المُصلّون الجُدد !!  

admin
2022-04-14T17:06:28+01:00
آخر الأخباراقلام حرة
admin14 أبريل 2022
 المُصلّون الجُدد !!  
محمد بوطاهر

لا يسَع المرء، وقد متّعه الله بالدوام والفضل حتى هلّ عليه شهر رمضان الكريم، إلاّ أن يشْكره تعالى على وافر كرمه وساَبغ نعمه، وأن يمدّ في عمُره ويحسن عمله، فهو في الأخير شهر الطاعة والهدوء الرّوحي وتفعيل زر القيم الإنسانية من تضامن وتصدق وفعل الخيرات، غير أن طائفة من عباد الله تزيغ عن السّكة ولا تتعظ بكل ما يسْتوجب ذلك ظاهرا وباطنا، أو هي تتأثر نسْبيا، لكن على النّحو العليل فتمارس الطقوس الدينية التعبّدية، بكيفية نشاز تسيئ إلى الله والوجُود أكثر مما تقرب العبد من ربّه. 

لن أخطب في هذا المقال واعظا أو ناصحا، فأنا لسْت فقيها كفُؤا لذلك، ولا وصيّا على الحقل الديني العلمي، فله أهله وقواده، ولكن سأحاول أن أثير بعض المُمارسات المارقة عن الأصل والشرع، وهي في كليتها تدخل ضمن الجانب الأخلاقي القيمي، غايتنا – بالتأكيد- هي السّعي نحو تصْحيحها قدر الإمكان. 

في رمضان الكريم، بالضّبط لياليه الرّبانية، تتقاطرُ على المساجد حُشود غفيرة من عباد الله (الصّالحين)؛ رجالا ونساء ودونهما، ينسِلون من كل صوب لأداء صلاة التراويح، حتى تكاد تختنق دور العبادة، وبعض منها تلفظ مُصليها نحو الهوامش وفوق الأرصِفة والطرقات، دون تمييز للأمكنة بين ما يجوز ولا يجوز لأداء هذه العبادة. وإذ نتفهم عطش الناس إلى هذه الطقوس بعد جائحة كورونا، فإن ما لا نسْتسيغه هو إقدامهم بلهفة على أداء النافلة وترك الفريضة تذروها الرّياح، ففي صلاة الفجر لا تكاد تجد إلا صُفوفا لا تتجاوز نصف أصابع اليد الواحدة، وهي مُفارقة معيبة تدُخل الناس في منطق اعتيادي ميكانيكي لا علاقة له بالسّكينة الرّوحية والخُشوع التعبّدي الذي هو أسّ وغاية الصّلاة. 

من جانب آخر، تجدُ من يتسَابق إلى العفو عن لحيته، أو ما تبقى في وجهه من زغب ثائر، والإخلاص للجلباب والبلغة وتصّنع الورع، ليقترب من هذه الطقوس، مُعتقدا أنها المُحدد، غافلا عن الجوهر الذي هو لبّ الدين كله. فالنوايا والأحاسِيس القلبية هي أكبر وأعظم من الأشكال المُتصنعة. وإن شاء ودخلنا المسْجد، فستلحظ من يتسابق لحجز أمكان لنفسه ولمن سيأتي أو لا يأتي بعده من معارف، فيتركون علامات وأغراض تنوبُ عن (عباد صَالحين) شغلوا بأمُور الدنيا أولا حتى يفرغوا منها. 

ولن تعجل في أمرك أو تتعجب، حتى ترى أحدهم يعْطسُ عطسا فظيعا، كرشّاش مفزّع دون أن يوشح فاه أو يَحمد ربّه، ثم إنه يتثاءب كفرس نهر مُشرعا وجهه نحو المُصلين دُون رحمة، وآخر يجتر طعامه ليعيد مَضغه من جديد، فيزكم المكان برائحة تعافها الخنازير نفسها. أمّا عند الاسْتماع إلى درُوس ما قبل صَلاة العشاء، فترى العجب العُجاب؛ بين من يشخر ومن ينقبّ في مِنقاره باحثا عن معادن لم يعرفها بعد أهل الجيولوجيا. ولن أتجنّى على أحَد أو آخذ إثمه – ونحْن بحمده أحرص منهم على تقوى الله وطاعته- إذ أقولُ بما لاحظتْ عيْني وبصُرته عيانا بدون سَند ولا عنعنة، فلا يكاد ينتهي من الحفر في وجهه حتى يدسّ يده في حصِير المسْجد ليئد صيْده دُون حشمة أو توقير لحرْمة المكان وأهله؛ الجالِسين جنبه. ثم إنّ طائفة أخرى مِن الذين نفذت إليهم طِباعُ النّساء وثرثرتهن، يوثرُون الجُلوس خلف الصّفوف يتحدثون في مُتفرقات الحياة، ويضْحكون غير مُبالين بإزعَاج المُصلين، كما لو انّهم في مقهى شعبي بسُوق البلدة. 

أمّا ترك بقايا الأكل وفطور « صلاة المغرب» مُشتتا في فضاء المسْجد، فحِدث ولا حَرج، فنوى التمْر والمَاء المُنسكِب وأثر لِصَاق المُعجنات والمُحليات وغيره ممّا يمجّه واجبُ الوقار بين العبْد والله ولزوم النظافة التي هي من الإيمان، مُنتشر في كل الزّوايا، ثم إن روائح جوارب البعض تزيد ذلك كله تعقيدا وإيلاما، يُضافُ إليه في التراويح خاصّة أنفاس المدخنين الحرّى التي يُودع فيها بعضهم السّيجارة ثم مُباشرة يندسّ بين الناس كمُصلي جديد ينشُد التوبة بعد العثرة. 

تلك بعض من كثير، مما نتعايش معه من نواقصَ سُلوكية، وعند النّساء أدْهى وأمرّ، ممّا يصِلنا من أمُور الصّبيان المُرافقين لهُن والتبختر في المظاهر واللباس حتى تكلّس في أذهان العديد منهُن أنْ لا فرْق بيْن مَوعِد غرامِي يَحفه الإغراء، وعبادة ربانية تحفها المَلاكة والقصْد السّليم. وكلٌ مُيسّر لمَا خلق له، وعند الله نختصِمُ جميعا، غير أن واجبُ النصْح قائم والعلم بنقصَان البشَر مَعلُوم معْرُوف، وقد يقول فهّامة مُتفقه أن تلك أمُور عادية قد يغفرها الله تعالى، فما يضيرُك أنت الذي عبْده؟  فننشَرِح لثقته ونعْقد معَه الأمل في أن تسَع مَغفرته تعالى كلّ البَشر صَالحهم وطالِحِهم، ثمّ نسْأله بدورنا، عن سبَب خلقِه عز وجل لصَقر وزبانيتها إذا كان سَيشْفع لجمِيع خلقه؟  

 في خاتمة هذا الكلام العابر، نؤكد أهمية التنبيه إلى هذه النّواقص المُسِفة، النّاسِفة لأعمَال العباد، وأن المَسَاجد لله وعباداته، لا لمُمارسَات الشّعوذة السّلوكية، والبحث عن ملء الفراغ بالتطاول على عادات الدين وثوابته، وأكثر من ذلك الاسْتخفاف بها على النّحو الذي يظهر تزاوجًا خطيرا بين المُحرّمات وغيرها ممّا أباحه ورخّصه لِعباده الصّالحين الدائمين على وصْل حبله، غير الموْسِميّين الضّالين المُضلين. 

………. 

ذ: محمد بوطاهر، الخميس 14 أبريل 2022 (12 رمضان1443)   

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.