يأبى بعض شيوخ الظلام ونحن على مشارف القرن الثاني والعشرين إلا التمادي في معاكسة حقوق الشعوب التي لا تقبل الاستفتاء ولا التفاوض، كحق الاحتفال بأعيادهم التاريخية وإرث أجدادهم الضارب في عمق القدم، ومن هؤلاء نجد أحدهم ممن يلقب نفسه ب”الشريف” الحسن بن علي الكتاني، الذي لا يظهر له أثر إلا عند حلول رأس السنة الأمازيغية التي أصبح من المفيد تسميتها ب”رأس السنة الكتانية، لما تشكله له من فرصة للحديث إلى قطيعه العريض، بينما يبقى متواريا عن الأنظار طيلة السنة وكأن العباد والبلاد لا تعيش مشاكل الفقر والبطالة والغلاء والكوارث الطبيعية التي تهدم البيوت على رؤوس الناس، وغيرها من مشاكل الحياة وقضايا الدنيا والدين مما يستحق المناقشة واقتراح الحلول والإدلاء بالدلو.
-السنة الأمازيغية ليست عيدا دينيا، لا وثنيا ولا مجوسيا
إثارة لعاطفة القطيع وتجييشا لها ضد كل مختلف، دأب شيوخ الظلام دائما لمواجهة كل متميز عنهم على اللعب على الوتر الحساس لدى مريديهم وأتباعهم ألا وهو الدين، فعملوا جاهدين على تصوير هذا المختلف؛ المسيحي أو اليهودي وحتى المسلم الذي يرفض أفكارهم النتنة؛ (تصويره) في أحسن الأحوال بالكافر والمارق عن الدين وعدو الله, في إطار إديولوجيتهم التكفيرية، وكأنهم هم من يملك مفاتيح الجنة وهم من سيحاسب الناس أو كأن الله سبحانه نصبهم محامين للدفاع عنه، أما في أسوئها فينعتونه وينعتون أعياده وعاداته وتقاليده بالمجوسية والوثنية, وغيرها من النعوت التي يرون أن من شأنها تحفيز أتباعهم على ارتكاب أبشع الجرائم بحق هذا المختلف, إذ لكم أن تتصوروا كيف تهيج وتثور ثيران قطيع الظلام عندما تسمع كلمات من قبيل” الكافر”,”المغضوب عليه”,”عدو الله”,”الوثني”,المجوسي”…
لم تخرج تدوينات الكتاني على حسابه الفايسبوكي والتي فرخها في مدة قصيرة حول السنة الأمازيغية عن هذا الإطار، إطار الشيطنة والتكفير و”التمجيس” و”التوثين”، حيث لم يترك وصفا يعتبره مشجعا على زيادة إفراز هرمون “الأمازيغوفبيا” وتحميس القطيع للجهاد والقتال ضد السنة الامازيغية إلا أسداه عليها(العيد الوثني والمجوسي, عيد التفرقة…)
بالعودة إلى التاريخ سنجد أن الكتاني ليس أنه لا يفهم مناسبة الاحتفال بالسنة الأمازيغية وليس أنه لا يفهم أنها ليست عيدا ذي صبغة دينية ولا علاقة لها لا بالوثنية ولا بالمجوسية، ولا ترتبط بطقس ديني معين، ولا حتى بحرب دينية أو تبشير بدين ما, بل هي عيد يرتبط بانتصار ملك أمازيغي من أصول ليبية على ملوك مصر الفراعنة ووصول الأمازيغ لحكم واحدة من أعظم وأعرق الحضارات البشرية في شخص شيشنق الوارد ذكره في الإنجيل.
كل هذا يعرفه الكتاني ولكن الكذب والشيطنة واللعب على وتر الدين هو سبيله الوحيد وسبيل امثاله للسيطرة على عقول القطيع وتوجيه بوصلته إلى ما يحبونه ويرضونه، فكيف يؤثر الكتاني وكيف سيقنع أتباعه بمعارضة ورفض كل مختلف إن لم يلجأ إلى التدليس والتضليل والتكفير؟ هل لهم براهين وأدلة يقنعون بها؟
-حتى ولو كانت كذلك
سيرد الكتاني ومعه قطيعه بأن المقصود ب”السنة الأمازيغية عيد مجوسي وثني” ليس هو ارتباطها باحتفال أو عادات وطقوس دينية مجوسية ووثنية، بل لأن مناسبة الاحتفاء بها حدثت في تاريخ كان فيه الأمازيغ يعبدون الأوثان والنار.
