إن تأمل الطبيعة يفضي بنا إلى استبطان فكرة مفاده أن كل الموجودات تتواجد على صيغة المذكر أو المؤنث، ولان الإنسان عنصر من عناصر الطبيعة فهو لا يخرج عن هذه القاعدة، فهو يتواجد كذكر، أو أنثى. فمن القصص الأولى التي تحكي نزول الإنسان من الجنة إلى الأرض، تبرز عدم إمكانية عيش واستمرار أدام/المذكر بدون حواء/المؤنث. وهذا الزوج هو الذي كان بمثابة بذور ثمرة النوع البشري. إذن فالمجتمع البشري تشكل نتيجة تفاعل هذا الزوج الطبيعي: التناسل، والتفاعل الاجتماعي: الذي يأخذ أبعادا متعددة. وعليه فلا يمكننا تصور المجتمع دون حضور احد أقطاب هذا الزوج.
لكن نظرا لاختلاف الفيزيولوجية الظاهرة، والخصائص التي يتميز بها كل من الطرفين واختلاف قدرات كل واحد منهما على التفاعل مع المكونات الجغرافية… للعالم المحيط بهما. جعل كل واحد منهما يتكلف بمهام معينة تؤطرها ثقافة المجتمع الذي ينتميان إليه. ومع تطور التاريخ البشري استطاع الإنسان أن يبني مفهوم كل من المرأة والرجل. و أن يحدد لكل واحد منهما الخصائص التي يجب أن يتصف بها والأدوار التي يجب أن يقوم بها. فالرجل مثلا في المجتمع المغربي يجب أن يكون قويا متسلطا، مهتما بالشؤون المالية لانه هو الذي يتكلف بالعمل خارج البيت.(هذا الحكم يبقى نسبيا). في الوقت الذي نجد فيه المرأة تربى على الخضوع و الضعف وعدم مواجهة الرجل، والاهتمام بالنشء والعمل على نقل قيم المجتمع إليه، بمعنى أن دور المرأة يقتصر فيما يسميه بورديو إعادة الإنتاج.
و بعد التحولات التي عرفها المجتمع البشري وتطور آليات فاعليته(الشغل، الثورة الصناعية، والثورة العلمية، التنظيم…)، أصبح من الضروري تنظيم عملية التنشئة الاجتماعية في إطار مؤسسات اجتماعية تتكلف بنقل الموارد الاجتماعية( قيم، قدرات، مهارات، معارف…) تؤهله للاندماج داخل المجتمع مع الاضطلاع إلى لعب دور بناء وفعال داخل سيرورة تطوره.
و في سعي المجتمعات الإنسانية المختلفة إلى تحقيق النمو الاقتصادي وبالتالي تحقيق التنمية الاجتماعية، تجلت أهمية التعليم كمجال يمكن الأفراد من تطوير قدراتهم ومهاراتهم التي تقوي درجة اندماجهم داخل محيطهم. لكن محاولة جعل المدرسة بمختلف أصعدتها ومستوياتها كأهم وسط للتنشئة الاجتماعية تواجهت مع القيم والمبادئ المحافظة الرافضة للتغيير. خصوصا في المناطق البعيدة عن المراكز الحضرية كمناطق الجنوب الشرقي. ومع تزايد نسبة الاحتكاك مع العالم الخارجي(الهجرة إلى المدن الكبرى، إلى البلدان الأوربية، إلى جانب الاستعمال الكثيف لوسائل الإعلام والتواصل…) وزرع الدولة المؤسسات التعليمية في هذه الأوساط، بالإضافة إلى الآثار التي تمس الفئة المتعلمة أصبح الأهالي يعملون على استفادة أبنائهم من ما تقدمه المدرسة. إلا أن قيم المجتمع التي تخضع لمبدأ “حشومة”، والتي تلخص الفتاة في جسد مثير للتحرشات والقيل والقال، مما يجعلها مجرد حامل لشرف عائلة يجب أن تتم حمايته وذلك بإخفائه داخل البيت إلى أن يأتي رجل آخر يحميه… لهذا حرمت الفتاة في الجنوب الشرقي من التدريس لعقود من الزمن، و لا تزال العديد من الفتيات حتى اليوم محرومات منه، تحت ذريعة بُعد المؤسسة التعليمية عن مقر السكنى.
صحيح إذا تبنينا طرح بورديو الذي يقر بأن التغيير دائما ينطلق من تفكيك البنيات الواعية واللاواعية التي تتحكم في تدبير الحياة الاجتماعية لوسط إنساني ما. وعلى الدولة إذا أردت فعلا أن تغير وتنهض بأوضاع سكان الجنوب الشرقي عليها أن تدعم الجمعيات وترتكز على المؤسسات التعليمية. فالعائق الأكبر للتنمية بهذه المناطق هو المورد البشري اللامتمكن في الشعور بالحاجة إلى التنمية، واستيعاب سيرورة مواجهة المغرب لرهان تحقيق التنمية البشرية المستدامة، التي لن تتحقق أكيد دون إدماج نصف المجتمع الآخر. فما يجب ترسيخه هو أن الفتاة تمثل موردا بإمكانه تفعيل التغيير المجتمع الذي تعيش فيه، وذلك في ظل توفير الظروف الملائمة لاشتغالها كأنا قادرة على العطاء، وللوصول إلى هذه الغاية يجب تفكيك تمثلات العنصر الذكوري الذي يحاول دائما الحط من قيمة ما يقوم به العنصر النسوي من مهام لكن دون وعي، لأنه هناك يمثل مجرد خاضع لقيم المجتمع ولمنطقه. في حين أن الاهل خاصة النساء لديهن الاستعداد الكافي لتقبل التغيير، في إطار نقاش دار مع نساء جماعة واكليم المنتمية إلى إقليم تنغير في إطار ندوة كانت اشغالها تدور حول تمدرس الفتاة القروية ، عبرن النساء عن رغبتهن في التغيير وعن حاجتهن للإرشاد والتوجيه.
وهذا يحيل إلى أن دور النساء في المجال العام لا يزال مهمشا في هذه الجماعة، في مقابل تعزيز الدور الداخلي. هذا يجعلنا نتساءل عن السبل الي يجب الاشتغال عبرها لغاية تعزيز الدور الاجتماعي للمرأة في المجال العام؟ وعن المؤسساتت التي سيكون لها تأثير في هذه السيرورة؟
ذ خديجة ابريجا
المصدر : https://tinghir.info/?p=7133