هل كان المغاربة بالأمس يصوتون على الأحزاب حتى يصوتوا عليها اليوم؟

admin
2021-01-22T20:50:30+01:00
آخر الأخباراقلام حرة
admin22 يناير 2021
هل كان المغاربة بالأمس يصوتون على الأحزاب حتى يصوتوا عليها اليوم؟
مصطفى ملو

ما أن سحق حميد نوغو مرشح حزب الاتحاد الاشتراكي تجار الدين في أحد معاقلهم التاريخية(الرشيدية)، حتى انبرى محللوهم وخبراؤهم في السياسة يحللون ويفسرون فوزه بأنه تم بطريقة غير مشروعة تتلخص في الاعتماد على  قبيلة أيت خباش(كذا) وكأن الارتكاز على القبيلة جريمة يعاقب عليها القانون، وما مرد ذلك إلى نبذهم للعصبية القبلية ولا لرفضهم للنعرات التي تعتبر الدينية منها أساس وجودهم، إنما للتخفيف من هول الصدمة والبحث عن مخرج ولو كان واهيا وغير مقنع لأحد من السقطة المدوية.

كل الذي تقدم يدفعنا إلى التساؤل؛ لنفترض جدلا أن نوغو فاز بسند قبلي،  وإن كانت كل المؤشرات تدل على عكس ذلك، حيث أتت أغلب الأصوات من مناطق لا وجود فيها لقبيلته أصلا(لنفترض أنه اعتمد على أساس قبلي)، فهل كان المغاربة قبل اليوم يصوتون للأحزاب وبرامجها السياسية أم أن هناك معايير ودوافع أخرى تدفعهم إلى التصويت وتفضيل هذا المرشح على ذاك؟

1-قبل ذلك..هل عندنا أحزاب بمعناها الحقيقي؟

يميز علماء السياسة بين أنواع عدة من الأنظمة الحزبية في العالم؛ منها نظام الحزب الواحد الذي غالبا ما يسود في الدول الديكتاتورية كما كان الحال في ألمانيا في عهد هتلر وبين نظام الحزبين كما هو الأمر اليوم في الولايات المتحدة الأمريكية والتعددية الحزبية كما هو جار في عدد من الدول.

من بين تلك الأنظمة الحزبية التي كتب عنها خبراء السياسة كذلك، نجد “نظام عدم وجود أحزاب” حقيقية، بل مجرد مجموعات بشرية مؤقتة وغير ثابتة، مائعة وغير متجانسة، لا تجمعها برامج واضحة ولا قناعات مشتركة، وهذا “النظام” يصعب تصنيفه، إذ لا تنطبق عليه صفة التعددية الحزبية وما هو بنظام الحزبين ولا بنظام الحزب الواحد ولا الحزب القائد ولا المسيطر وهو حال الكثير من دول آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية.

وبالعودة إلى بلدنا المغرب نجد انه يصعب تحديد نظامه الحزبي وإن كان دستوره يشير صراحة إلى أن النظام المعتمد هو نظام التعددية الحزبية، غير ان مجموعة من المؤشرات تبين عكس ذلك، فمنذ الاستقلال إلى السنوات العشر الأخيرة، ظل حزب واحد هو المسيطر على تسيير البلاد، كما ان ظاهرة الترحال السياسي تبرهن على ان ما يجمع”سياسيينا” ليس برامجا ولا قناعات ولا أفكارا، فمن كان بالأمس مع أقصى اليسار يمكن أن تجده غدا مع أقصى اليمين ومن كان يهاجم ويكيل التهم لهذا “الحزب” تجده غدا حليفا له، و”حزبا” علمانيا كان يقسم باستحالة التنسيق والتحالف مع “حزب” تجار الدين فإذا بهما اليوم سمن على عسل، بل والطريف ومن غير الغريب أن تجد “حزبا” يساريا أكثر “يمينية” من “حزب” يميني والعكس صحيح.

ما يزيد من صعوبة تحديد في أي نظام حزبي نحن؛ استحالة التمييز بين “برامج الأحزاب”، التي لا تخرج عن “انسخ و ألصق” أو Copier Coller.

