استضاف مسلك التميز في الصحافة والإعلام بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بني ملال، بتنسيق مع مكاتب ابن خلدون، الصحافية والإعلامية فاطمة الإفريقي، وذلك بمناسبة الدرس الافتتاحي للمسلك، برسم الموسم الجامعي 2023/2024.
وقد اختارت الحديث عن موضوع: الصحافة في ظل التحولات الرقمية، من الصحفي المهني إلى الصحفي المواطن. وذلك يوم الجمعة 22 دجنبر 2023، بالمدرج رقم 4 بكلية الآداب والعلوم الإنسانية ببني ملال.
افتتح السيد ادريس جبري منسق مسار التميز في الصحافة والإعلام اللقاء بالترحيب بالحضور والتعريف بالضيفة، ثم تناول الكلمة كل من العميد بالنيابة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بني ملال، ومدير مكاتب ابن خلدون. وبعد ذلك، تم عرض شريط تعريفي للإعلامية، من إعداد طلبة المسلك، تناول أهم مراحل حياتها المهنية. وعرف اللقاء حضورا كبيرا لطلبة وأساتذة الكلية، وكذا فعاليات المجتمع المدني، وممثلو وسائل إعلام محلية.
استهلت الإعلامية المقتدرة مداخلتها بحديثها عن ضرورة انفتاح الكليات على المشهد المهني وعلى الفاعلين في مجالات الفكر والسياسة والفن والثقافة، لأن ذلك يغني الطالب، وأن تقاسم التجارب الإنسانية هي أفضل درس في الحياة.
ثم شرعت في التمهيد لموضوع المحاضرة عبر طرح مجموعة من التساؤلات المفترض الإجابة عنها خلال مداخلتها وعبر التفاعل مع الحضور، على حد تعبيرها، أجملتها فيما يلي:
هل نعيش موت الصحافة التقليدية؟ أم نعيش فقط تحولا في الأدوار والوسائط، مع الاستمرار في نفس رسالة الصحافة؟
هل نحن أمام استنبات فاعلين جدد يتقمصون أدوار الصحفي؟ أم أننا أمام فاعلين إضافيين يتواجدون بالموازاة مع الفاعلين المهنيين؟
ماذا يجب على الصحفي المهني فعله في ظل ظهور الفاعلين الجدد؟ هل ينسحب؟ أم يتكيف ويغير أدوات اشتغاله، مع ظهور متغيرات مختلفة جديدة؟
واصلت المحاضرة حديثها عن التحولات الكبيرة التي فرضتها الثورة الرقمية في مجال الإعلام، مؤكدة على منافسة وسائل التواصل الاجتماعي للإعلام التقليدي، والتحديات التي تواجهها المؤسسات الإعلامية التقليدية. مضيفة أن تأثيرات الثورة الرقمية خلال الألفية الثالثة مؤقتة ومتواصلة مع استمرار التحولات الرقمية، خاصة مع ظهور الذكاء الاصطناعي الذي ينتج الصحافة والمعرفة في كل المجالات، ويمكنه أن يعوض كل شيء في المستقبل. وأشارت كذلك إلى أن الثورة الرقمية غيرت كثيرا من مظاهر الحياة والعلاقات الاجتماعية، ومست جميع مجالات السياسة والاقتصاد والمعرفة والثقافة، مؤكدة أن مجال الإعلام هو الأكثر تأثرا بها. ومضيفة أن وسائل التواصل والتكنولوجيات الحديثة نافست الإعلام في فلسفته وخصوصيته وقوته في التعبير والتواصل مع الآخر.
وأكدت كذلك أن هذه الثورة الرقمية أتاحت فرصة ظهور فاعلين جدد يساهمون بدورهم في إنتاج الأخبار والمعلومات، بالموازاة مع الصحفيين والإعلاميين المهنيين والكلاسيكيين، من قبيل المدون والداعية والفاعل السيبيراني والقائد الالكتروني والنجم اليوتوبي وفنان الشبكات ومؤثر الانستغرام، وغيرها من التسميات التي يقدمون بها أنفسهم. وهو ما أحدث تغييرا جذريا في طرق وأساليب النشر والتلقي والتفاعل. وأحدث انقلابا في هوية وبنية الصحافة كمنتج ثقافي، ومنتج رمزي ودعائي، وكنموذج اقتصادي ومالي. وخلخل القواعد والضوابط المهنية، وأعاد توزيع الأدوار بين المرسل والمتلقي، التي لم تعد علاقة عمودية، بل صارت تشاركية.
وفي سياق حديثها عن تحول وسائل التواصل الاجتماعي إلى فاعل مؤثر ومنافس كبير لوسائل الإعلام التقليدية، أكدت أنه رغم مقاومة الإعلاميين المهنيين لهذا التحول في البداية، فإن هذه التكنولوجيات الحديثة حملتهم إلى عصر جديد وبيئة إعلامية جديدة. إذ لم تعد سلطة الإعلام والتعبير والتأثير مقتصرة بالصحفيين الكلاسيكيين المهنيين، بل ظهر مفهوم الصحافي المواطن الذي ينافس الصحافي الكلاسيكي في الإعلام والإخبار وتقاسم المعلومات وحكاية القصص. وحاولت تأطير الظهور الفعلي لهذا المفهوم “الصحافي المواطن” زمنيا وابستمولوجيا، حيث ربطت ظهوره زمنيا بالحراك الشعبي بمنطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط، وتناولت المفهوم مشيرة إلى تداوله كثيرا في أدبيات الإعلام والاتصال، متسائلة هل يمكن اعتباره فاعلا تؤطره قيم المواطنة والالتزام الاجتماعي؟ أم أنه مواطن عادي أصبح صحفيا، ويستغل هذا الفضاء الرقمي الحر المجاني والمفتوح للجميع، والذي يمنح للجميع حرية التعبير وتقاسم المعلومات والأخبار والقصص والتأثير.
