الدكتورة عائشة العلوي تكتب: شذرات اقتصادية… الدولة والأمن متعدد الجوانب …

admin
2022-07-20T17:54:21+01:00
آخر الأخبار
admin19 يوليو 2022
الدكتورة عائشة العلوي تكتب: شذرات اقتصادية… الدولة والأمن متعدد الجوانب …

هدفان لا يلتقيان. الأول تضخيم الربح والثاني محاربة الفقر ودعم القدرة الشرائية للفئات الفقيرة والمتوسطة. وذلك لسبب بسيط ومنطقي، وهو: العلاقة السببية بينهما، حيث إن الأول هو المسبب والمحدث للثاني. لذا يتزايد عدد الفقراء والمهمشين وتنهار الفئات المتوسطة عند كل أزمة. وفي غياب لسياسات اجتماعية واقتصادية مواكبة، فإن الأخطار الداخلية والخارجية تتزايد.


لقد بات جليا أنه عند كل أزمة تنهار اقتصاديات الدول الفقيرة والمتوسطة، ويتم بالتالي تخريب كل محاولة إصلاح أو نهوض تنموي لمجتمعاتها. أليس الهروب الجماعي لشباب وشابات القارة الإفريقية من جهيم التهميش والتفقير هو دليل قوي على أنه لا يمكن إرساء الديموقراطية من خارج القارة، أو تحقيق تنمية بمجرد وضع استراتيجيات تحدد من خارج البنيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية لكل دولة؟
لقد اتضح أنه لا يمكن بناء السلم العالمي والديمقراطية وترسيخ ثقافة الحوار بين الشعوب وترسيخ قيم التعايش والتعدد في ظل نظام دولي يتسم بالعنف والتمييز واللامساواة واللاعدالة. لقد حان الأوان بأن يعترف البنك الدولي والمؤسسات التابعة له بفشلهم في تحقيق أهدافهم خاصة تلك التي تم فرضها خلال العشرية الأخيرة على مجموعة من الدول؛ ألم يتم الإقرار بفشل سياسات التقويم الهيكلي التي فرضت على العديد من الدول بعدما فشلت أو أُفشلت في تسديد ديونها؟
وعطفا على ذلك، يجب إعادة النظر في العلاقات الدولية؛ بحيث تتمكن الدول الفقيرة والمتوسطة من إعادة صياغة علاقاتها مع محيطها الخارجي، وتجد لنفسها تكتلات جديدة تدافع عن مصالحها وسيادتها وتحترم أولوياتها الوطنية. على سبيل المثال، هل ستنتهز دول الخليج ودول شمال إفريقيا الفرصة لفرض أشكال جديدة من العلاقات، وبالتالي موقع سياسي مهم في النظام الجديد (الذي لم تتضح معالمه بعد)؟


أبرزت الحرب الروسية-الأوكرانية أن الدول العظمى لا تطبق القوانين الدولية ولا يهمها سوى مصالحها الاستراتيجية. ألا يمكن اعتبار هذه الحرب على أنها ضرورة أمريكية أكثر مما هي ضرورة روسية أو أوروبية أو صينية؟ فكيف يمكن تحقيق أهداف التنمية المستدامة في ظل هيمنة الولايات المتحدة وفرض رؤيتها على العالم؟ ألا يعتبر هذا استنزافا لطاقات وإمكانات الدول الصغيرة والمتوسطة في التغيير والتطور؟ إلى متى ستظل القارة الإفريقية تابعة للهيمنة الخارجية؟ ألن تعي الدول الأفريقية حجم الخطر القادم على مصالحها الإستراتيجية وعلى شعوبها من مشاكل الطاقة ومن مخاطر التلوث المناخي وندرة المياه ومن مشاكل الاجتماعية والاقتصادية ومن مخاطر الهجرة على تنميتها المحلية خاصة هجرة الأدمغة؟ أسئلة عديدة ومقلقة تفرض نفسها علينا في الآونة الأخيرة كمفكرين/ات وباحثين/ات وفاعلين/ات. وما يزيد من تعقيد الوضع هو نجاح البرامج الدولية السابقة في تسريع وثيرة تحرير الأسواق وخروج الدولة من الأنشطة الاقتصادية الاستراتيجية والسيادية ومن الدعم الاجتماعي والاقتصادي للأسر والشباب والنساء وحماية حقوق العاملين/ات …