وهنا نرد، وإن كان الأمر كذلك؛ أي حتى إن كان هذا العيد مرتبطا بالوثنية أو المجوسية أو بغيرها من الأديان القديمة أو “الحديثة”, فما المشكلة في الاحتفال به؟ ما الضير في تخليد عيد يرجع تاريخه إلى حقبة المجوسية والوثنية؟ فيم سيضر ذلك الكتاني ومن معه؟ بل فيم سيضر الإسلام الذي يزعم دفاعه عنه؟ هل الإسلام بهذه الهشاشة والضعف حتى تهدده السنة الأمازيغية؟ ثم لنفترض أن بيننا مجوس ووثنيون أو مسيحيون أو يهود أو لا يدينيون يريدون الاحتفال بأعيادهم, فما دخل الكتاني وغيره في احتفالاتهم وحقهم في ممارسة ثقافتهم؟من نصبه ليحدد للناس الأعياد التي لهم الحق في الاحتفال بها والتي لا يحق لهم فيها ذلك؟(هذا مجرد افتراض حتى لا يفهمنا قطيع الظلام خطأ، لأن كما قلنا سلفا لا علاقة للسنة الأمازيغية بالدين ولا بالعبادة ولا تقام فيها أي طقوس تعبر عن عبادة الأوثان ولا النار ولا غيرها).
ثم إن الكتاني ومن معه من تجار الدين يسقطون في تناقض شنيع, فهم من جهة يعتبرون آدم أول رسل الإسلام ومن جهة ثانية يصنفون الكثير من الأحداث التي عرفتها البشرية قبل الرسالة المحمدية وثنية ومجوسية وكفرا وإن لم تكن له علاقة بأي ديانة, بل هي احتفالات بانتصار في معركة ما من أجل الأرض والسلطة لا من أجل نشر الدين أو بفصل من الفصول أو بملحمة من الملاحم, وهنا السؤال: إذا كان أب البشرية رسولا للإسلام, ألا يعني هذا أن جميع الأعياد التي يحرمون الاحتفال بها بدعوى أنها حدثت في زمن الجاهلية هي في الحقيقة حدثت في زمن الإسلام مادام الإسلام هو أقدم ديانة حسب زعمهم؟
-هل يجوز الاحتفال بكل مناسبة وقعت في عهد الإسلام وباسمه ولا يجوز الاحتفال بما قبله؟
ينتقي الكتاني ومن معه ما يروقهم من أحاديث لتحريم ما يرونه مجوسية ووثنية ويتغاضون عن ذكر أحاديث أخرى في مواضيع وقضايا شتى فيها اختلاف كبير بين علماء دين متنورين وعلماء الظلام الذين لا يتقنون سوى التحريم, كمثال تحريم الاحتفاء بعيد المولد النبوي وتحريم الموسيقى, في حين أن من العلماء من يجيز الاستماع إليها وحتى عزفها باعتبار أن الرسول صلى الله عليه وسلم, كان يمر بنسوة يضربن على الدفوف ويغنين احتفالا بمناسبة ميلاده ولم ينهرهن ولم ينهيهن عن ذلك حتى, بل إن من العلماء من يجيز الاحتفال بعيد ميلاد عيسى عليه السلام باعتباره رسولا من رسل الله وباعتبار أن لا دخل له أو ذنب فيما يعتبر “تحريفا” للإنجيل.
كل الذي تقدم يدفعنا إلى التساؤل: هل كل حدث وقع في عهد الإسلام يجوز الاحتفال به؟ هل يجوز مثلا الاحتفال بمقتل الحسين كما يفعل الشيعة رغم ما في ذلك من إحياء للنعرات القاتلة والفتن النائمة فقط لأنه حدث في الإسلام؟ هل يجوز الاحتفال بذكرى مقتل علي رضي الله عنه كما يفعل الشيعة رغم ما فيه من تذكير بالآلام وبعث الجراح التي مرت عليها قرون من الزمن؟ وفي المقابل هل يجوز منع الشيعة من الاحتفال بما يعتبرونه ذكريات وأعيادا؟ هل يجوز طمس هذه الأحداث التاريخية الهامة في تاريخ الإسلام ومنع تدريسها أو تخليدها؟
وفي مقابل ذلك: هل يقبل عاقل منع ملايين المسلمين عبر العالم من الاحتفال بميلاد خير الورى الرسول صلى الله عليه وسلم رغم أنه حدث في الجاهلية باعتبار أن الوحي لم ينزل على الرسول إلا في سن الأربعين ولم يعرف أنه رسول إلا في ذلك العمر ؟ وهل يقبل الكتاني تعطيل سنة نبوية شريفة وهي الاحتفال بعيد الأَضحى الذي يعتبر ثاني أهم الأعياد عند المسلمين بعد عيد الفطر رغم أنه سبق الرسالة المحمدية بقرون ورغم ارتباطه بأحد الأنبياء وابنه؟
