يعد المنتخب أقدر وأجدر الأشخاص للتعبير عن هموم وطموح آمال المواطن ،لكونه مصدر ومرجعية مشروعيته ،ومنه وإليه ينتمي المنتخبون،إلا أن اللعبة الديمقراطية داخل المجالس الجماعية تقتضي وجود أغلبية وأقلية،وضمن الأغلبية هناك من المنتخبين من تناط بهم مهمة التسيير والدعم ،في حين قد تكون الأقلية معارضة،وتبعا لذلك فالأغلبية والأقلية،هما وجهان لعملة ديمقراطية داخل المؤسسة الجماعية الترابية ،ويلتزم جميع الأطراف بدون منازع (أغلبية ومعارضة) لممارسة الديمقراطية في أبعاد تجلياتها ،إذ يتعذر الخوض عن الأسلوب الديمقراطي المنتهج محليا اعتمادا على الأغلبية العددية فقط،وفي تجاهل تام للطرف الآخر في اللعبة السياسية(أي المعارضة)،فوجود هذه الأخيرة ضروري من أجل مراقبة عمل الأغلبية،واستنفار الرأي العام ضدها كلما انتهكت المصلحة العامة،وتجاوز ألقوانين المعمول بها.
أغلبية المجلس الجماعي لجماعة تودغى العليا والمعارضة خيبت ظن غالبية من وضعوا ثقتهم فيها،وأبانت فشلها وعجزها عن تسيير شؤون الساكنة،وعدم اكتراثها واهتمامها بهموم ومشاكل الحياة اليومية للمواطنين وذلك راجع بالأساس لعدة إعتبارات نذكر منها أن الأغلبية تشكلت وفق إستراتجية لبعض أعضائها الذين تمردوا بعد مرور أشهر معدودة والتحقوا بالمعارضة بهدف زعزعت تشكيلة المكتب الذي علقت الساكنة آمالها عليه لخروج الجماعة من براثن التهميش والإقصاء،وفي المقابل نجد المعارضة إبان تشكيل المكتب تخلت عن المهمة المنوطة بها ،بدل معارضة تمارس الرقابة وفق مايسمح به القانون بل أكتفت بتوجيه انتقادات خارج أسوار الجماعة وفي غير مكانها،في الوقت الذي نعرف فيه أن المعارضة أداة فعالة على أداء المجالس المسيرة للجماعات،ولذلك يجب أن تعي الساكنة في جماعة تودغى العليا كيف يرمي بهذين النوعين من البشر المكونين للأغلبية والمعارضة على حد سواء إلى مزبلة التاريخ( لاأعمم من طبيعة الحال ) واختيار جيل يحب الخير لجماعته،ومن ثم يقوم كل فريق بمهمته التي ستوكل إليه فتقوم الأغلبية بمهمة الحاكم والمعارضة بمهمة المراقب، المعارضة صوتت ضد مشاريع ذات بعد تنموي ( دار الشباب نموذجا ) لعرقلة عمل المكتب المسير ، الشيء الذي جلب لها سخط عارم من طرف فئة عريضة من الشباب ،
أضف إلى ذلك الملاحظات والتجاوزات التي تطرق إليها المجلس الجهوي للحسابات بجهة درعة تافيلالت في حق مستشار جماعي الذي أنهك نفسه بالرحيل من ألأغلبية إلى المعارضة في محاولة لإيجاد ظله على كرسي الرئاسة للجماعة.
- ألم يحن الوقت للكشف عن المتلاعبين بالمال العام بهذه الجماعة ،أم ان بعض المستشارين منهمكون في حجز تذكرة مكتب المجلس الذي من المنتظر أن يتشكل في شهر شتنبر 2024؟
- ألم يحن الوقت لتقديم نقد ذاتي واعتراف بالفشل الدريع الذي ميز الولاية السابقة؟
- لماذا لم تتجرأ السلطات الوصية لجر مستشارين لتقديمهم للتحقيق في كل ماقيل وكتب وأنجز في حقهم ؟
- أين نحن من مواكبة السلطات لتدبير الشأن المحلي بجماعة تودغى العليا ؟
المسألة الأخرى التي تثير الانتباه في جماعة تودغى العليا على مستوى التدبير الجماعي،هي غياب المعارضة عن أغلبية اللقاءات والجلسات التي يعقدها المجلس الجماعي،وحتى لا يظن البعض أن هؤلاء سقطوا بالمظلة على المجلس ولم يتم انتخابهم من طرف السكان،بشكل يعطي الانطباع على أن المستشار إن لم يتمكن من العضوية داخل مكتب المجلس قد انتهى دوره،فإذا لم يكن المنتخبون في موقع التسيير فإنهم في المعارضة وهي مسؤولية جسيمة أيضا ومقدسة ولا تسيير حقيقي بدون وجود معارضة مواكبة ذات قوة إقتراحية مستمدة من الخبرة والاحتكاك المستمر بقضايا وهموم الساكنة المحلية وليس الركوب على تلك الهموم من أجل تحقيق مكاسب انتخابية لقضاء المصلحة الخاصة.
