لا شك أن العمل الجمعوي من أكثر القطاعات الحيوية تضررا خلال جائحة كورونا، بما تسبب له فيه من أضرار عميقة وعامة ومستمرة، دخلت به في متاهات أزمة حادة، لا تزيدها الأيام إلا استفحالا واستعصاء على المبادرة والعلاج، ومن مظاهر ذلك:
- فجائية الجائحة و وقع صدمتها على الجميع.
- ارتباك الجمعيات في التعامل معها بشكل يضمن تواجدها وحيويتها المعهودة.
- صرامة التدابير الاحترازية، التي نحت في مجملها على تهميش الجمعيات الراغبة في المشاركة.
- توقف عمل عدد كبير من الجمعيات ودخولها في الحجر الجمعوي حتى بعد رفع الحجر الصحــي.
- تضرر الفئات المستهدفة من العمل الجمعوي خاصة في المجال التربوي والإشعاعي والاجتماعي.
- تضرر فئات العاملين في الجمعيات كالقيمات و المتعاقدات في مختلف البرامج وهي(أزيد من 40 ألف).
- عدم تجديد العديد من مكاتب الجمعيات التي تصادف انتهاء مدة صلاحيتها مع الجائحة ومنع التجمعات.
- غياب أي مبادرة جمعوية أو رسمية لفك الحصار واستئناف النشاط الجمعوي أسوة بغيره من الأنشطة في المعامل والمدارس والمساجد والمقاولات السياحية والدوريات الرياضية وغيرها.
- حرمان الطفولة والشباب من المخيمات الصفية التربوية والترفيهية لا خلال الصيف ولا بعده رغم ما عانه الجميع من الضغوطات النفسية الشديدة خلال فترة الحجر الصحي و حتى بعده.
- انقطاع السيل العرم من المحاضرات والندوات والأمسيات التربوية والدورات التكوينية التي بادرت بها الجمعيات عن بعد خلال الحجر الصحي، رغم أن الحاجة لا زالت جد ماسة إلى أضعاف مضاعفة منها في ظل سريان منع التجمعات الحضورية التي لا يستغني عنها العمل الجمعوي.
و رغم ذلك فقد كانت لبعض الجمعيات بعض الأداء خلال الجائحة وخاصة في بعض الجوانب، وخاصة بعد إدراك السلطات حاجتها للمجتمع المدني و إبدائها بعض المرونة في الحجر عليه، وبعد تكيف بعض الجمعيات الأخرى مع الجائحة واكتشافها لما أتاحه لها العالم الافتراضي من فرص العمل الرقمي والتواصلي مع مختلف الفئات، وهكذا قامت بعض الجمعيات بأنشطة متعددة ومنها:
- أنشطة تحسيسية ضد خطورة الجائحة وسبل الوقاية منها.
- أنشطة تضامنية مع الفئات الهشة والمتوقفة عن العمل خلال الجائحة.
- أنشطة ترفيهية وتواصلية في المجال التربوي مع الأطفــــــال.
- أنشطة تكوينية افتراضية مع الأطر والشباب والنساء عن بعد.
- مواكبة ومراقبة مدنية لتدبير الأزمة والترافع ضد بعض ما عرفته من خروقات حقوقية وتدبيرية.
- رفع مذكرات قوية للمساهمة في حلول ما استجد من المشاكل المعقدة خلال الجائحة كضرورة تعويض المتضررين تعميم ذلك والاستمرار فيه طوال مدة الحاجة والجائحة.
- حملات فايسبوكية قوية وناجحة ضد قانون 22.20 السيء السمعة ضد مكتسبات الناس في الحريات العامة، وكذا بعض حملات المقاطعة لبعض الدول المطبعة أو المسيئة للرسول (ص).
