنسودة على أن الفيلم يفتح نقاشًا مجتمعيًا حول قضية الطلاق، ويأتي في وقت تشهد فيه مدونة الأسرة نقاشات حادة حول وضعية المرأة المغربية، الحضانة، وحرية المرأة.
ملتقى الثقافة العربية.. رافد من روافد الدبلوماسية
شهد الملتقى في ليلته الثانية والتي توافق الثامن من أكتوبر حضورًا دبلوماسياً لافتًا، حيث شارك في فعالياته سفراء عدد من الدول العربية، على رأسهم سفير دولة فلسطين الأبية السيد جمال عبد اللطيف صالح الشوبكي السياسي والدبلوماسي الفلسطيني وأحد أعضاء حركة فتح الأساسيين، كان وزيرًا للحكم المحلي في حكومة محمود عباس ثم في حكومتي أحمد قريع الأولى والثانية بين عامي 2003 و2005، كما كان عضوًا في المجلس التشريعي الفلسطيني الأول عن دائرة محافظة الخليل بعد فوزه في الانتخابات العامة الفلسطينية عام 1996.
حضرت كذلك في هذا المحفل الثقافي والدبلوماسي بامتياز السيدة الراقية جمانة غنيمات سفيرة المملكة الأردنية الهاشمية في المغرب. والتي شغلت قبل تعيينها كسفيرة، عدة مناصب مهمة في الحكومة الأردنية، حيث كانت وزيرة للدولة لشؤون الإعلام في حكومة عمر الرزاز والناطقة الرسمية باسم الحكومة الأردنية سابقا، كما تتمتع جمانة بخبرة واسعة في مجال الإعلام والسياسة، وقد خدمت في العديد من المناصب التي تعزز العلاقة بين الأردن والدول الأخرى. لذلك حظيت بثقة جلالة الملك عبدالله الثاني.
هذا وازدان الحفل بحضور سفيرة دولة السودان بالمملكة المغربية السيدة مودة عمر حاج التوم، والتي تم تعيينها في هذا المنصب في عام 2022، وقد قامت بتسليم أوراق اعتمادها إلى السلطات المغربية في فترة تميزت بتركيز السودان على تعزيز التعاون مع الدول العربية والمنظمات الدولية في المجالات الثقافية والتعليمية والعلمية، وهي من الشخصيات الدبلوماسية البارزة في المغرب، حيث شاركت في العديد من الأنشطة التي تهدف إلى تعزيز العلاقات بين السودان والمغرب.
في إطار عملها، ساهمت في العديد من المبادرات التي تدعم التعاون بين السودان والمنظمات الدولية، بما في ذلك مؤسسات مثل المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (ICESCO)، حيث ناقشت سبل التعاون في مجالات التعليم والعلوم والثقافة مع المدير العام للمنظمة.
وهذه المشاركة الرفيعة المستوى أضافت للملتقى طابعًا دوليًا، وجعلت من الحدث فرصة لتعزيز التعاون ليس الثقافي فخسب بل الدبلوماسي كذلك بين الدول العربية.
تكريم الدكتورة بهيجة سيمو: لحظة فارقة في الملتقى
من أبرز ما ميز هذه النسخة، تكريم الدكتورة بهيجة سيمو، المؤرخة ومديرة الوثائق الملكية، التي تم تكريمها تقديرًا لجهودها الجبارة في الحفاظ والعناية بالوثائق الملكية والمحفوظات التاريخية. حضورها في الملتقى كان بمثابة إضافة نوعية للفعالية وتكريمها بمثابة اعتراف رسمي بأهمية المحافظة على ذاكرة الأمة المغربية.
وتعد الدكتورة بهيجة سيمو شخصية بارزة في مجال حفظ وترميم الوثائق التاريخية في المغرب، وتعتبر واحدة من الخبراء المتميزين في مجال الوثائق والمخطوطات الملكية. وهي مديرة الوثائق الملكية في المغرب، وتعتبر مسؤولة عن إدارة وتنظيم وصيانة الأرشيف الملكي في المملكة.
حصلت الدكتورة سيمو على عدة تكوينات أكاديمية متخصصة في مجال الوثائق والأرشيف، وكانت لها إسهامات كبيرة في تطوير هذا القطاع في المغرب. تعمل على تنظيم وحفظ مجموعة ضخمة من الوثائق التاريخية التي تشمل المخطوطات والرسائل الملكية القديمة وغيرها من الوثائق ذات القيمة التاريخية التي تمثل جزءًا أساسيًا من تاريخ المملكة، بل تعتبر المكرمة حجر الزاوية في الحفاظ على التاريخ الوثائقي للمغرب وعلى ذاكرة البلاد للأجيال القادمة.