ثم تحدثت عن أهم ملامح وتجليات تأثير التحولات الرقمية على الممارسة الصحفية والإعلامية، منوهة بكونها أنهت الاحتكار الإعلامي والمعرفي وحجب المعلومة من طرف المؤسسات الإعلامية والثقافية. وأضافت أنه صار بإمكان كل من يملك هاتفا ومتصلا بشبكة الانترنيت، أن يؤسس لنفسه مؤسسته الإعلامية الخاصة، باستثمار كل ما توفره التكنولوجيات الحديثة من أدوات وفضاءات أساليب الإنتاج والنشر، كالكتابة والتعليق الصوتي والفيديو والصور وغيرها. دون الحاجة للانضمام لمؤسسة إعلامية قائمة بذاتها تحكمها قواعد صارمة. وتمكنه من النشر والتفاعل الآني مع متابعيه، وتتبع مدى نجاح منتوجه الإعلامي، حيث تمكنه ملاحظة عدد المشاهدات والإعجابات والتعليقات الإيجابية منها والسلبية.
وحول سلبيات ومخاطر الثورة الرقمية، أشارت إلى الولوج السلس لوسائل التواصل الاجتماعي دون شروط، حيث يلجها أشخاص من مستويات ثقافية وتعليمية مختلفة، مما أدى إلى هيمنة الهواة ضعيفي المستوى الثقافي والتعليمي، ومشاهير بدون إنجاز، مشاهير فاشلون في الحياة الاجتماعية والمهنية، وأشخاص يعانون من أمراض وأزمات نفسية، على المشهد الإعلامي الرقمي. وكلهم يحظون بمتابعين كثر يعدون بالملايين، بل يفوقون أحيانا عدد المتابعين لوسائل الإعلام التقليدية. وفي ظل انعدام الرقابة والمحاسبة، صار بمقدور الجميع أن يتحدث في كل المجالات، ويقدم فيها معلومات ونصائح دون معرفة أو تخصص. وأشارت كذلك إلى ارتفاع نسبة المحتويات الرديئة والمعروفة إعلاميا بالتفاهة.
وأضافت كذلك إلى سلبيات التحولات الرقمية، ظهور أدوات قياس المشاهدات، مما أدى إلى انهيار البرامج الثقافية والفكرية، وصعود البرامج الترفيهية، مقارنة دور التلفاز في القرن الماضي المتمثل في التثقيف والتعليم والتوعية، ودوره الحالي المقتصر على الترفيه والتسلية. وذلك بسبب التفكير الاقتصادي الربحي المؤدي إلى تسليع الثقافة والإعلام، لأن الممولين لوسائل الإعلام تصلهم أرقام المشاهدات والمتابعين، فاكتشفوا أن البرامج التي يتابعها أكثر الناس هي البرامج الترفيهية. وهو ما حدث مع الثورة الرقمية التي تكشف نسب المشاهدة والتفاعل. فصارت المؤسسات الصحفية التقليدية والفاعلين في المجال الرقمي يحاولون تلبية رغبات الجمهور، ومن ثم تسليع الثقافة والإعلام بمبرر تجاري ربحي. مما أدى إلى سقوط وانهيار كل القيم الاخلاق، وتراجع المضامين الجادة والهادفة، وبالتالي بروز المضامين الضحلة والتافهة.
وتحدثت كذلك عن الوفرة مقابل الجودة بسبب التدفق الكبير واللا متناهي للمعلومات، إذ أصبح الصحفي يجلس في مكتبه فيجمع المعلومات ويعيد تركيبها دون الحاجة للخروج للميدان. مؤكدة في هذا الصدد أن المؤسسات الإعلامية ستبحث مستقبلا عن صحافيين ماهرين في مجالات تجميع المعلومات وإعادة تركيبها لإضفاء خصوصية المؤسسة وهويتها التحريرية على المقال أو المنتوج الإعلامي المراد نشره.
جدير بالذكر أن فاطمة الإفريقي صحافية وإعلامية مغربية، اشتغلت كمقدمة للمجلة الفنية بالقناة الأولى، ثم تكلفت بمهمة إعداد البرامج الفنية بنفس القناة. وكاتبة عمود صحفي بجريدة أخبار اليوم، تعبر فيه بحرية عن أفكارها وقناعاتها وهمومها، مستغلة هامش الحرية التي تمنحها الصحافة المكتوبة، والتي تفتقدها في الإعلام السمعي البصري العمومي حيث تشتغل. وعرفت بتضامنها مع الشعب المغربي ومشاركتها في حراك 20 فبراير 2011، وبمقالاتها المدافعة عن المظلومين وعن المعتقلين السياسيين على خلفية حراك الريف، ومعتقلي الرأي.
المصدر : https://tinghir.info/?p=68859