إنها مسألة مثيرة للاستغراب أن نجد المعارضة في مجلسنا تغط في سبات عميق اللهم بعض الخرجات المحتشمة في دورات المجلس،فإذا لم تكن المعارضة في موقع تنوير الرأي العام المحلي بأخطاء وخروقات المجلس بحكم مواكبتها المستمرة لأدائه (المفترضة)،فمن الذي سيطلع الرأي العام المحلي عن ذلك؟أم أن على المواطنين أن يذهبوا يوميا إلى مقر الجماعة وحضور الاجتماعات ومواكبة تسيير المجلس للجماعة،وما دور المعارضة إذن ولماذا انتخب مستشاروها؟
وتأكيدا لما سبق،فإن المطلع على محاضر جلسات المجلس القروي لجماعة تودغى العليا، يلاحظ غياب كلي لرأي المعارضة في النقط المدرجة في جدول أعمال الجلسات التي تم التداول فيها،في حين،المنطق يقول أنه يجب أن يكون المحضر عاكسا أمينا لكل ما راج في الجلسات،وفي بعض النقط التي يتم التداول فيها في الجلسات يكون الاتفاق أو التوافق أو الإجماع عليها دون أي مناقشة أو ملاحظة من طرف المعارضة،وفي أخرى نجد معارضة لنقط دون إبداء أي سبب أو اقتراح بدائل تحل محل مقترحات ومشاريع أغلبية المجلس،وهذا لا يعني أن الأعضاء المعارضين يمتنعون عن المساهمة الفعالة في شؤون جماعتنا وإنما تلك هي طريقتهم وتلك هي معارضتهم(الله غالب).
إن السياق الذي جاء فيه ما سبق يحيل على أن هذه السطور،هي دفاع عن جهة معينة أو عن التسيير الجماعي الحالي للجماعة،لكن الغاية من كل ما سبق ذكره هو المحاولة لتشكيل بنية أكثر قوة للمساهمة في تسيير الجماعة وتنميتها،وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن لكل تجربة جماعية نقائصها وخسائرها وإن تفاوتت في الفداحة،فإنه لا بد لتتميم هذه النقائص وتعويض تلك الخسائر من معارضة قوية مواكبة،ونسيج جمعوي يوصل صوت الساكنة،وبقدر ما نسرد العيوب بقدر ما يجب الإقرار بالنقط الايجابية وتشجيعها حتى يكون الإنصاف عنصرا مهما في النقد البناء خدمة لمصلحة الجماعة الترابية .
وفي نفس السياق أكد أحد المستشارين الجماعيين من المعارضة على أن الجماعة القروية لتودغى العليا تعيش حالة احتقان اجتماعي وسط تساؤلات كبرى للمواطنين حول مآل مستقبل جماعتهم انطلاقا من الحالة المزرية والوضع الذي أصبح يخيم على حصيلة التسيير الجماعي منذ الانتخابات الجماعية الأخيرة والتوجه العام الذي تصبوا إليه ،إذ أن المواطنين مازالوا ينتظرون الفرج ويأملون حصيلة تنسيهم مرارة المجالس السابقة ،إلا أن العكس هو الصحيح مجلس معاق لم يأتي بجديد بأغلبية لم تستطيع وضع حتى برنامج عمل الجماعة حسب المادة 78 من القانون التنظيمي للجماعات المحلية والعمل على تتبعه وتحيينه وتقييمه،هناك مجموعة من مشاريع لم يكتب لها ان تنتهي ، معلنا( أي المستشار) أن أعضاء المجلس من المعارضة لم يجدوا الظروف مواتية للاشتغال وما تتطلبه المسؤولية من نقاش ومشاورات حول جدول أعمال الدورات انطلاقا من مضامين الدستور الجديد الرامية إلى ربط المسؤولية بالمحاسبة . ولم يتم إشراكهم في وضع البرامج منبها إلى حالة الإهمال والتقصير من خلال غياب أي مشاريع تنموية أو مخططات إستراتيجية تولد برامج استثمارية أو أنشطة مدرة للدخل،بل الأدهى من ذلك يضيف المتحدث ذاته إن المواطنين قد فقدوا الأمل والثقة في المجلس الحالي الذي يشتغل وفق مخططاته البئيسة وفضل بعضهم الانخراط في الجمعيات أملا في لطف دعم المجلس لكن لا حياة لمن تنادي على اعتبار أن الجماعة القروية خالية من أي مشروع يخفف العزلة التي يتخبط فيها السكان ويمتص بطالة الشباب الذي أنهكه الجلوس والانتظار وضياع الوقت في غياب تام لنوادي الشباب أو الملاعب الرياضية .
فعاليات المجتمع المدني تتحدث عن ضعف الأحزاب السياسية بالجماعة ، وتخليها عن دورها في ممارسة التأطير السياسي والقيام بدور الوساطة بين المواطن والدولة، بعد أن تحولت جلها إلى مقاولات انتخابية تفتح أبوابها عند بداية كل استحقاق انتخابي لبيع التزكيات لمن يدفع أكثر، وتغلقها بمجرد الإعلان عن النتائج، وهو ما أفرز مجالس فاقدة للمصداقية والشرعية النضالية والنزاهة الأخلاقية والفكرية، ومعارضة مؤسساتية ضعيفة لا تتوفر فيها الكفاءة والخبرة اللازمتين لممارسة دور المعارضة البناءة، لأنها تفتقد للانسجام بين مكوناتها، وليست لها بدائل ومقترحات عملية، لتحقيق التنمية المحلية المنشودة.
الجزء الأكبر تجده يقتات من الدعم الذي يحصل عليه من دوائر صناعة القرار المحلي، أما الجزء الآخر فتبقى مهمته التشويش والتفنن في ممارسة الصيد في الماء العكر، باستثماره أسلوب الابتزاز والترهيب والتشهير، من خلال توظيف صفحات إعلامية محلية ومواقع مشبوهة تشتغل تحت الطلب، بينما يبقى عدد قليل من الجمعيات الجادة، التي تعمل في صمت على إبراز هوية المدينة “الضائعة”، وتهتم بالتنمية الاجتماعية والثقافية المحلية، وهي أصوات قليلة لا يراد سماعها وتتم محاصرتها وتضييق الخناق عليها.
العدناني طنطاوي .
المصدر : https://tinghir.info/?p=70326