يضاف إلى كل ما ذكر امر غريب عجيب في مشهدنا ونظامنا الحزبي، إذ تجد “حزبا” هو الثاني من حيث عدد المقاعد المحصل عليها يوجد خارج الحكومة في حين أن “حزبا” حاصلا على 12 مقعدا يشارك في تسيير أمور البلاد والعباد!

إنها اللخبطة في أوضح تجلياتها، شخبطة تجعل من حقنا أن نشك ونتساءل؛ هل ما عندنا من “أحزاب” يرقى فعلا لنسميه أحزابا أم أنها مجرد تكتلات بشرية لا يربطها سوى رابط المصلحة الخاصة والجري وراء المناصب؟ 

2-كل الأدلة تدل على ألا تصويت على “الأحزاب”

من يعتبر أن فوز نوغو جاء اعتمادا على القبيلة، فكمن يريد أن يقول لنا إنه فيما مضى من الانتخابات وفيما سيأتي، كان المغاربة يقصدون صناديق الاقتراع للتصويت على “الأحزاب” اقتناعا بإديولوجيتها وبرامجها السياسية، وهذا غير صحيح، ففي مجتمع ضاربة فيه الأمية أطنابها، لا يمكن الحديث عن كون الحافز والدافع إلى اختيار “حزب” دون غيره والتصويت عليه هو برنامجه الانتخابي أو أفكاره وإديولوجيته، إذ كيف للمواطنين أو على الأقل أغلبهم الذين لم يلجوا المدرسة أن يفهموا في البرامج السياسية وفي الإديولوجيات و”الأحزاب” ويميزوا ما يصلح لهم منها فيصوتوا عليه وما لا يصلح( هذا إن سلمنا جدلا أن لدينا أحزاب)؟

إذا كنا نحن الذين نلنا قسطا متواضعا من التعليم-لحسن الحظ-، نعجز عن التفريق بين الحزب الجماهيري والحزب الشامل وحزب الكادر أو النخبة وأحزاب الكارتل…من جهة والأحزاب اليسارية واليمينية من جهة أخرى، فأنى لغير المتعلمين أو لمن مستواهم التعليمي ضعيف وهم الأغلبية الساحقة أن يفرقوا ويفهموا في هذه”اللخبطة” ويذهبوا للصناديق لوضع الورقة لها؟

كل هذا يبين بجلاء أن دافع المغاربة أو على الأقل أغلبهم للتصويت ليس هو “الأحزاب” ولا برامجها، بل هناك دوافع أخرى, فما هي؟ 

3-المال والقبيلة والدين والعرق؛ الدوافع الحقيقية للتصويت.

لقد فطنت “أحزابنا” منذ بداياتها الأولى إلى أن إديولوجيتها وبرامجها لن تنفعها في حصد الأصوات، لذلك فهي لم تكن ولن تعطي التزكية إلا للأعيان المعروفين في قبائلهم ومناطقهم، ممن يتمتعون بالجاه والنفوذ والقدرة على التأثير في القبيلة وتوجيهها، أو على رجال المال والأعمال من المقاولين والتجار الكبار الذين يستطيعون كسب الأصوات إما بإغداق المال أو بالاعتماد على العدد الهائل من العمال الذين يشغلونهم في شركاتهم ومشاريعهم، حيث يصبح توفير العمل مقابلا للصوت الانتخابي، وعليه فإن أي “حزب” لن يغامر بإعطاء التزكية لمن ليس متأكدا من أنه سيضمن له الأصوات، مهما كان مستواه الثقافي والعلمي وكفاءته، ومهما كانت درجة تشربه لإديولوجية “الحزب”، حتى إننا لا نبالغ إن قلنا إنه لو قام ماركس من قبره ما زكاه اليساريون عندنا ولميزوا عوضا عنه أحد الأعيان أو صاحب شكارة ممن لم يعرف إلى المدرسة مدخلا ولا بابا الذين إذا سمعوا الاشتراكية ظنوها أكلة تؤكل أو عصيرا يشرب، وقس عليهم تجار الدين الذين لو قام الرسول(ص) من قبره ما منحوه تزكية ولفضلوا بدلا عنه أحد الأعيان أو كذابا حلو اللسان ولو كان زير نساء وعاشقا ولهانا في خريف العمر، لا علاقة لتصرفاته بما يدعيه من طهر وعفاف.

