لعل ما طبع شهر شتنبر من هذه السنة بالمغرب، في هو زلزال الحوز الذي دمر الأرض والإنسان، البعض بالموت والآخر بالفقدان، وما تبقى بالحسرة والألم النفسي، غير أنه أحيى في قلوب المغاربة قيم التضامن والتعاون والتآزر، ثم الرسالة المولوية حول تعديل مدونة الأسرة.
حدثان بارزان، الأول استأثر باهتمام العالم، لما له من تأثير ووقع على مستوى البنية التحتية والديموغرافية لمناطق الحوز وتارودانت وورزازات وغيرها من المناطق التي عاشت هول هزة الثامن شتنبر، فكانت قلوب المغاربة بعدها أحن من الحنين وأرق من معاني الرقة نفسها، رغم كل ما صاحب ذاك التضامن الاجتماعي من خروقات وسلبيات، إذ أن إيجابياته في إنقاذ ومساعدة المتضررين تغطي ما دون ذلك، ذرفت الدموع على الشهداء وعلى اليتامى وعلى كل المكلومين، وقدم الجميع ما تيسر لديه، وحيث فاض حنين المغاربة بلغت مساعداتهم حتى المغلوبين المحتاجين بجل ربوع الجنوب، فترك ذلك أثرا طيبا في النفوس والتأمت القلوب والنفوس، وبلغت الرأفة تكريم المواطن المساهم بنصف كيس من الدقيق والذي كان قد غزى مواقع التواصل الإجتماعي حاملا لمساهمته على دراجة هوائية مصورا بالصدفة.
أما الحدث الثاني فجاء ختاما لشهر شتنبر، رسالة مولوية لرئيس الحكومة لتعديل مدونة الأسرة، والتي لها صيت كبير داخل الوطن، إذ صاحبتها موجات نقاش وجدال واستنفار وتنافر نفسيين اجتماعيين خاصة بعد صدور بنود مرتقبة كما وظفها المتحاورون المتجادلون المتناقشون المتنافسون على الوهم، فظهرت انقسامات وتيارات غير مسمات واحتجاجات غير منطقية وغير منظمة، كل منها تغني على هواها، فهدد بعض الشباب المعتبرين للمدونة مجحفة وظالمة الذكور بالعزوف عن الزواج، وآخرون باعتماد حيل ومراوغات تحرم من طليقاتهم من الحقوق التي حملتها البنود التي كانت مركز النقاش، كحيل “حكيمي، ورونالدو …” الغنية عن التعريف، فيما كان التفاعل من الشابات باستحسان البنود المزعومة واقتراح أخرى، وتهديد بعضهن باعتماد الزواج مشروعا مربحا، وأداة انتقام وانتقاص من الذكور معتبرات أنه آن الأوان لتبادل الأدوار، ما صاحبته أيضا نقاشات ساركازمية ساخرة.
يبدوا أنه من الواجب الإشارة إلى الأسس الرسمية أو التنظيمات المستهلة لهذا الجدال، هنا يبرز تيارا الإسلاميين والحداثيين، الأول استنكر لما قد تأتي به المدونة خاصة وقد حمل تصريح وزير العدل عبارات تفيد برد الاعتبار والنهوض بحقوق المرأة دون ذكر الرجل، وهو ما انبنت عليه أطروحة التيار الإسلامي، الذي اعتبر فرض المزيد من القوانين بمدونة الأسرة على الرجل بعد الطلاق ما هو إلا إيحاء، بل حجر أساس لعدم تجريم العلاقات الرضائية (الفساد) على حد قول الأمين العام لحزب المصباح، معتبريت أن مدونة الأسرة في المغرب كبلد ذي مرجعية إسلامية يجب وضعها وفقا للقرآن والسنة. أما التيار الحداثي وكذا الفعاليات النسائية فاعتبروا الأمر خطوة إلى الأمام نحو رد اعتبار المرأة المغربية، والقطع مع السلطوية الذكورية في مؤسسة الزواج، وطريق نحو تعزيز مكانة النساء في المجتمع وتحقيق المساواة.
أما بخصوص البنود المزعومة والتي سماها البعض بتسريبات، وهو الأمر الذي لا يتقبله كل عالم بأبجديات استعمال المصطلحات إذ لا وجود لمسودة حتى تتسرب منها بنود، لكن من يبحث عن حقيقة، فالنقاش لم يتوقف حتى لما تم تفنيذ صحة وجود هذه البنود من قبل وزير العدل وأن إعداد المسودة الأولية يتم التداول فيه من قبل جميع الشركاء الاجتماعيين المعنيين بالأمر، وأنه ستكون هنالك مشاورات واجتماعات مع مختلف الفعاليات، وأن الأعراف والتقاليد وما تحمله الثقافة المغربية من قيم لابد أن يكون لها نصيب وتأثير في إعداد وصياغة قوانين الأسرة المغربية.
وفي أقل من شهر، تطاول المتضامنون من قبل مع بعضهم البعض على بعضهم البعض، فالتضامن كان قد فرضه قدر من الله وقانون الطبيعة إن أمكننا تسميته كذلك، أما التطاول فجاء نتيجة واستجابة لمحاولة الدولة جس نبض الشارع حول تعديل المدونة وصياغة قانون وضعي يشارك الجميع في وضعه ويحتكم إليه، فهل سنبقى متطاولين على بعضنا أم أننا سنعود إلى التضامن؟ واللهم من دون وقوع كارثة أخرى.
المصدر : https://tinghir.info/?p=68287