سيقول الكتاني وأتباعه إنكم تقارنون ما لا يقارن, عندما تضعون عيد الأضحى في نفس منزلة السنة الأمازيغية, وسيكون ردنا هو أننا لسنا في موضع مقارنة, بل في موضع تساؤل ورد على المنطق المريض للكتاني ومن معه الملخص في عدم جواز الاحتفال بأعياد ما حدث قبل الإسلام دون تخصيص, ولو كان المحتفلون اليوم مسلمين, نحن فقط نسأل؛ هل كل عيد لا علاقة له بالدين الإسلامي وجب تحريمه وتجريم الاحتفال به ونصب المشانق بحق من يفعل؟ماذا مثلا لو دخل المغرب في حرب مع إسبانيا وتمكن من دحرها واسترجاع سبتة ومليلية السليبتين وفي نفس الوقت تمكن من استرجاع الصحراء الشرقية المحتلة من طرف الجزائر, هل سيصدر الكتاني ومن معه فتوى يحرمون فيها على المغاربة الاحتفال بهذه المناسبة التي ستتحول إلى عيد وطني ويمنعون تدريسها في المدارس فقط لأنها لا ترتبط بالإسلام ولم تحدث دفاعا عن الدين(وإن كان الدفاع عن الدين آخر اهتماماتهم), بل ضد إخوة في الدين(الجزائر)؟ هل يجب تقزيم تاريخ الإنسانية في ظهور رسالة المحمدية؟
المضحك المبكي أن الكتاني يصوغ هو ومن معه مبررا سخيفا لمنع الاحتفال بالسنة الأمازيغية وهو أن شيشنق الملك الأمازيغي كان يحارب المؤمنين في بيت المقدس(كذا).
هؤلاء المؤمنون الذين يدافع عنهم “الكتاني الحقوقي” ضد شيشنق ليس المقصود بهم سوى أتباع موسى أو تلاميذ عيسى(على أقصى تقدير) الذين ينعتهم الكتاني ومن معهم إلى اليوم بالمحرفين والكافرين والضالين, الذين ابتغوا غير الإسلام دينا, فلن يقبل منهم!
الكتاني الذي لا شك أنه يفتخر ويحتفل بذكرى غزو المسلمين للأندلس وقتل الآلاف ممن كان يعيش فيها من المؤمنين(يهود ومسيحيون), وقبلها غزو شمال إفريقيا وقتل الآلاف ممن كانوا بها من(المؤمنين اليهود والمسيحيين, بل حتى بعد دخولهم الإسلام), تأخذه الغيرة والرأفة بالمؤمنين الذين كانوا في بيت المقدس ضد شيشنق الوثني؟!
الكتاني الذي يبدو أن لا وقت لديه للحديث عما يعانيه أطفال “إخوانه” المغاربة المسلمين هذه الأيام من عزلة تامة وبرد قارس وفيضانات وجوع ونساء حوامل…يتقطع قلبه على المؤمنين الذين عاشوا في بيت المقدس قبل الميلاد بآلاف السنين والذين عانوا من اضطهاد وبطش وظلم شيشنق الأمازيغي, حتى إنه دقيقة بعد دقيقة يفرخ تدوينات تحرم الاحتفاء بهذا “الطاغية الذي قتل المؤمنين”, وما ذلك إلا لما يتمتع به الشيخ من قلب حنون وعقل غفور رؤوف رحيم !
الخلاصة أنه عقليا ومنطقيا, ليس كل عيد حدث في الإسلام وجب الاحتفال به وفي المقابل ليس كل حدث وعيد وقع قبل الإسلام وجب تحريمه, بل تبقى الدلالة والمغزى هما اللذان يحددان وجوب وضرورة الاحتفال من عدمه, خاصة عندما لا تكون لهذا العيد علاقة بالدين ولا بعصبية دينية ولا بما يعتبره شيوخ التدليس وثنية ومجوسية ولا يسبب أي ضرر للناس لا في دينهم ولا في دنياهم, أفليس إذن الاحتفال بالسنة الأمازيغية(مثلا) أفضل بكثير من تخليد ذكرى مقتل علي أو الحسين أو عثمان(مع احترامنا للشيعة ولمن يرى العكس) ؟
-دعوة الشيخ الكتاني المزعومة للنقاش والحوار
انتقل الكتاني ومن معه من شيوخ الضلال أمام قوة الأدلة التاريخية والعلمية, من مرحلة إنكار شيء اسمه السنة الأمازيغية إلى مرحلة الاعتراف ولكن مع تحريم الاحتفال بهذا العيد “الوثني”, “المجوسي”, “الصهيوني”, الذي “هدفه تدمير بلاد المسلمين وتقسيمهم وتخريب أوطانهم الجميلة والموحدة”…وهذا في حد ذاته تقدم كبير للمتحجرة عقولهم الذين كانوا-كما أسلفنا- إلى عهد قريب ينكرون وجود شيء اسمه الأمازيغ فما بالك بسنتهم, وإن شاء الله يأتي يوم يقدم فيه الكتاني التبريكات بهذه السنة للشعب الأمازيغي ويعتبر نفسه من أكبر من كانوا يدافعون عن ترسيمها عيدا وطنيا كما فعل قبله أشد المعادين للأمازيغية بعدما سحب البساط من تحتهم وأدركوا متأخرين أن التاريخ لا يمكن تغييره و لا إيقافه بسخافة فايسبوكية أو عصبية دينية مقيتة.
