احتكار الدولة لشرعية العنف، استنادا إلى أطروحة ماكس فيبر، لا يعني أبدا القبول أو تبرير تعنيف المجتمع في ظل عجز الدولة عن توفير شروط سياسية لتحقيق كرامة مواطنيها وقيام العدالة الضامنة للاستقرار والأمن الداخلي، فمطالب الأساتذة المتعاقدين وطبيعة الاحتجاجات السلمية/الحضارية التي يقومون بها، تكتسب من الشرعية القانونية والاجتماعية والاقتصادية والحقوقية ما يبرر إقدامهم على ذلك.
ولعل المتابع للأساليب التي تم بها تعنيف الأساتذة المحتجين لا يخطيء ملاحظة كم الشطط والتجاوزات والانتهاكات الصارخة للقانون و لمنظومة حقوق الإنسان، من طرف رجال السلطة وأعوانهم، لا لشيء إلا لأنهم يطالبون بالإدماج الرسمي في الوظيفة العمومية. وهذا الاستعمال المفرط للقوة والتعنيف الفيزيائي لا يمكن أن يكون مشروعا أو مبررا. أو يؤسس لعقد اجتماعي يتخلى فيه المجتمع عن بعض صلاحياته لصالح الدولة.. بقدر ما يؤسس لما يمكن أن أسميه هشاشة حس الانتماء إلى الوطن، ومزيد من فقدان الثقة في مؤسسات الدولة.
إذ إن عنف الدولة، كما يرى المفكر المغربي محمد سبيلا، ليس مشروعا من وجهة نظر الفكر السياسي الحديث بمجرد امتلاك الدولة القوة، لأن امتلاكها القوة لا يولد مكنزميا الحق المشروع في الاستعمال المفرط للقوة تجاه المجتمع لما يولده ذلك من شطط وانفلات وتجاوزات وانتهاك للمعايير الضابطة لوظائف وحدود السلطة نفسها..
إن مثل هذه الممارسات تؤكد انعدام إرادة سياسية حقيقية تقوم عليها مقولة البناء الديمقراطي للبلاد، لأن هذا الاستعمال المفرط للقوة في قمع المواطنين، يدل على شعارية المقولة وهشاشتها، بل هي مؤشر واقعي على إرادة إجهاز وهدم هذا البناء الذي لم يبنى بعد، ذلك لأن العنف، كما يرى “غاندي” لا يصلح أبدا للبناء، لأنه سلوك سلبي وهدام .. ولأن اللاعنف، بتعبير غاندي نفسه، هو القانون الذي يحكم النوع الإنساني مثلما أن العنف هو القانون الذي يحكم النوع الحيواني..
المصدر : https://tinghir.info/?p=54431