ازواوي عبد الله*
استمر ايت عطا في خوض مسلسل معارك بوكافر ضد الفرنسيين الراغبين في اخضاع قبائل صاغرو منذ 12 و13 فبراير1933م ، فقد أدت شراسة المقاومين و صمودهم الى إلحاق خسائر فادحة للفرنسيين أكثر من مرة، الشيء الذي أرغم المستعمر الى أن يوجه دعوة لعسو أوبسلام من أجل التفاوض يوم 24 فبراير من نفس السنة، لكنه رفض تلبية الدعوة ايمانا منه على قدرة المجاهدين على تحقيق الانتصار، وبالفعل كان يوم 28 فبراير 1933 يوما مشهودا بامتياز في تاريخ نضال ايت عطا، اذ صوب أحد المجاهدين – يعتقد أنه “عدي أوسخوف”- طلقة نارية في اتجاه القبطان دو ليسبياس بورنازيل الملقب بالرجل الاحمر أو الفارس الاحمر، لأنه لا يفارق بدلته الحمراء، والذي اعتقد أن الصعود إلى جبل بوكافر أمر سهل وما هو إلا نزهة عسكرية..، طلقة أصابته في بطنه لكن لم يموت وقتها، تحدى الموت بشجاعة رجل خاض تجارب حربية في معارك كثيرة، نقل على وجه السرعة الى الخيمة الطبية حيث ينتظره الطبيب ماجور فيال (له كتاب المغرب البطل) الذي أسندت إليه مهمة علاج الجنود الفرنسيين ومن يحارب تحت إمراتهم، لم ينفع معه العلاج، فقال مخاطبا الطبيب وهو يحتضر “دعني أحلق بنظراتي الأخيرة لهذا الجبل – إشارة الى جبل بوكافر- الذي أريقت فيه دماء أبناء فرنسا الحرة” غير أن الموت لم يمنحه فرصة تأمل بنظراته عاليا صوب قمم وشعاب جبل بوكافر الذي سيبقى الشاهد الواحد على شجاعة وبسالة المجاهدين الذين ضحوا بالغالي و النفيس من أجل الحرية والكرامة ضد المستعمر الفرنسي مادام أن التاريخ لم ينصفهم.
بعد أن كبد المجاهدين – المنشقين بتعبير المستعمر الفرنسي – خسائر فادحة في صفوف الفرنسيين بقتل القبطان بورنازيل وعدد من الضباط الاخرين شعرت فرنسا أن كرامتها مرغت في وحل بوكافر، الامر الذي جعل الجنرال هوري –قائد القوات الفرنسية- يبادر الى أخذ القيادة بنفسه آمالا في تحقيق النصر، لتبدأ مرحلة جديدة من الصراع حشدت لها فرنسا قوات إضافية من مختلف المناطق التي أخضعت قبل الثلاثينات بلغ تعدادها حوالي 83000 ألف جندي، الى جانب عدد من الطائرات، واستعملت أساليب أكثر وحشية تمثلت في الحصار الاقتصادي والعسكري المطبقين على جبل بوكافر لتضييق الخناق على المقاومين، وهو ما عبر عنه الجنرال هوري بنفسه قائلا ” من غير المفيد الاستمرار في إراقة الدماء هنا حيث فشل جنودنا المؤطرين (…) يجب البحث عن شيء آخر، هذا الشيء الآخر هو الحصار”. أسلوب جديد إذن،- كان ينتظر منه أن يكون كاسحا- تروم القوات الفرنسية من خلاله قطع كل الطرق التي تؤدي إلى الاتصال بالعالم الخارجي، وقصف منابع المياه بأقا نوليلي وأقا ن خويا اوبراهيم التي يأتي اليها المجاهدين لجلب الماء خاصة النساء منهم ، والفتك بالماشية المصدر الأساسي لعيش السكان، وقصف المخابئ التي يتواجد فيها المجاهدون بلا انقطاع ليل نهار. أمام هذا الوضع بدأت عملية الحصار تعطي نتائجها بعد 45 يوم من القصف العنيف والمستمرعلى جبل بوكافر….
* طالب باحث في التاريخ
المصدر : https://tinghir.info/?p=54078