نزهة ذهنية روحية في حدائق التاريخ ورحلة استكشاف تستعيد عبق ذاكرة حضارية ضاربة في العراقة، توثقها قطع وآثار حية نادرة في فضاءات معرض تحتضنه العاصمةالرباط تحت عنوان “المغرب الوسيط.. إمبراطورية بين أفريقيا وإسبانيا”.
ويحمل المعرض -الذي يتواصل بالمتحف الجديد للعاصمة إلى غاية أول يونيو/حزيران الجاري- توقيع إبداع إنساني خالد في فنون العمارة والصناعة التقليدية والمخطوطات، احتضن ازدهارها المجال الترابي للمغرب العربي في عصره الإمبراطوري الذي امتدت خلاله رقعة الدولة من جنوب الصحراء الكبرى إلى شبه الجزيرة الإيبيرية.
ويتجول الزائر في فضاءات مشبعة بالذاكرة، ليقيم بوعيه في زمن يعد العصر الذهبي للحضارة الإسلامية في جناحها الغربي، ذلك الممتد من القرن الميلادي الـ11 إلى الـ15، حيث يلمس الزائر قطعة فسيفساء تتحدى جماليتها مهارة الأجيال الجديدة من صناع الزليج (الفسيفساء المغربية) الذين يخلدون تقاليد حرفية تليدة، ويتأمل تصميم قطع خزفية مزينة بنقوش كاليغرافية غاية في الإتقان التشكيلي، بل يستطيع أن يلج بابا خشبيا كاملا من شجر الأرز يرفل في كامل زخرفته وأصالة صامدة منذ سبعة قرون.
ويسمح المعرض -الذي حط الرحال في مرحلة أولى بمتحف اللوفر الفرنسي قبل استضافته في الرباط- بإعادة قراءة مرحلة زمنية حافلة بالتطورات المادية والروحية والثقافية والسياسية، تعاقبت خلالها على الحكم دول المرابطين والموحدين والمرينيين، حيث أمكن لهذه الدول تحقيق وحدة سياسية في مجال شاسع ضم أجزاء ترابية من أفريقيا جنوب الصحراء وبلاد الأندلس وأقاليم من بلاد المغارب.
منجزات
ويشتمل المعرض على ما يزيد على 300 تحفة فنية، تعكس ما حققه المغرب العربي من منجزات خلال العصر الوسيط في مجال الهندسة المعمارية والخزف والمنسوجات وفن الخط وصناعة الكتاب والأعمال الإبداعية في مختلف العلوم العقلية والنقلية، وما كان لهذه المنجزات من انعكاسات وآثار على النهضة الأوروبية.
وضمن المجموعة المتحفية قطع تستوقف الزوار المغاربة والأجانب بشكل خاص، بالنظر إلى قيمتها الأيقونية، على غرار ثريا جامع القرويين، هذه السبيكة النحاسية الضخمة المخروطية الشكل التي تنير فناء أقدم جامع.
وفي قسم المخطوطات يوجد كتاب “محاذي الموطأ” للمهدي بن تومرت مؤسس الدولة الموحدية، والذي يتضمن ما جمعه من موطأ مالك بن أنس، ويعود إلى القرن الثالث عشر (نهاية القرن السادس الهجري).
كما يضم المعرض شواهد قبور من العصر المريني، وهي علب مصنوعة من النحاس المذهب والعظم والخشب من زمن الأندلس في القرن الـ14، وغير ذلك من أعمدة وقطع خزفية ولوحات من الزليج وأدوات ذات صلة بالحياة اليومية كالصحون والجرار وصناديق حفظ الأثواب والقناديل وغيرها، وأدوات تتعلق بتقنيات استخراج المياه، ومصاحف ومخطوطات مختلفة في موضوعات فقهية وعلمية وأدبية، بالإضافة إلى عدد كبير من القطع النقدية.
وتقول مندوبة المعرض بهيجة سيمو إن هذا الحدث الثقافي يسمح بفهم جيد لمقومات الدولة المغربية، وهو فرصة لاستكناه تجلياتها الدينية والثقافية والتمعن في الخصوصيات التاريخية للمغرب العربي الذي أصبح منذ العصر الوسيط ملتقى للحضارات تفاعلت فيه مؤثرات عديدة: أفريقية من جنوب الصحراء، وأوروبية من الدويلات الإيطالية والممالك الإسبانية، ومشرقية من مصر المملوكية.بانوراما
ويمثل المعرض بانوراما حضارية تاريخية تشكلها شواهد متنوعة من أثر الإنسان في الزمن والجغرافيا، تكاملت لصنعها ذخائر نفيسة تكتنزها منشآت متحفية مغربية وأخرى أوروبية تتوزع أساسا بين متاحف إسبانية وإيطالية وبرتغالية وفرنسية، كتأكيد على عمق وكثافة المبادلات العابرة لمضيق البوغاز بين ضفتي الحوض المتوسطي.
المصدر : الجزيرة
المصدر : https://tinghir.info/?p=6261