Ad Space

ماسينسا أكليد يلد “إبراهيم أقديم” المناضل التليد

admin
اقلام حرة
admin29 مارس 2015
ماسينسا أكليد يلد “إبراهيم أقديم” المناضل التليد
بوشطارت عبدالله

خَيرًا فعلت جمعية “فستيفال تيفاوين” بمدينة تافراوت، حين برمجت ضمن أنشطة الدورة التاسعة لهذا الموسم غشت 2014، تكريم المناضل والمثقف “إبراهيم أقديم”، بتنسيق مع جميعة “تيفاوين” ببلجيكا. حفل التكريم نظم بمنزل أحد الفعاليات المدنية والجمعوية المعروفة بدوار “أَزْرُو وَّاضُو” الدوار الهادئ بوادي أمْلْنْ، الدوار نفسه، الذي ولد ونشأ فيه المرحوم الأديب الأسطورة “محمد خير الدين”. أجواء التكريم، جمالية المنزل الذي احتضنه، نسيم الوادي الممتزج بعليل المساء، وأشعار “علي شوهاد”، وشهادات المناضلين والأقرباء والرفاق، أمورٌ كلها؛ جعلت من هذا التكريم حفلا كبيرا يليق بالمحتفى به. وشعرت حينها، أنني كنت محظوظا للغاية لكي أتقاسم لحظات تكريم، وتقدير، واعتراف لهذا الرجل الفريد.

“ابراهيم أقديم” من طينة المناضلين الذين يناضلون في صمت، كرس حياته منذ الطفولة من أجل قضية واحدة، هي الامازيغية، اللغة، الثقافة والهوية، ساهم مع ثلة قليلة من شباب البادية الذين هاجروا إلى المدينة مبكرا، في الدفاع عن الامازيغية بجرأة وبواقعية، في زمن الصمت والخوف. في وقت كان فيه كل ما له صلة بالامازيغية بمثابة تهمة ثقيلة تؤدي إلى ما لا تحمد عقباه.

 لا نود الحديث عن مسار الرجل وتضحياته الجليلة في سبيل الهوية الامازيغية، وإن ابتغينا ذلك فان المقام لا يسع ولا يفسح ولن يُسمح به، بحكم تعدد اهتماماته ومهامه التي كرسها من أجل إعادة الاعتراف بلغة مهمشة في وطنها بسبب الايديولوجيا الهدامة. لأنه مسار نضالي طويل وشاق… حان الوقت لندشن نحن أبناء هذا الجيل، لزمن جديد بيننا، عهد الاعتراف للذين أرسوا اللبنات الأولى، للذين وضعوا أرجلهم في أول الجبهة. للذين خططوا بدماء وتضحيات وبفكر رصين وعلمي للوعي الامازيغي المعاصر. لإعادة قطار هوية المغرب وثقافته إلى سكته الحقيقية.

 لكن؛ ما شد انتباهي في أثناء هذا التكريم، لرجل كريم مثل ابراهيم أقديم. هو كيف استطاع ابراهيم منذ سنوات الطفولة أن يتملَّك الوعي بالقضية الامازيغية؟ وضرورة النضال لتحطيم كل القيود التي تحاصرها وتهدف إلى اجتثاثها. اسمحوا لي؛ فأن يكون المرء مناضلا من اجل الامازيغية في مغرب الستينات، فذاك؛ أمر صعب للغاية، لابد أن نقدر ونحيي كل المناضلين الذين تفتق وعيهم بإنقاذ الامازيغية في ذلك الإبان. أقديم خلال حفل تكريمه قدم رواية عن بداية اكتشاف الذات الثقافية المحاصرة. وفيها دروس بليغة وعِبرٌ لمن يَعتبر.