إن المغاربة إذن كانوا وما زالوا يصوتون للشخص وفي درجة ثانية للقبيلة، بل حتى “الأحزاب” نفسها كما وضحنا لا تزكي المؤمنين ببرامجها الشاربين لإديولوجيتها، لأن كل ذلك لا يهمها في شيء، بل يهمها الشخص ومدى تأثيره في محيطه القبلي وشعبيته لدى القبيلة. إن الانتخابات في المغرب كما في غيره من الكثير من الدول  هي انتخابات لاختيار الأشخاص لا البرامج والأفكار، وحتى يتضح الأمر أكثر، نفترض أننا قمنا بتجربة يترشح فيها شخصان في نفس “الحزب” أحدهما مستواه الثقافي هزيل ولكن له نفوذ وتأثير في القبيلة وآخر إطار كبير، له مستوى تعليمي عال وليست له شعبية تذكر، سبق أن اعتقل دفاعا عن أفكار”الحزب” وتصوراته، لفاز الأول، ولو سألت المصوتين عن سبب اختيارهم للأول، لكان الجواب أنه فلان بن فلان ومن القبيلة الفلانية، ولو أخبرتهم أن المتنافسان كانا أصلا ينتميان لنفس “الحزب” وأن تلك الانتخابات إنما كانت بغرض التجربة لاعتبروا الأمر مزحة، وما صدقا أن فلان ينبغي له أن يكون في نفس مرتبة فلان صاحب الأراضي الشاسعة وحفيد شيوخ القبيلة وأعيانها أبا عن جد…ولا أدل على أن المغاربة يصوتون للشخص دون أن يسألوا عم يكون حزبه، أن نفس الشخص يفوز بعد تغيير لونه السياسي، ولو طلبنا منه في كل ولاية الترشح باسم “حزب” مختلف عن الأول، بل مناقض له تماما لفاز دائما، ثم إن نفس الوجوه هي بقيت تسيطر على مشهدنا الحزبي وعلى برلماننا منذ عقود من الزمن، أفليس هذا أكبر دليل على أن الأشخاص هم الأهم في العملية الانتخابسة عندنا لا الأفكار ولا “الأحزاب”؟

إلى جانب القبيلة والمال، اعتبر الدين ورقة رابحة استعملت لكسب الأصوات، ولا ادل على ذلك من “حزب” تجار الدين المعروف بحزب العدالة والتنمية الذي اتخذ من المقدسات الدينية ومن خطاب الطهرانية ونصب نفسه المدافع الأول عن الدين والأكثر تشبثا به في حقل لا يحتمل اللعب على وتر المقدس، ألا وهو حقل السياسة، مطية للوصول إلى الحكم والمناصب.

من المرشحين، وهذا لا يقل خطورة من المتاجرة بالدين للوصول إلى المناصب وتولي الحكم، من اعتمد على اللون والعرق، راكبا على خطاب المظلومية وزاعما أن عرقا ولونا بعينه يقع عليه التهميش والاحتقار، وذلك لكسب تعاطف وأصوات “أبناء جلدته” بعدما يعدهم بأنه سيخرجهم من ظلمات العبودية إلى نور التحرر والانعتاق إن هو فاز.

الخلاصة أن محرك الانتخابات والحاسم في عدد الأصوات بالمغرب لم يكن يوما هو البرنامج “الحزبي” ولا إديولوجية “الحزب” ولا تصوراته ولا الحلول التي يقترحها، بل كان الفيصل وسيظل هو المال والجاه والقبيلة، والأخطر الدين والعرق، وأخطر منه ان يخرج واحد من أكبر تجار الدين ليتهم خصومه بالقبلية ويعطي الدروس في نبذ العصبية وهو الذي استغل الدين أبشع استغلال زاعما أنه مرجعيته والأساس الذي يمشي عليه لا ليخدم الصالح العام، إذ لوكان غرضه كذلك لشفع له، ولكن لا شيء في رصيده لصالح الوطن والمواطنين، إنما وظف كل ذلك ليجمع الثروة ويركب “الأودي” و”يكملها ويجملها” بارتكاب واحدة من أكبر الفضائح في تاريخ المغرب الحديث، وهي الفضيحة التي يجب أن تدرس للأجيال القادمة باسم “فضيحة الكوبل الحكومي”.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.