حسن غرغيز
ليس بكاء على الاطلال ، ولا حبا في الرجوع الى الماضي ، ولا تفضيلا له على الحاضر ، ولكن من حق أي شخص أن يقارن بين الماضي وجماله وبراءته وبين الواقع الحاضر وجشعه، أو على الأقل رأسماليته، حتى ولو كانت المقارنة لا وجه لها خاصة بالنسبة للجيل الذهبي ، الذي عايش تعثرات وهفوات ومحنة التعليم.
من منا من أبْناءِ هذا الجيل لا يذْكُر أن زادَنا “شكارتنا” من الكتب في ذلك الوقت كان لا يزيد عن كتابين، كتاب بحروف عربية وآخر برسومات وكتابة فرنسية، وأما الدَّفتر فكان من فئة 24ورقة عريض المنكبين واضح السطور بأوراق تجذب التلميذ للخط عليها ، دفتران واحد لما يُكتب بالعربية واخر لما يكتب بالفرنسية.
ومن طرائف هذا الدفتر أنه بالإضافة للمزيج الذي يتضمنه من عربية وفرنسية قد تجد أوراقه تغير لونها بالمرق “الدواز” أو زيت الزيتون حتى أنه يصبح لوحة زيتية لأحد أعمدة الفن التشكيلي،حتى رائحته تصبح من روائح الماركات العالمية .
ومن منا من أبناء هذا الجيل لا يتذكر أيضا أن ذلك الكتابين كانا كالخالدين، يتوارثهما الأخ الأصغر عن الأكبر، ويتوارثهما بعد ذلك الأقرباء والجيران، إلى أن تبدأ اوراقه الخروج من جذورها التي خيطت بخيوط ولصاق ،هذا الاخير يصبح علكة تمضغ بعد خروج كل الأوراق منها بشكل كامل ويتعذر حمله ،ثم تلف بأوراقها العطرية والبخور …
أما الأقلام فلم نكد نعرف فوق قلم “بيك” شيئا كبيراً، إذ كان حمل أقلام من غيره ومن غير قلم الرصاص ترفاً وكماليات ويدور الزمان دورته، لنرى تلاميذ هذا الجيل، يحملون من كل الأشكال والألوان والأحجام، من الكتب والدفاتر والأقلام والمحافظ، وما يصلح في هذه المدرسة قد لا يصلح في أخرى وما يكون مقرراً هذه السنة، قد لا يتكرّر مرة أخرى وإلى الأبد.
والكل يعتبر أن هذا من نتائج تطور المناهج الحديثة، والتقنيات التربوية التي تخدم التربية والتعليم والمستقبل الواعد،حتى الأساتذة لم يعد الاكتفاء بمدرس المادة نافعا داخل المؤسسة الرسمية، حيث لابد من البحث عن مدرس آخر ليكمل نقص المدرس السابق، أو البحث عن ذلك المدرس بالذات في بيته حتى يوضح ما تركه غامضاً في القسم ،والغريب في الامر أن المدارس التي تقدم الدعم خارج أسوار المؤسسات التعليمية العمومية والخاصة يفوق عددها التي تقوم ببناء التعلمات،مما يوحي أننا أمام وضع المعالجة قبل البناء .
ووراء كل هذا حركة تجارية ضخمة، تكون غير بريئة في كثير من الأحيان، والأب المغلوب على أمره هو الضحية دائما، إذ هو الذي لابد له أن يدفع الثمن،والكارثة الكبرى الزيادات المهولة التي تعرفها الوسائل التعليمية التعلمية هذه السنة،طبعا ستكون القشة التي ستقسم ظهر التعليم.
هذه صورة مبسطة لواقع التعليم بين الامس واليوم :
هل كان التعليم في ذلك الوقت مع قلة الوسائل والإمكانات أقل عطاء، أو إنتاجاً مما هو واقع في عصرنا الحاضر مع تعدد الإمكانات والوسائل أم العكس؟
قد يكون الجواب حاضراً لدى البعض وقد يحتاج إلى تأمل لدى البعض الآخر، لكن في كل الأحوال أقول : إن إنجاز دراسة ميدانية علمية حقيقية في هذا الباب ستؤدي إلى الكشف عن حقائق ربما تكون صادمة، بدءًا بالدخول المدرسي وانتهاءً بالنتائج المحصل عليها.
وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (179) سورة البقرة
المصدر : https://tinghir.info/?p=66188