يقول ابراهيم: “في بداية الاستقلال أي في سنة 1956 استقدمه والده إلى مدينة الدارالبيضاء وهو طفل لم يكمل بالكاد 5 سنوات، وبحكم أنهم يسكنون في حيٍّ أغلب سكانه معمرين فرنسيين، فكل مرة يخرج فيها إلى أزقة الحي لتقاسم لحظات لعب ولهو مع الصغار أبناء الفرنسيين، يواجهونه بكلمات حادة وعنيفة  مثل “sale arabe ” أي “العْربي المُوسَّخ”، كلام يواجهه الطفل القادم من ناحية  “تاهلا” بجبال جزولة، بعنف مضاد. ودائما ما يتحول اللعب إلى عراك ومشاحنات. مع مرور الأيام وخوفا من تطور لعب الصغار إلى صراع الكبار، اضطر الوالد أن ينتقل إلى حي آخر وسط المدينة لتفادي الاصطدام مع الأجانب سيَّما في السنوات الأولى للاستقلال. واعتقد أن أسرة أقديم نزلت بحي “درب السلطان”.



aid

ويرمي الوالد من هذا الانتقال تفادي كل ما من شأنه توثر استقرار العائلة، والبحث عن الأمان والانسجام، لذلك اختار حي يسكنه المغاربة وابتعد عن كل احتكاك مع الأجانب. لكن مع توالي السنوات وجد “إبراهيم أقديم” الطفل نفسه وسط معركة أو معارك أخرى بين أبناء الحومة الجديدة، وأطلقوا عليه أبناء الجيران المغاربة طبعا، لقبا جديدا لا يقل سبا وتنقيصا من الأول، وغدا جميع أقرانه ينادونه ب “وْلْدْ الشْلْحَة”. وتجدد الألم لينمو في أعماق ودواخل ابراهيم، يحمله في صمت ويقسو على نفسه من جراء جريمة لم يرتكبها.

بين “sale arabe  ” و “ولْدْ الشْلْحَة” بدأت رحلة البحث عن الأنا- الذات، من لذن ابراهيم. ذات ممزقة، مهددة بالذوبان الكلي جراء اصطدام عنيف لثقافة الهامش يحملها طفل قادم من الجنوب، مع ثقافة صلبة تمثلها مدينة ضخمة أرسى الاستعمار الفرنسي كل أسسها وثوابتها. دافع ابراهيم في بداية أمره وواجه عنصرية أبناء النصارى الذين يستعدون للمغادرة والرحيل عن الوطن، ليثبت لهم أنه ليس ما يدعون. وحينما استقر بين ظهراني أبناء بلده سرعان ما ميزوه عن أنفسهم، كأن لسان حالهم يقول، “أنتَ لستَ منَّا” أنت فقط “ولد الشلحة”. هنا فهم أنه فعلا هو شيء آخر مميز عنهما. إذن؛ فمن يكون إبراهيم هذا؟

رحلة اكتشاف الذات، بدأت تضاريسها تنكشف مع دراسة الشاب أقديم، ودائما حسب ما صرح به هو نفسه في لحظة تكريمه. فقد قاده فضوله العلمي المبكر إلى العثور على كتاب أُلٍّف باللغة الفرنسية يتحدث عن التاريخ القديم للمغرب ولشمال إفريقيا. وعلى صفحاته وجد أقديم معطيات عن الملك العظيم ماسينسا، وكتبها المؤلف هكذا بالامازيغية Agllid  وهي كلمة مألوفة جدا ومتداولة في بلدته الصغيرة ووسط عائلته.

وهنا بدأت الحكاية، تعرَّفَ ابراهيم أقديم على حنكة ماسينسا وحدود مملكته، وعلى أفكار يوبا وكتبه،  وشجاعة يوكرثن، ودهاء تهيا في حروبها، وغيرهم كثر….

وأدرك أقديم إبن من يكون فعلا…. وكرس حياته ليعرف الآخرين عمق حضارة وتاريخ هوية أصيلة، ولغة عظيمة. تبدل الزمن لتعاني في وطنها تلابيب النسيان والتهميش ومحاولات الإقبار.

بوشطارت عبدالله

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.