هذا ويشهد للسيدة الفاضلة بهيجة سيمو باهتمامها بقضية السيادة المغربية على الأقاليم الصحراوية من خلال الوثائق الملكية، ومدى عنايتها بتوثيق ممارسة السيادة المغربية على الأقاليم الصحراوية.
الدور الريادي لياسمين الحاج في نجاح ملتقى الثقافة العربية
وأما رئيسة الملتقى، ياسمين الحاج، فقد لعبت دورًا محوريًا في تنظيم هذه الدورة المتميزة، وفي دورات سابقة، حيث كان لها الفضل الكبير في جعل هذا الحدث منصة للتفاعل بين المثقفين والمفكرين والفنانين والإعلاميين المغاربة والعرب. وتميزت ياسمين الحاج بحرصها على جعل الملتقى علامة فارقة وإسما على مسمى، ملتقى تقافة عربية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، يتيح للمشاركين فرصة تبادل الخبرات والأفكار في إطار منفتح ومتنوع.
فياسمين الحاج فاعلة جمعوية بارزة في مدينة خريبكة، وواحدة من القيادات النسائية التي تساهم في تعزيز الثقافة المحلية والعربية من خلال الأنشطة الثقافية والفكرية. وهي إحدى المبادرات التي تهدف إلى تعزيز التبادل الثقافي العربي، وتشجيع الفنون والآداب بين مختلف الثقافات.
تتميز أنشطة ياسمين الحاج بمبادرتها في تنسيق وتطوير الفعاليات الثقافية التي تجمع الأدباء والفنانين من مختلف الدول العربية في مدينة خريبكة، وتحقيق هدفها في جعل المدينة نقطة التقاء ثقافية بين مختلف الشعوب العربية. كما تقوم بتشجيع المبادرات الاجتماعية التي تهدف إلى تعزيز الهوية الثقافية والمجتمعية المحلية.
ملتقى الثقافة العربية يكرس ثقافة الاعتراف
كان الملتقى مناسبة فريدة لتكريم العديد من الوجوه الإعلامية والفكرية والأدبية التي قدمت إسهامات بارزة في مجالاتها. هذا التكريم أضاء سماء الملتقى بحضور عدد من الشخصيات اللامعة التي تركت بصمة واضحة في الساحة الفكرية والثقافية والإعلامية.
فإلى جانب من تم تكريمهم؛ تم تكريم جملة من الأساتذة الأجلاء من بينهم الدكتورة زهور كرام والدكتور محمد اشقرا، الدكتور صلاح الشكاك، الدكتورة والإعلامية مونية المنصور، الدكتورة خديجة توفيق وآخرون.
كما تم تكريم الشعراء كل من الشاعرة المرموقة ذات الكعب العالي الأستاذة مينة حسيم، الشاعرات الرقيقات ريحانة بشير وخديجة صابر، سلمى مختار امانة الله، الشاعرة السورية رشا محمد، الزجال محمد ضريف.
إلى جانب الشاعرات، كان التكريم أيضًا حاضراً للأسماء الإعلامية المتميزة، ومن أبرز هؤلاء المكرمين كان عبد العزيز كوكاس، مونية المنصور، نادية أبرام، واسمهان عمور، والوجه المتميز محمد خجلي لجهودهم الإعلامية.
وهذه التكريمات كان بمثابة تقدير للمبدعين والمفكرين الذين قدموا الكثير للثقافة العربية وأثروا في الوعي الجماعي، ما جعل من هذه الدورة لحظة احتفاء بالتميز والإبداع في مختلف المجالات.
وختامًا، يمكن القول أن النسخة الثامنة من ملتقى الثقافة العربي، تميزت بكونها علامة فارقة في مسار الملتقى، وتعكس النجاح المستمر في تسليط الضوء على الثقافة العربية وتعزيز التواصل بين المثقفين والفنانين العرب، فضلًا عن تعزيز العلاقات الإنسانية والثقافية من خلال الأنشطة السياحية التي جمعت المشاركين في أجواء ثقافية متفردة.
المصدر : https://tinghir.info/?p=72692