والآن، مع رفع الحجر الصحي، والعمل على إنعاش بعض الاقتصاد الوطني والرهان على التعايش مع الجائحة الغامضة والقاسية، استأنفت العديد من القطاعات أنشطتها ببروتوكول صحي وإجراءات احترازية صارمة، التعليم..النقل..السياحة..الأسواق..المساجد..المقاولات..القضاء عن بعد..إلا الجمعيات فلا تزال في حجرها و أزمتها، فهل إلى حلول من سبيل؟، وكيف يمكن للجمعويين المساهمة في حل أزمتهم؟، وما دور المسؤولين في الموضوع؟، خاصة أن القطاعات الوصية والشريكة لم تكن في مستوى اللحظة المعقدة، لا في امتلاك خطة عمل طارئة، ولا في امتلاك رؤية لتدبير الأزمة المستدامة، بل حالها كان أسوأ من حال الجمعيات أو يكاد، فهذه وزارة الشباب والرياضة مثلا، وعدت بنوع من العطلة الصيفية كانت الجمعيات ترافع من أجلها خلال الصيف ولم تفي، و وعدت ببعض التنشيط السوسيو تربوي في الأحياء بعد الصيف ولم تفي، وقامت بعض مديرياتها الجهوية ببعض الأنشطة الافتراضية عن بعد خلال الحجر الصحي وتوقفت مثلها مثل الجمعيات بعد الحجر، رغم أن كل الدواعي تدعو إلى تكثيفها بدل قطعها وتجميدها؟؟
الواقع أنه لابد للجمعويين من فقه إدارة أزمتهم، وككل أزمة فإنها حسب علماء الأزمات تدور دورتها في خمسة مراحل وهي:
- مرحلة الميلاد: المبهم وغير الواضح والموحي بالسيء والأسوأ.
- مرحلة النمو: وتزداد الأزمة فيها سوء كلما ساء فهم متخدي القرار بها.
- مرحلة النضج: وهو أخطر مرحلة إذا لم يتم فيها اتخاذ القرار الصحيح، يمكن للأزمة أن تتجاوز الجميع، وتتفاقم لتأتي على الأخضر واليابس ولا ينفع معها لا تسكين ولا حلول ترقيعية.
- مرحلة الانحسار: وهي حينما يستوعب الناس الأزمة ويتفاعلون معها كيفما حصل بشكل منظم أو عشوائي، مما يولد بعض التعايش والمقاومة وبداية الفهم والقرار الممكن والانحســــــار.
- مرحلة التلاشي: وهي المرحلة التي تفقد فيها الأزمة أسباب ولادتها و مظاهر عرقلتها.
ولعلاج الأزمة أية أزمة حادة أو غير حادة، متوقعة أو غير متوقعة، تحت سيطرة الجمعية أو تفوق إمكانياتها، فلابد من خمسة خطوات ضرورية أيضا وهي:
- ضرورة الوعي الجماعي بالأزمة..الإكراهــــات والفرص.
- محاصرتها بالإبقاء على الحد الممكن من الحركة والأداء.
- قلة الشكوى والتذمر بتغليب الشعور بالأمان والاطمئنان .
- استمرار التواصل والتفاعل مع المعنيين والمستهدفين والعاملين بكل الأشكال و الأقدار الممكنة.
- التعافي التدريجي من الأزمة بتوفير أدوات العمل المطلوبة والأعمال البديلة الفردية والجمـاعية.
- ضرورة الإبداع وتجاوز الأشكال التقليدية المألوفة في العمل والتواصل إلى غيرها من الأشكال الجديدة والأعمال الممكنة ومع الفئات الممكنة وبالوسائل الممكنة، خير من سياسة الكل أو لا شيء؟؟.
