تنغير انفو تنفرد بحوار حصري مع عباس زهير
حاوره خالد حالمي
سؤال: حدثنا عن عباس زهير الانسان، النشأة و المسار.
عباس زهير: عباس زهير من مواليد سفوح الجنوب الشرقي، وتحديدا مدينة تنغير، ابن دوار ايت أريتان تودغى العليا، نشأ وكبر وترعرع داخل أسرة محترمة، تلقى تعليمه الابتدائي بمدرسة ايت اوجانا، وتعليمه الاعدادي و الثانوي بالثانوية التأهيلية ابراهيم بن ادهم بتنغير، كسائر التلاميذ المواظبين حصل على شهادة الباكالوريا تخصص الآداب والعلوم الانسانية، بعدها أكمل تعليمه الاكاديمي بمدينة النخيل مراكش الحمراء، اختار تخصصا معقدا ومركبا هو تخصص الفلسفة/ علم النفس، فيه ثابر وكد واجتهد، حتى ألف مجالسة خير أنيس طواعية، وغصبا لأنه مجبر لكي يتقدم للامتحان. داخل هذه الشعبة حصل على شهادة الاجازة، توجت مساره باشتغاله أستاذا لمادة الفلسفة بالثانوي التأهيلي.
سؤال: حدثنا عن قصة بداياتك مع الكتابة والتوثيق وتطور هذه القصة لميلاد مؤلف؟
عباس زهير: كتاب أوراق من ذاكرة الجنوب الشرقي، أخذ من صاحبه مدة طويلة جدا، فقد راودته الفكرة منذ سنة 2012 ، فكتب بعض الأسطر والخواطر، لكنه سرعان ما ترك ذلك لأنه لم يكن مقنعا، لكن سنوات الجامعة أظهرت توهجا في الكتابة، فعاد مجددا إلى خربشاته، تارة يضيف شيئا وتارة يمسح فكرة ويوضح أخرى، بعد الإجازة وجد المؤلف حيزا من الزمن فانكب على الكتابة، وتمكن من تعديل نسبة كبيرة من مواضيعه وافكاره المشتتة، نشر الكثير منها على شكل مقالات على حسابه الخاص بالفايسبوك، وكذلك على المواقع الإلكترونية المحلية بتنغير، خصوصا موقع ناسهيس.
ترك الكتابة لردح من الزمن جراء ظروف خاصة، وكذلك مع مشاغل الحياة، لكن الفكرة كانت دائما لصيقة في خلده، وفي سنة 2017 الى لحظتنا انكب صاحب أوراق من ذاكرة الجنوب الشرقي على الكتابة، وآل على نفسه أن ينهي إبداعه ويخرجه من الوجود بالقوة الى الوجود بالفعل، فاختار قضايا من الواقع المعيش، وداخل التراث، عالجها بحس فلسفي دقيق، وتمكن من مساءلة ما يعيشه يوميا، رابطا إياه بما تركه السابقون لنا، ومحاولا التنبؤ بما سيكون عليه مستقبلا، لاسيما داخل عصر المكننة والتقدم التقني، من هنا انفتح على التراث والهوية، فكان هدفه استنطاق التراث وإرث الأقدمين، وحفظ هذا الإرث لكي يظل حبلا يربط السابقين باللاحقين، ومن خلاله كذلك فهم الكاتب مصدر مجموعة من العادات والتقاليد التي أسسه أجدادنا الأولون، منها ما هو مادي، وما هو غير مادي، ففهم هذه الحيثيات هو السبيل الوحيد الذي سيمكننا من فهم أصولنا وثقافتنا وانتماءنا.
والجميل في الكتاب أنه تطرق إلى مسألة الانتماء بعيدا عن التحزب والقومجية، ولو أن الكتاب ركز على واحة تنغير بشكل كبير، لكن هو يجمع ثقافة الجنوب الشرقي في مسألة الذاكرة الجماعية الأمازيغية، وإعادة الاعتبار لتراث أسلافنا، لكي يتمكن الجيل اللاحق من فهم سيرورته الزمنية.
الكتاب يقدم تيم ومواضيع مختلفة، وظبها الكاتب على شكل مقالات مختلفة، منها ما يتعلق بالتراث المادي، ومنها ما يخص التراث الشفهي، كما كتب عن شخصيات وازنة كان لها حضور كبير في تشكيل الذاكرة الجماعية لمنطقة تنغير، كما استنطق الكاتب الأمكنة والجمادات التي لها حضور داخل التاريخ الأمازيغي، فإيمي نتياديرت نجدها داخل كل مدينة من مدن الجنوب الشرقي، داخل أرفود والريصاني والراشيدية وكلميمة وتنغير وغيرها، فرغم اختلاف الوقائع والأحداث، يظل المكان قاسما مشتركا بين سفوح الجنوب الشرقي، أما عن الأمثلة والحكم، فهي تشير إلى المخيلة الاجتماعية للجنوب الشرقي، إذ أن الثقافة تتشكل من أمثال وحكم متداولة، تنقل الوجود البشري داخل ثقافة أهل الواحات، وتنقل علاقة عالم الخيال بعالم الواقع، وكيف استطاعت العقول الآدمية ان تبدع وتفكر وتغني وجودها داخل الأمم، وذلك ما تجسده مقالة ديناغ إكن إرزا عمر أولو، ومقالة عتي ترير.
