يمكن تعريف الحب، بحسب فتحي المسكيني، كما جاء في تعليق له على كلام لـ”هايدغر” أورده ضمن رسائله لمعشوقته “حنّا آرندت”، بأنّه تقنية انتظار تضيف اللقاء إلى الموجودات. لا يكفي أن توجد الموجودات حتى تكون معاً. وحده الحب يسمح للبشر بأن يجعلوا الموجودات موجودة «معاً»: الحب يضيف «العالم» إلى الموجودات.
هناك أسطورة سردها المسرحي الساخر “أرستوفانس” حين تساءل سقراط عن ماهية الحب في “السمبوزيوم” -وهو التجمع الذي كان يتحاور فيه الفلاسفة والمثقفون الإغريق- تقول: كان الإنسان على هيئة روحين بجسدين ملتصقين، يتحاوران ويتنادمان ويمارسان الجنس مع بعضهما، أثار ذلك غيرة كبير الآلهة “ِزيُوسْ”، فقسم الإنسان إلى شطرين، ومنذ ذلك الحين والإنسان يبحث عن شطره الآخر في تجارب حب لا تنتهي.
رغم غرابة هذه الأسطورة وطرافتها إلا أن لها معنى ما ودلالة ما زالت حاضرة، فمعظمنا يعتقد أن الإنسان يبحث عمن يشاطره ميولاته النفسية والفكرية والغريزية فيتخذه حبيبا، لكننا نختلف في أمرين، وهو اختلاف ناتج عنه تصورين فلسفيين للحب، الأول يعتبر الحب والجمال قيمتان مثاليتان مطلقتان يتوق الإنسان إلى اعتناقهما، والثاني يعتبرهما الدافع وراء البحث عن الشطر الآخر لإقامة العلاقة الجنسية والتكاثر لبقاء استمرار النوع الإنساني، والهاجس وراء ذلك هو إرادة الحياة..
يرى سقراط أن الحب هو توقٌ للجمال وليس للجميل، فحبك مثلا لفتاة حسناء جميلة، هو في الحقيقة حب للحسن والجمال الذي تجسد في شخصيتها، وليس بها هي، فللإنسان توقٌ فطري لعناق الجمال والخير المطلق، ولما كان من المتعذر على المرء بلوغ الجمال المطلق الكامل، فإنه يمضي في رحلة بحث لا نهائية عن قيم الجمال في الطبيعة والأشياء والبشر.
شوبنهاور على عكس ذلك لا يرى في الحب من دافعٍ سوى غريزة الجنس والتناسل وهي إحدى آليات إرادة الحياة، فإرادة الحياة هي التي تحرك جميع الكائنات في صراع من أجل البقاء، فهي تدفعك لتوفير مستلزمات الحياة وتحقيق الرغبات والتمتع بالملذات.
والحب حسب شوبنهاور شعور غريزي تحركه الرغبة الجنسية كإحدى آليات إرادة الحياة، فهي تقود الفرد إلى إنتقاء الأجمل والأفضل بقصد إشباع غرائزه، مما يحفظ ديمومة النوع الإنساني.
فلسفة الحب عند شوبنهاور تلغي توق الإنسان إلى الجمال المطلق، إلى المثال، وتربطه بالعزيزة والتناسل والصراع من أجل البقاء، فهو حب جنسي مادي يقف في وجه الحب العذري المثالي..
اعجبني جدا نص جميل للمفكر التونسي فتحي المسكيني، لعله يخرجنا من ضيف أفق الرؤية الشوبنهاورية، ويقذفنا إلى ما يمكن وصفه باتحاد وحلول مع من نحب، عن طريق سلوك مقامات الشكر، يقول المسكيني: “الحب في ماهيته نوع خاص من الشكر لمن نحبّ. وذلك أنّ المحبوب هو بالتخصيص ذاك الذي مكّننا من أن نتحوّل إلى كائن آخر لا ينطوي على أيّة غربة إزاءنا. كائن آخر لا نمتلكه لكنّه ينتمي إلينا بلا رجعة. لا نحبّ حقّا إلاّ عندما نتحوّل إلى ما نحبّه، لكننا مع ذلك لا نشعر بأيّة غربة عنّا. وحده الشكر يمكنه أن يحوّلنا إلى من نحبّ دون أن يغادرنا، دون أن نغادر أنفسنا. بل ربما كان الحب هو نمط الحراسة الفريدة من نوعها لما نريد أن نكون”.
المصدر : https://tinghir.info/?p=53854