ولعل الحفاظ على قدر من التواصل والتفاعل الراتب بين قيادات الجمعية شرط ضروري لكل ما بعده من الإبداع و الحلول الممكنة لما يستجد من الإكراهات والعراقيل والمعضلات، وبقدر ما يكون هذا التواصل والتفاعل ولو للاستئناس و لو للمواساة ولو سؤال البعض عن أحوال البعض، بقدر ما يمكن أن تثار قضايا الجمعية ومستجدات الحقل الجمعوي الذي يربطهم، وبقدر غيابه أو ضعفه وعدم تواتره بقدر ما تدوم أزمة الجمعية وينفرط عقد أهلها، وربما ينصرف قادتها وحتى روادها والعاملين فيها والمستفيدين منها إلى شؤون أخرى لن تتركهم على كل حال للفراغ والانتظار؟؟. والواقع أيضا، أن الجائحة بقدر ما كانت أزمة خانقة بالنسبة للبعض بقدر ما كانت فرصة سانحة بالنسبة للبعض الآخر، أبان فيها عن يقظته وتكيفه السريع وعلو كعبه في الإبداع والتجديد في طرق العمل والتواصل، وهكذا كانت فترة الحجر الصحي مثلا فترة متدفقة بسيل عرم من الأنشطة القيمة، فرأينا فيها: أمسيات تربوية وترفيهية..محاضرات وندوات..مسابقات قرآنية وفنية..دوريات رياضية ودورات تكوينية..وصلات تحسيسية وحملات تضامنية..دروس الدعم تعليمية وتطوعية وغيرها؟؟.
الآن وقد رفع الحجر الصحي، فكيف لنا في إدماج مثل هذه الأنشطة الرقمية الافتراضية في برامج الجمعيات؟، لماذا توقفت الدورات التكوينية والمسابقات الإبداعية وهي أيسر عن بعد منها عن الحضوري؟، لماذا توقفت المواظبة المدنية لتدبير الأزمة الوبائية والاجتماعية بالنقد الإيجابي والقوة الاقتراحية المسعفة مع مختلف الإكراهات والمستجدات والارتجالات، والأمر أنه مع طول الأزمة المعضلة وتجدد مساراتها ومتاهاتها على مستوى التنزيل والإدارة أحوج ما تحتاج إلى مثل هذه التدخلات أكثر من أي وقت مضى؟، أين الترافع الجمعوي عن الفئات المتضررة، هل أنصفت وكفى الله الجمعيات الترافع؟، أين ما كان ملحا ولا يزال من السجل الاجتماعي للمواطن، هل خرج إلى حيز الوجود ويساهم في حل الأزمة الاجتماعية للمواطن؟، أين ما أبانت عنه الجائحة من ضرورة تجديد القوانين المعرقلة للعمل المدني، هل أصبح بعدها أيسر وأعم وأعدل؟، ماذا اقترحت الجمعيات لعلاج علاقاتها مع السلطات وما اتسمت به أحيانا ولازالت من السلطوية والتوتر والمزاجية وعدم الشفافية؟؟.
فشل ما بعده فشل إذا ألقى العمل الجمعوي بكل اللائمة في هذه المعضلات على جائحة “كورونا” أو حتى على غيرها من مزاجية بعض السلطات وإكراهات اشتغالها وتأويلها للقوانين أو تجاوزها، إن العمل الجمعوي أكبر من أن يكون عمل أوقات الراحة أو تجزية فاضل الأوقات، وأكبر من أن تقرر في مصيره قساوة جائحة أو إدارة رجل سلطة، أو فتور قادة جمعويين وانسحاب ممارسين عاملين، أو قلة أو كثرة مستفيدين وإقبالهم أو إدبارهم، إن مجرد ناشطين مدنيين حيووين استطاعوا بمفردهم خلال الأزمة ولا يزالون أن يقدموا من الأنشطة الافتراضية ما لم تقدمه جمعيات بصفاتها الجهوية والوطنية؟؟، فمتى يدرك الجمعويون أن كل الأمور بأيديهم، وكيفما يكونوا تكون حركيتهم الجمعوية، فعسى ألا يدخلوا في الحجر الجمعوي بعدما رفع الحجر الصحي، وعسى ألا يصابوا ب”الكوفيد الجمعوي” ونحن نتغلب ونتعايش مع “الكوفيد الكوروني”؟؟.
المصدر : https://tinghir.info/?p=52920