في بلدة “أسغموا نايت زغار” بامغران ورزازات، يتم الاستعداد مسبقا لعاشوراء، والتي ينطقها أهل القرية ‘تاشورت’ حيث أن حرف العين في لهجتهم لا ينطق كثيراً حسب السياق وموقعه من الكلمة، منذ عيد الأضحى يتم الاحتفاظ بعدد معين من “الكرداس” “تيكوردسين” لطهيها ليلة عاشوراء، مع كمية وافرة من الكسكس أو بداز، إذ يقوم أبناء القرية بتشكيل فرق حسب العمر والانسجام، فيحملون الدفوف والطبول ‘كانكا’ رغم أن هذا الأخير توفره فرقة الشباب الكبار أما البراعم فيكتفون بدفوف بلاستيكية و (تيقدوحين) وبقنينة ماء كبيرة تقوم مقام الطبل “كانكا” فالمغزى منها إصدار صوت مفخم وخشن يداعب أصوات الدفوف والتعريجات الحنونة، وتدور الفرق على المنازل بوجوه مكشوفة انطلاقا من آذان العشاء وهي تنشد وتتغنى بأشعار أمازيغية وكذا أخرى مختلطة بين العربية والأمازيغية لمحتواها الديني، يطعم أهل الدوار الفرق بما طهي والأكيد أن يحتوي على “تاكوردست ن تاشورت” إحدى قطع الكرداس، ويقدمون لهم الصدقة وتكون من ما تيسر من شعير أو قمح أو لوز أو جوز أو سكر وأتاي أو مال حسب الإستطاعة.
قبل طواف الفرق ليلة عاشوراء على المنازل، يبدأ الاستعداد لحفل عاشوراء منذ عصر يوم التاسع من محرم، الأمهات يستعدن للطهي، والآباء بإخراج زكاة المال لتوزيعها على الفرق وعلى الأشخاص المعوزين، (هنا أشير إلى أن هذه الزكاة وهذا الطواف ليست له أية علاقة بمد اليد أو “السعاية” إنما هو عرف وتقليد فقد يمد مياوم دراهم لابن ميسور الحال، والعكس بالعكس، إنها ليست إعانة،وليست إعارة، إنها إثارة و إمارة وإشارة إلى تساوي الناس والطبقات في المجتمع الأمازيغي منذ القدم).
في الاستعداد كذلك، الشباب يقومون بتشكيل الفرق مسبقا وذلك حبيا وسريا، حيث يتم الاتفاق على أمور كثيرة، أهمها من سيتولى رئاسة الفرقة (المقدم)، الآمر والناهي في عملية الطواف المرتقبة والذي يلبس جلبابا أبيض ويحمل الحقيبة الجلدية “أقراب” بنك الفرقة، ثم من سيلعب دور “أخو ن تاشورت” أي وحش عاشوراء بترجمتها الحرفية من اللغة الأمازيغية، وهو الذي يلبس لباسا يبدعه رفقائه بالفرقة وقناعا قد يشترى مصطنعا، أو يصنع محليا، من قرون وزفت وشعر ماعز الأهم أن يخيف الصغار ويجذب الكبار، ثم يأتي دور العروس، حيث يتطلب الأمر تكتما أكثر ليقبل أحد الشباب أن يلبس لباس العروس التقليدي وذلك ليتقرب من النساء والفتيات ويأخذ منهن الصدقة فيما يتكلف الوحش بالجنس الأحرش الذكور، وتبقى الأدوار الأخرى ثانوية بين من سيتولى الرقص ومن يتولى العزف والضرب على الطبول والدفوف.
بعد العصر يجتمع الشباب الذكور، كل بفأس أو معول أو ‘أشاوش – أسندو’، يقطع البعض النباتات الشوكية، الحطب، (ملبنت وتقرأ بتسكين كل الحروف، أوشفوذ، اخلال نووداين وغيرها مما يمكن أن توقد به النار من الأشواك)، ثم يجرها ويدفعها البعض الآخر إلى ساحة الدوار غالباً ما تكون محاذية للمسجد، ما إن تغرب الشمس، حتى يهيأها الشباب في كومات شوك كبيرة ومتوسطة وصغيرة الحجم، لتناسب كل الأعمار، يتم إشعال النار بها فيستمتع الشباب الذكور طبعا بالقفز عليها، بعد آذان المغرب، وبعد التحاق ساكنة الدوار بالساحة المعلومة (أساوض)، يبدأ الكبار في إنشاد أمداح نبوية، يبدأ الرجال فتعيد النساء بعدهم ما يقولونه، ومما يقال نذكر:
- الرجا دارك اربي / لا إله إلا الله
- آسي أمان أتاركا تاسيت أغو/ آر تيميزار ن النبي رسول الله
- الصلاة والسلام عليك/ آسيدي رسول الله
هذه وغيرها يتم إنشادها بألحان مختلفة تحترم المقام الخماسي المبني للشعر والإنشاد الأمازيغي. بعد ذلك، وبعد أن أخمدت النار من الأشواك، يقترب منها البعض للتبرك، وذلك بأخذ جمرة وكوي الأظافر بها والدعاء لله عزوجل أن يكفر السيئات عنهم وأن يقيهم نار جهنم، ثم ينصرف الناس مع آذان العشاء ويبدأ طواف الفرق التي تستغل جمر شعلات عاشوراء لتسخين الدفوف حتى يتسنى لها أن تصدر النغمة المناسبة (التخليف – اسيفي – الاخرين).
في صباح العاشر من محرم، يبدأ طقس التراشق بالماء بمجرد سدول أشعة الشمس على الأرض، يبلل هذا ذاك، وذاك الآخر، ويكون العريس الجديد في القرية هدف كل الشباب ليبللونه، وكذلك العروس بالنسبة للشابات، ذاك الصباح حيث يمتثل الجميع للطقس فحتى لو رفضت التبلل سيتم رشك بالماء شئت أم أبيت. بعد الظهر يبدأ طواف الفرق نهارا، كل فرقة تبدع في لباس شيخها ووحوشها وعروسها ومنهم من يختلق مظهر جمل ويحاكي صوته وتحركاته خاصة للعب وتخويف الصغار، كل هذا تصاحبه أنغام أحواش وأحيدوس وحتى العزف على آلات موسيقية عصرية، فيعيش الدوار يوما لا ينسى اسمه يوم عاشوراء.
بعد انقضاء هذا اليوم، تجمع الفرق الصدقات، يتم بيع ما اجتمع من شعير وقمح ولوز وغيرها حتى يجتمع كل ذلك ويصبح مالا، ويتم تنظيم حفل في القرية يمول من المال المجتمع، حيث يقرأ القرآن وتنشد الأمداح ويأكل ويشرب الجميع، ويعزف أحواش في النهاية، حيث يفرح الجميع، هكذا تمر أيام عاشوراء بقرية أسغموا أيت زغار.
المصدر : https://tinghir.info/?p=67945