لحسن أمقران
في محاولاتها التي لا تنتهي لتمويه وتغليط المغاربة، أضحى مكسب الاستقلال مزايدة سياسية تتراشق بها الشخصيات السياسية الحزبية التي تستميت في الدفاع عن اختياراتها المفلسة ومواقفها المهترئة وبرامجها التي لا تبرح الأوراق. ففي كل مناسبة تجمع هذه الكائنات حول مائدة واحدة، يقصف المغاربة بوابل من الأكاذيب لأبطال بلا مجد، يدّعون فيها كون إطاراتهم التي أفل نجمها بعد أن وقف المغاربة على حقيقة تاريخها ومساعيها، زيف شعاراتها وبطلان ادعاءاتها حول مكسب الاستقلال.
سياق هذا الكلام، التهافت الوضيع واللأخلاقي لبعض زعماء ونشطاء الأحزاب – أو الدكاكين السياسية المغربية – لتبني مكسب استقلال المغرب على نسبيته والاستفراد به، وادعاءاتهم كون هذا المكسب تمّ بفضل هذا الحزب أو ذاك. إنه موقف تشوبه الوقاحة ويطبعه التغليط، مما يستلزم منا نحن المغاربة التنبيه إلى خطورته وضرورة تصحيحه بغير قليل من الحزم، إنصافا لدماء الشهداء وتضحيات المقاومين الذين حرّكتهم الغيرة على الوطن، فجاهدوا بأموالهم وأنفسهم، ليس طمعا في مناصب مغرب ما بعد الاستقلال التي تمّ توريثها لفئات معينة من طرف المستعمر، ولا كراسي الوظيفة العمومية، ولا بطائق المقاومة التي شابها الكثير من التزوير والتدليس فأصبحت صكوكا توزّع بغير قليل من المزاجية، مغاربة هجروا بيوتهم وأهليهم وفاء لهذه الأرض وحفظا لكرامة أبنائها سلاحهم في ذلك ايمانهم القوي بالوطن والكرامة وعدم الاستكانة.
إنه من العيب والعار أن يتجرأ الفرد، خصوصا إذا كان شابا يفترض أن يتصالح مع الواقع ويكف عن ترديد الاسطوانة، وينسب مكسب الاستقلال لحزب معين، أو لثلة من المغاربة ساعدهم “الحظ” فولجوا مدارس المستعمر الفرنسي حيث تتلمذوا وتعلموا كيف يضعون “توقيعا” على عريضة تطالب الغاصب الغاشم بالقيام ب”إصلاحات”، ويتجاهل دماء غزيرة أسيلت في جميع ربوع المغرب من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه، على سهوله كما على قممه، في معارك تكبّد فيها الفرنسيون خسائر فادحة في العتاد والأرواح، أمجاد حقيقية كان يجب أن يعرضها هؤلاء في كتب التاريخ الذي يلقن للناشئة بالخط العريض، بدل الانتصار لألوان معروفة ولغايات معينة.
إن المستعمر الغاشم يدرك جيدا من وقف أمام بطشه وعنجهيته، ويعرف جيدا من قاوم من أجل الوطن بعيدا عن الأضواء والنجومية ومن “قاوم” مقاومة الخمس نجوم. إن بطولات المقاومة ومساعي التحرر الحقيقية من الغاصب الأوروبي تستوجب إعادة قراءتها بعين ناقدة ومنطق متجرد ينصف كل من صنعوا تاريخ المغرب المعاصر، ولسنا نقول ما قيل من باب الاستخفاف بأحد، خصوصا في وقت كان فيه المستعمر لا يتقن غير لغة الحديد والنار، بل ننبه إلى مغاربة قدّموا أرواحهم فداء لهذا الوطن في المغرب العميق خارج المدن وأحوازها، مغاربة لم ينصفهم التاريخ في كتاباته، ولا يذكرهم زعماء ونشطاء الأحزاب المغربية سهوا أو عمدا، مغاربة قاوموا دون أن ينتظروا جزاء ولاشكورا.
نتمنى في الأخير أن تكون الفكرة قد وصلت إلى من يحاول تنصيب نفسه مخلّص المغاربة من المستعمر الغاصب، ويباهي بأحداث تمّ تضخيمها بشكل مبالغ فيه، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تقارن أو تصمد أمام تضحيات وبطولات تمّت عن عفوية وتلقائية عنوانها التشبث بالأرض والإيمان بالوطن. من جهة أخرى على الدولة المغربية أن تتحلى بالشجاعة وتكشف المقاومين الحقيقيين ممن اكتووا بنار المستعمر وبعض القوى ممن لم يستحيوا من كسر شوكة إخوانهم المغاربة قبل أن يضعوا قلادة المقاومة حول أعناقهم الملطخة بدماء الأبرياء، ولهؤلاء نقول: هدّئوا من روعكم فالتاريخ يسجل.
بقلم: لحسن أمقران
المصدر : https://tinghir.info/?p=5733