لا يفتأ المسمى الكتاني الذي لا يستحق أدنى احترام لدناءته وسفاهته والذي لولا احترامنا للقراء لأصبغنا عليه ما يستحق من ألقاب وأوصاف تليق بمقامه المنحط(لا يفتأ) يدعو إلى الحوار فيما يتعلق بالسنة الأمازيغية(كذا).
شيخ ظلامي يستكثر على الناس حقوقهم ويتمنى لو ينصب محاكم التفتيش لتملي عليهم بماذا يحتفلون وبماذا لا يحتفلون وكيف يحتفلون وكيف ينامون وكيف يستيقظون…ومن يخالف تشريعاته يشنق؟شيخ بهذه المواصفات تجده يدعو إلى الحوار والنقاش ويتهم غيره بالسب والشتم وهو الذي يمنع المختلفين معه من مجرد التعليق على سخافاته؟!
شيخ متهم بالإٍهاب وعنصري يعتمد العرق والنسب أساس التفاضل بين الناس واصفا نفسه بالشريف وكأن باقي المغاربة ليسوا كذلك ومشكوك في شرفهم أو أن أمهاتهم عاهرات وآبائهم فساق, متجاهلا أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفتخر يوما بنسبه ولم يعتبر نفسه أفضل الناس بنسبه, بل أصر على قطع يد السارق ولو كانت ابنته فاطمة(ض) في إشارة ودرس منه(ص) على أن الناس سواسية ولا فضل لأحد على الآخر بالنسب ولا العرق, وما ذلك بغريب على خير الخلق الذي نهر أحدهم عندما خاطب بلال بابن السوداء واصفا إياه بامرئ فيه جاهلية(وهنا ليس شغلنا التحقيق في صحة الحديث من عدمها, إنما شغلنا الشاغل هو أخذ الدرس)، أفليس الكتاني أكبر من فيه الجاهلية في عصرنا هذا؟ ماذا لو بعث الرسول(ص) ووجده يصف نفسه بالشريف ويتفاخر على الناس بذلك, إن لم يكن صراحة فضمنا, لأنه ليس من الضروري أن تقدم اسمك على صفحتك الفايسبوكية بألقاب”الشريف, العفيف, الطاهر, القرشي الهاشمي…”, وغيرها من الأوصاف العرقية والقبلية, بل من الأفضل أن تحتفظ لنفسك بتلك الألقاب التي هدفها تنويم القطيع, إذ لا شيء من نسبك واسمك وألقابك تهمنا في شيء, كل همنا ومبلغ علمنا هو ما يخرج من فيك من نتانة وسفاهة ما أنزل الله بهما من سلطان.
لقد صدق أحد الظرفاء الفايسبوكيين عندما قال معلقا” كيف تريدون لمن يحرم الاحتفال بميلاد أحد الرسل(عيسى عليه السلام) والذي يعتبر الإيمان بهم من أركان الإيمان, بل يحرم الاحتفال بميلاد من يزعم أنه قدوته(الرسول ص), أن يعترف وأن لا يحرم الاحتفال بما يعتبره عيدا وثنيا؟”
هذا التعليق يلخص كل شيء, يلخص أن شيوخ الضلالة لا يتقنون سوى التحريم مع التركيز على ما يتناسب و يتماشى معه من أحاديث وآيات ولو كانت موضوعة دون أخرى ولو كانت صحيحة, وقبل ذلك دون إعمال العقل واستحضار حقوق الإنسان التي لا تقبل التحريم ما لم تضر بحقوق الغير, ولا واقعنا الذي لا يحتاج العودة إلى كتب التراث للتنظير له, وفي الختام نحمد الله تعالى أنهم لم يحرموا الخبز بعد لأنه مصنوع من قمح تنقله إلينا بواخر وشاحنات من صناعة اليهود والنصارى ومن يصفونهم بالمجوسيين والخنازير الأنذال, وطحين تطحنه مطاحن من صنعهم وفايسبوك ننشر فيه مكبوتاتنا ودعواتنا لهم بالزوال والدمار وتحريم التشبه بهم وَرورة محاربة أعيادهم…
المصدر : https://tinghir.info/?p=53003