مصطفى ملو
لا أحد ينكر أن إطلاق أكاديمية المملكة المغربية لجائزة المنتج الثقافي المنشور في الموسوعات الرقمية التشاركية، والتي كانت نسختها الأولى حول التراث المغربي، مبادرة نوعية وغير مسبوقة لا تستحق إلا التنويه والإشادة، لما تمثله من فرصة لتحفيز الشباب على الاجتهاد والإبداع في إعطاء إشعاع موسوعي رقمي للمغرب، تاريخه، ثقافته ومؤهلاته.
غير أن هذا لا يمنع من إبداء عدة ملاحظات بخصوص هذه الدورة وما شابها من خروقات، وليس هدفنا هنا محاسبة أحد، بل حسبنا التنبيه إلى هذه الأخطاء الفادحة بغية تجاوزها في قادم المواعد وضمان تكافؤ حقيقي للفرص وتجويد هذه المنافسة حتى تكون بالفعل مناسبة أكاديمية للبحث والتنقيب.
وبناء على ما تقدم، نجمل هذه الملاحظات والخروقات فيما يلي؛
-ضعف التواصل مع المشاركين وعموم الجمهور المهتم والمتابع، خاصة فيما يرتبط بالتأخير غير المبرر عن إعلان النتائج لأزيد من أربعة أشهر، بل والتراجع وإنكار ما تم الإعلان عنه سابقا، حيث كان مقررا حسب إعلان المسابقة فرز النتائج في 31 دجنبر الماضي وهو ما أنكرته الأكاديمية جملة وتفصيلا، نافية أن تكون قد حددت تاريخا لذلك، في حين أن إعلان المسابقة-كما سلف- مازال حيا يشهد على أن الموعد كان محددا في 31 دجنبر 2021.
- توصل بعض المشاركين بدعوة الحضور يوما قبل تسليم الجوائز، والمشكلة ليست في هذا التأخر المضحك والمثير للاستغراب في إرسال الدعوات، بل في هذه الدعوة الغامضة التي لم توضح ما إذا كان المدعو فائزا أم أنها مجرد دعوة للحضور، باعتبار المدعو من المهتمين وتشريفا له على المشاركة، وما زاد من هذا الغموض أن جميع المشاركين لم يتوصلوا بهذه الدعوة، إنما قلة منهم فقط، كما أن بلاغ الأكاديمية بخصوص تسليم الجائزة كان واضحا عندما أشار إلى”الفائزين المدعوين”، وهذا ما قد يفهم منه كل مدعو بأنه فائز.
والسؤال هنا هو؛ ماذا لو تحمل أحدهم عناء السفر من منطقة نائية اعتقادا منه أنه من الفائزين ليصدم فيما بعد أنه ليس منهم، فمن سيعوضه مصاريف التنقل والمبيت والأكل…؟
-بخصوص المواضيع الفائزة فإننا لا نشك في نزاهة وكفاءة وحيادية اللجنة المشرفة على اختيارها ولا نملك الأهلية للخوض في هذه المواضيع، إلا أن ذلك لا يسلبنا حقنا في إبداء رأينا بخصوصها، لا سيما ما يتعلق بالنص الفائز بالعربية الذي كان حول”عمارة فاس”، من حيث هو في نظرنا موضوع مستهلك وتوجد بخصوصه عشرات المقالات والمراجع سواء الورقية أو الرقمية، موسوعية كانت أو عادية، في الوقت الذي توجد فيه مواضيع تطرق لأول مرة رقميا، والمعلومات بخصوصها شحيحة إن لم نقل منعدمة، مع ما يطرحه ذلك من صعوبة تناولها والخوض فيها لارتباطها بفترة سحيقة من تاريخ وتراث المغرب، تعود إلى ما قبل الميلاد وحتى ما قبل التاريخ، وهو ما يجعل من المحاولين النبش فيها أول من يستحق الفوز مقارنة مع من يكتب في موضوع لا نعتبره مكلفا علميا وبحثيا.
لن ندخل هنا في الجانب التقني؛ هل تم احترام عدد الكلمات المسموح به ولا السلامة اللغوية واستعمال صندوق المعلومات infobox ولا المعلومات الواردة في المقال والتي تقزم وإن بشكل ضمني تاريخ المغرب في 12 قرنا وربط الدولة المغربية بآل إدريس وهي المغالطة التي يصر أهل فاس على ترديدها و تكريرها في تجاهل تام لدعوات مجموعة من الباحثين والمختصين الداعين إلى تصحيح تاريخ المغرب منبهين إلى أن تاريخ الدولة المغربية، بل الإمبراطورية المغربية أقدم من ذلك بكثير، عندما ظهرت ممالك أمازيغية خلدت أسماءها في التاريخ بحروف من ذهب وكانت لها أجهزتها العسكرية والإدارية وحتى أعلامها الخاصة وعملاتها النقدية، لن نخوض في هذا الموضوع وسنتركه للمؤرخين والمهتمين.
في نفس السياق نستغرب من حذف الجائزة الثانية لهذا الصنف والجائزة الثالثة لجميع الأصناف ونتساءل؛ ما مصير المبالغ المخصصة لها؟ ألم تكن من بين عشرات المشاركات المتوصل بها بالعربية من تستحق الجائزة الثانية على الأقل، علما أن من بين المشاركات وباعتراف من يوسف خيارة مدير التراث الثقافي بوزارة الثقافة ما حمل معلومات قيمة مبررا إقصاءها بالجانب الشكلي وهو ما يطرح سؤالا آخر هو؛ ما دخل لجنة التحكيم في الجانب الشكلي والتقني ما دامت المساهمات قد قبلت في الموسوعات الرقمية التي تفرض شروطا صارمة قبل النشر؟ أليست كل مساهمة تم قبولها في هذه الموسوعات بالضرورة مستوفية للحد الأدنى للشروط المطلوبة؟
-التركيز على المواضيع المنشورة في موسوعة ويكيبيديا دون غيرها من الموسوعات الرقمية الأكثر مصداقية(ربما).
-فيما يخص الأشخاص الذين كلفوا بتسليم الجوائز وتحديدا الفائزين بالمسابقة الخاصة بالنص الأمازيغي، نسجل تغييبا تاما(قلنا تغييبا وليس غيابا بعد اتصلنا بالعديد من هذه الشخصيات التي نفت نفيا قاطعا علمها بالحدث فما بالك بتلقي الدعوة لحضوره)، للشخصيات الأمازيغية التي أعطت الكثير للثقافة والتراث الأمازيغيين من دكاترة وأكاديميين وأساتذة جامعيين وباحثين في مقابل تكليف عمر الفاسي الفهري وسفير اليمن بهذه المهمة، ربما تأكيدا على ما يبدو لأسطورة الأصل اليمني للمغاربة على حد قول أحد المعلقين الظرفاء.
في الختام نهنىء كل الفائزين ونتمنى لهم مسيرة بحثية وأكاديمية موفقة وسنحسن النية ونقول إنها أخطاء غير متعمدة، بل هي أخطاء البدايات التي لن تتكرر.
المصدر : https://tinghir.info/?p=65124