لقد أثبتت الأزمات المتتالية أن تقزيم دور الدولة أو خروجها من الأنشطة الاقتصادية والدعم الاجتماعي هو خطأ استراتيجي كبير؛ حيث انهارت معه الموارد المالية العمومية وزادت المديونية، مما أضعف معه إمكانية “امتصاص” الأزمات الاجتماعية والاقتصادية سواء الداخلية أو الخارجية. فتحويل الدولة إلى مجرد مؤسسة لتحقيق التوازنات الماكرو الاقتصادية، وإلى دبلوماسية من أجل التفاوض لفتح الأسواق، قوض الأسس الحقيقية لبناء مجتمع متماسك وقوي. فهدف الدولة هو حماية كل مواطن(ة) وتحقيق الرفاه الفردي والجمعي. إن أكبر خرابا يمكن أن يمسها هو سيطرة منطق الفردانية والربح على حساب حماية المصالح الاستراتيجية للدولة والحماية الاجتماعية والاقتصادية لجميع فئات المجتمع.
إن كانت لوبيات الاقتصاد استطاعت أن تتحكم في السياسة في الدول العظمى، إلا أن المؤسسات بقيت مستقلة وقادرة على ضمان عدم السيطرة الكلية على جميع المرافق السيادية للدولة؛ وهذا عكس ما يقع في مجموعة من الدول النامية كالمغرب، حيث أصبح رجال أعمال مسؤولين في الحكومة وقادة سياسيين، وبالتالي أصبحت العديد من المؤسسات (التي يجب أن تسهر على الشفافية والمساواة وحماية المواطنين/ات) تحت إمرتهم. كيف يمكن أن تكون القاضي والمتهم في نفس الوقت؟
في الحكومة السابقة كانت المطالبة بحياد الدين ومعاقبة كل مستغل له، والآن المطالبة بانسحاب كل من له مشاريع ضخمة من المشهد السياسي، أو فرض المحاسبة والمراقبة الصارمة لتحقيق مبدأ عدم تضارب المصالح، وأولها سن وتفعيل قانون التصريح بالممتلكات وتشجيع المجتمع المدني على لعب دوره كما يخوله الدستور المغربي والمواثيق والعهود الدولية في المراقبة والترافع. إن كان الريع يخرب الاقتصاد، فإن المال يخرب السياسة والمجتمع.


لم يعد من السهل توقع الأزمات وتحديد عوامل اندلاعها، بل أصبح من الممكن فقط تحليل نتائجها وانعكاساتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. بيد أن جل الأزمات المندلعة ما هي إلا نتيجة حتمية لتدخل رجال المال والاقتصاد في السياسة ومحاولاتهم المدروسة لتفريغ الدولة من مقوماتها “الوجودية” الأساسية. لا يمكن للمنطق الليبرالي ان يلتقي مع المنطق المصلحة العمومية وحماية المشترك، وبالتالي لا يمكن لمصالحهما أن تلتقيا. يجب على “منطق” الدولة ان يحكمه الديمومة والدفاع عن السيادة، وليس العكس. كيف يمكن ضمان ذلك في ظل سيطرة القوة الليبرالية على مؤسسات الدولة، وهي القوة المحكومة بالنزعة الفردية ومنطق السوق؟
الدولة تضم كل المكونات والأطراف الفاعلة في المجتمع، بحيث تضمن عدم سيطرة أي طرف أو مكون على القرارات والتدابير. أما الآن، فمن الصعب ضمان الحياد بعدما أصبح طرفا واحدا هو المسيطر وباقي الأطراف تابعة؛ فأنتج خلط الأهداف وزيادة مخاطر عدم الاستقرار الاجتماعي.


الصورة مكتملة وواضحة لكل المتتبعين والمتتبعات للشؤون المحلية والإقليمية والدولية. الحروب هي نتاج لفئة مسيطرة على اقتصاد العالم، لا يهمها الوطن ومصالح باقي فئات المجتمع. لقد أصبح الهدف هو تحقيق توازنات اقتصادية وسياسية جديدة تضمن فقط زيادة الفرص الاقتصادية والمالية للفئة المسيطرة على الاقتصاد والمال وليس تحقيق العدالة الاجتماعية والرفاه الجمعي.
إن كان العالم اليوم يتشكل من جديد برسم معالم جديدة، فإن على الدول “التابعة والغير المشاركة” أن تلتف حول شعوبها وتتدخل بقوة لقطع خيوط لوبيات القطاع الخاص داخل مؤسسات الدولة وتفرض احترام القوانين، لأنه يشكل خطرا حقيقيا على أمن واستقرار المجتمع يوازي ذلك المتعلق بسيطرة التيارات الإسلاموية على الدولة. لذا يعتبر إعادة تدخل الدولة في الأنشطة الاقتصادية السيادية من الأمن القومي؛ إنها تعتبر سياسة ناجعة لتحقيق السلم الاجتماعي والتنمية الاقتصادية… إنه أمن متعدد الجوانب.

عائشة العلوي، أستاذة جامعية وفاعلة مدنية

19 /07/ 2022

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.