تُخلّد المملكة المغربية يوم الثلاثاء 30 يوليوز 2024 الذكرى الخامسة والعشرين، لتربع صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، على عرش أسلافه الميامين، وهي مناسبة سنوية غالية يجدّد فيها الشعب المغربي روابط البيعة والولاء لقائده المفدى سليل الدوحة العلوية الشريفة.
وفي مثل هذا اليوم منذ 25 عاما، اعتلى الملك محمد السادس العرش خلفا لوالده الراحل الملك الحسن الثاني. وفي أول خطاب له، في العام 1999، تحدث الملك الهمام البالغ من العمر حينها 35 عاما والذي أطلق عليه اسم “ملك الفقراء”، عن “المعضلات الرئيسية في المغرب” مشيرا إلى البطالة والفقر والفوارق الاجتماعية، فجسد بجدارة تطلعات وآمال فئات واسعة من المغاربة.
والمتتبع لمجمل عطاءات ملكنا الهمام ومنجزاته في كل الميادين يجدها قد اصطبغت بصيغة التجديد والتحديث التي أمست طابعا مميزا السياسة جلالته الحكيمة وشعارا بارزا لمسيرته الإصلاحية، امتدت ربع قرن شملت جميع الميادين. بدءا من القطب الاجتماعي والمالي مرورا بالوحدة الترابية للمملكة، دون اغفال القضية الفلسطينية والديبلوماسية المغربية.
قطب اقتصادي ومالي
وتأسيساً على التاريخ العريق للمغرب، أرض السلام والاستقرار وتلاقح الحضارات وتعايش الديانات والثقافات، وبحكم موقعه الجغرافي المتميز كصلة وصل بين أفريقيا والشرق الأوسط وأوروبا، وانفتاحه على الفضاءين المتوسطي والأطلسي، تمكن المغرب من توطيد موقعه المتميز إقليماً ودولياً، ليصبح شريكا ذا مصداقية وقطباً اقتصادياً ومالياً على الصعيدين الإقليمي والقاري.
فبعد تدشين جلالة الملك محمد السادس، بجرأة وشجاعة نادرين، عهد المصالحة التاريخية عبر إرساء عدالة انتقالية وإنشاء هيئة وطنية للإنصاف والمصالحة سنة 2004، التي سبقتها هيئة التحكيم المستقلة التي شكلت لبنة أولى لإرساء دولة الحق والقانون ومأسسة حقوق الإنسان عبر إحداث المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، الذي تطور لينسجم مع متطلبات الحكامة والاستقلالية وفق المعايير الدولية ليتحول إلى المجلس الوطني لحقوق الإنسان، جاء تعديل الدستور عام 2011 ليتوج هذا المسار الإصلاحي والتجربة الاستثنائية التي تروم إنجاح «النموذج المغربي» المبني على الخصوصية والأصالة ومواكبة القيم الإنسانية الكونية.
مشاريع ضخمة
وعلى المستوى التنموي، فتح جلالة الملك أوراشا كبرى ودشن مشاريع ضخمة، وأطلق خططاً طموحة للتنمية البشرية، وأسس لنموذج اقتصادي جديد من خلال إنشاء المناطق الصناعية الحرة وجلب الاستثمارات في مجال صناعة السيارات والطائرات، وتقوية البنيات التحتية، وربط النموذج التنموي المغربي بمتطلبات السوق الدولي، وتنويع البرامج المستقطبة لرؤوس الأموال، ما جعل الناتج الداخلي الخام الوطني يحقق نمواً كبيراً ليصل إلى 140 مليار دولار سنة 2023 بعدما كان في حدود 46 مليار دولار فقط سنة 2000.
الديبلوماسية المغربية
وعلى المستوى الدولي، رتّب جلالة الملك محمد السادس بحكمة وهدوء لتغييرات جوهرية في السياسة الخارجية للبلاد، حيث عمل على تقوية الديبلوماسية المغربية وترسيخ الندية في الدفاع عن المصالح الوطنية، وتنويع الشركاء، ودعم الاستثمارات الخارجية في إطار الديبلوماسية الاقتصادية. وكلها عوامل، من بين أخرى، جعلت المملكة تحقق، اليوم، تطوراً كبيراً في محيطها الإقليمي والدولي، ما مكنها من تقوية موقفها في شأن الذود عن مصالحها الوطنية.
وفي هذا الصدد، عزّزت الديبلوماسية المغربية، التي تحمل لواء السياسة الحكيمة لجلالة الملك محمد السادس، المتسمة بالوضوح واستقلالية القرار، والمرتكزة على مبادئ الاحترام المتبادل وحسن الجوار والشفافية والالتزام بالاتفاقيات والمعاهدات الدولية، مكانة المغرب على المستويات الإقليمية والقارية والعالمية.
وحدة التراب
وبناء على هذه المبادئ، استمر المغرب في الدفاع عن مصالحه العليا وعلى رأسها وحدته الترابية وسيادته على صحرائه. فمنذ أن قرر جلالة الملك تقديم مقترح في شأن تخويل الأقاليم الجنوبية للمملكة حكماً ذاتياً في إطار السيادة المغربية سنة 2007، حقق الاتجاه الدولي الداعم لمبادرة الحكم الذاتي طفرة متزايدة على مستوى مجلس الأمن، بحيث قدمت مختلف الدول الفاعلة شهادات قوية، مؤكدة وجاهة وجدية ومصداقية المخطط المغربي للحكم الذاتي، باعتباره الحل الوحيد لتسوية هذا النزاع الإقليمي المفتعل، والذي لا يمكن أن يكون إلّا حلاً سياسياً واقعياً وعملياً ودائماً وقائماً على التوافق. وفيما تزايد بشكل كبيرعدد الدول المساندة لمبادرة الحكم الذاتي، قامت ثلاثون دولة من الأشقاء العرب والأفارقة ودول صديقة أخرى، بفتح قنصليات لها بالأقاليم الجنوبية المغربية، وذلك تجسيداً لدعمها الصريح لمغربية الصحراء.
وتماشياً مع الرؤية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، التي تروم المساهمة الفعّالة في الجهود متعددة الأطراف والمساعي الديبلوماسية من أجل إرساء السلام وخدمة القضايا العادلة، انخرط المغرب في العديد من مبادرات الوساطة في أفريقيا والشرق الأوسط، وذلك من منطلق إيمانه والتزامه الثابت بتسوية النزاعات بالطرق السلمية.
فلسطين والقدس
وفي إطار العناية التي يوليها جلالته للقضية الفلسطينية عموماً وللقدس خاصة، جعلت المملكة المغربية من الدفاع عن القضية الفلسطينية ركيزة راسخة في سياستها الخارجية وركناً ثابتاً في جهودها المتواصلة من أجل الدفاع عن المقدسات الإسلامية، وعلى رأسها القدس الشريف، الذي يحظى بعناية خاصة من لدن جلالته بصفته رئيساً للجنة القدس، وذلك من خلال المزاوجة بين العمل السياسي والدبلوماسي والعمل الميداني الذي تضطلع به وكالة بيت مال القدس كآلية تنفيذية وميدانية للجنة القدس في إنجاز خطط ومشاريع ملموسة، تهدف لصيانة الهوية الحضارية للمدينة المقدسة وتحسين الأوضاع الاجتماعية والمعيشية للفلسطينيين ودعم صمودهم.
المصدر : https://tinghir.info/?p=71178