لا أعتقدُ بأن أحدا قد يَنفي ما تُحققه دينامية الدبلوماسية المغربية ، ثِمار برزت بشكل جلي خلال السنوات الماضية كرّسَت مغربية الصحراء ، فبعد قرار مجلس الأمن الأخير رقم 26.02 الذي تضمّن في العديد من فقراته انتصارات دبلوماسية مهمة جدا وإيجابية للمغرب، لِنصل مؤخرا إلى الموقف المُشرّف لأشقاءنا الخليجيين من خلال البيان الختامي للمجلس الأعلى للتعاون لدول الخليج الذي تطرق كعادته لقضية الصحراء المغربية.
البيان الختامي السّالف الذكر تضمن في طيّاته أربع دلالات جوهرية؛ الدلالة الأولى تمثّلت في تجديد مجلس التعاون الخليجي لموقفه الثابت الداعم لمغربية الصحراء ، فَمواقف الأشقاء الخليجيين ليست وليدة اليوم و ليست غريبة، بل هي مواقف مُتجذّرة، فإذا عُدنا للبيان الختامي لقمة “العلا” التي شكّلت إعلانا لإعادة رصّ الصف الخليجي من جديد، خلاله تم التأكيد على حِكمة الملك محمد السادس من خلال حياده الإيجابي إزاء الأزمة الخليجية الأخيرة، كما أكدت على دور المغرب في حلحلة هذه الأزمة، إضافة إلى تأييد الأشقاء الخليجيين للإجراءات التي اتخذتها المملكة المغربية لتحرير معبر الكركرات وتسهيل حرية التنقل المدني والتجاري بها.
الدلالة الثانية التي تَضمّنها بيان القمة الثانية والأربعين لمجلس التعاون الخليجي تتجلى في تأكيد الأشقاء الخليجيين على أن أمن واستقرار الدول الخليجية هو من أمن واستقرار المملكة المغربية ووحدة أراضيها، وهذه دلالة ذات حمولة جيو_أمنية كبيرة تُوضح قوة ومتانَة العلاقات الأخوية التي تجمع الخليج بالمغرب.
الدلالة الثالثة لقمة الأشقاء التي ترأستها المملكة العربية السعودية تمثّلت في تجديد تأكيد تأييد الدول الخليجية لقرار مجلس الأمن الأخير رقم 26.02 الصادر بتاريخ 29 أكتوبر 2021 بشأن الصحراء ، لِيُشكل ذلك استمرارا لدعم وتأييد المجلس الخليجي لمُقترح المغرب لحلحلة هذا النزاع المُفتعل.
الدلالة الرابعة التي أعتبرها ذات حمولة ودلالة كبيرتين تتجلى في تطرّق المجلس الخليجي لأهمية الشراكة الاستراتيجية الخاصة بين مجلس التعاون والمملكة المغربية، وفي هذا السياق بعث جلالة الملك محمد السادس برقية شكر وامتنان إلى زعماء دول الخليج على دعمِهم الصريح لمغربية الصحراء، وهذا الأمر يؤكد بالملموس العلاقات الأخوية التاريخية المَتينة التي تجمع المغرب بالأشقاء الخليجيين.
إذن لقد أثبتت الدبلوماسية المغربية رزانتها وحنكتها في تدبير النزاع المُفتعل حول الصحراء المغربية، كما أبانت عن حزم كبير لكل من يريد المساس بالوحدة الترابية للمغرب، وقد كان آخر الأمثلة على ذلك مراجعة دولة ألمانيا لموقفها من الصحراء بشكل جذري، بحيث اعتبرت الخارجية الألمانية أن خطة الحكم الذاتي تشكل “مساهمة مهمة” وذلك في أول رد فعل رسمي للحكومة الألمانية بعد انتخاب مستشار جديد ، كما أكدت ألمانيا على أن المغرب شريك رئيس بالمنطقة المغاربية والإفريقية عامة ، ليكون ذلك إعلانا رسميا صريحا من الماكينات الألمانية من أجل تجاوز تداعيات الأزمة الدبلوماسية القائمة منذ شهر مارس الماضي، إذ أشاد الألمان بمجهودات المغرب في هذا الإطار.
من الدلالات كذلك التي تُؤكد ريادة المغرب الإستراتيجية قاريا تَنويه وزارة خارجية الولايات المتحدة الأمريكية عبر تقريرها السنوي حول الإرهاب الذي صدر مؤخرا بالاستراتيجية الناجحة والناجعة للمملكة المغربية في التصدي للإرهاب ونبذ العنف، إضافة إلى إشادة دولة العم سام “بالتعاون القوي وطويل الأمد” الذي يجمعها بالمغرب، من المؤشرات كذلك العلاقات المتينة التي تجمع المملكة المغربية مع دول وسط وشرق أوروبا التي بدأت تتعزز من خلال مشاركة المغرب في اللقاء الأول لمجموعة فيسغراد التي تضم بولندا، هنغاريا، التشيك وسلوفاكيا في تعزيز للشراكات المغرب بدول وسط وشرق أوروبا. خِتاما وانطلاقا من كل هذه الدلالات والمؤشرات الدالة يتضح بما لا يدعوا للشك بأن المملكة المغربية بِحِنكتها الدبلوماسية وحِكمة ملكها حققت ثمارا متعددة جيو_سياسيا واستراتيجيا بوّأتها الريادة مغاربيا وقاريا.
المصدر : https://tinghir.info/?p=62898