ولم ينس الكاتب الشخوص المهمشة والمنسية داخل الجنوب الشرقي، الشخوص التي تدخل الفرح والسرور على قلوب الساكنة، من مثل موحى داني وموحى المختار، وموحى أمخيوط الذي يتواجد داخل كل عائلة وأسرة، هذا وتجاوز الكاتب الشخوص الآدمية ووصفها وإعادة الاعتبار لها، إلى الشخوص غير الآدمية والكائنات الحيوانية، وهو ما نلامسه في موضوع ميلو، الكلب الوفي لدوار أيت أريتان.
كلها مواضيع توحي بأن نظرة الكاتب كانت منصفة، وتَغَيَّتْ الإحاطة الشاملة بكل حيثيات وتفاصيل الذاكرة الجماعية، ويظل هذا الموضوع شائكا كما أكد الكاتب، واعترف أن محاولته ليست سوى بداية وأول غيث يشهده موضوع التراث بما هو بحر لجي يتطلب البحث فيه مجهودات مضاعفة، ويرجو أن يكون ما ألفه إضافة تغني خزينة الجنوب الشرقي خاصة، وذاكرة الوطن المغربي عامة، ولا ينفي أن هناك محاولات قيمة في هذا المجال، منها اجتهادات وابداعات الاستاذ زايد جرو، أستاذ اللغة العربية سابقا بثانوية ابن الادهم، ويؤكد الكاتب، أن هذا هو الحل لاقتحام التعدد الثقافي واللغوي بوطننا الحبيب، لأننا جسد وهوية واحدة هي الهوية المغربية.
فكرة الكتابة وحب الكتابة بدأت تحديدا في سنوات الجامعة، حيث اكتشاف الذات وبناءها، والانفتاح على الاخر ضرورة لا محيد عنها، فضلا عن تأثير الكتاب ونظريات الفلاسفة التي تستهدف العقل البشري وتحدث فيه رجات كبيرة، تدفع بالمرء نحو البحث العلمي ومزيد من المطالعة، ولأن القراءة تولد الكتابة تلقائيا، فقد انفجرت هذه الملكة والالهام الرباني، داخل أتون الجامعة، فكانت البداية بمقالات مختلفة ذات طابع فلسفي نظرا لقوة وتأثير هذا التخصص، ثم الشغف بالكتب الأدبية والشعرية منذ سنوات التعليم التأهيلي، فلا ينكر المؤلف أن له إبداعات شعرية وأدبية منذ كان تلميذا، أرهصت بعشقه للكتابة، وعليه لا غرابة أن يتوج هذا الإلهام الرباني والمحاولات الأولية بكتاب جميل كان باكورة أعمال الكاتب والذي اختار له عنوان اوراق من ذاكرة الجنوب الشرقي.
سؤال: لنخوض في مؤلف أوراق من ذاكرة الجنوب الشرقي لنفتتح الحديث عن معاني اختيار العنوان و أهم ثيمات الكتاب؟
عباس زهير: يعالج الكتاب مواضيع من ذاكرة تنغير التراثية
سؤال : حدثنا استاذ زهير عن الكتابة للتراث و عن التراث بتنغير عراقيل و محفزات؟
عباس زهير: العراقيل كثيرة جدا في هذا المجال، منها ندرة المراجع والمصادر التي قد يلجأ إليه الباحث لتعميق البحث والنظر في مسألة التراث، ثانيا رواد هذا الشق من الكتابة قلة قليلة، لذلك ينبغي أن تأتي المبادرة من مثقفي المناطق المنسية والمهمشة، من كوادرها، وطلابها، والغيورين على انتماءهم لمنطقتهم، ثالثا التفاتة الوزارة الوصية على القطاع / وزارة الثقافة لا توفر دعما وسندا في مناطق الهوامش، من مكتبات وما شاكلها لتحفز أكثر على الكتابة في هذا الشأن.
سؤال : رسالتك استاذ زهير للقراء؟
عباس زهير : رسالتي للقراء، تشجيع هكذا مبادرات ودعمها وتحفيزها، خصوصا ونحن نعيش زمنا قلت فيه الكتابة، وضعفت فيه القراءة والاطلاع، ولا ينبغي أن يقتصر الأمر على المنتوجات المحلية والوطنية، وإنما لابد من إعادة ذهنية القارء المغربي في سنوات السبعينات والستينات، سنوات الكتاب والاطلاع الواسع، فأمة اقرأ ينبغي دوما أن تقرأ، ومن الله نسأل التوفيق للجميع.
المصدر : https://tinghir.info/?p=59092