دأبت وزارة الثقافة والشباب والرياضة (قطاع الاتصال) منذ سنوات على تنظيم الجائزة الكبرى للصحافة الوطنية، بلغت هذه السنة دورتها الثامنة عشرة.
الجائزة التي تهدف حسب المنظمين إلى تكريم الكفاءات الإعلامية المغربية في مختلف الأجناس الصحفية، لا يختلف اثنان على أهميتها في التشجيع على مزيد من العطاء والاجتهاد والتجويد، غير أن ما يعاب على هذه المسابقة هو إقصاء من يوصفون ب”الصحافيين الهواة”، حيث يشترط المنظمون على الراغب بالمشاركة أن يكون مزاولا للصحافة لمدة لا تقل عن ثلاث سنوات وأن يكون مشتغلا بإحدى المؤسسات الإعلامية الوطنية وحاصلا على بطاقة الصحافة.
شروط لا يمكن وصفها إلا بالإقصائية، لأنها تحرم الكثير من “الصحافيين الهواة” من حقهم في المشاركة لا بهدف الفوز، ولكن الأهم بهدف تقييم أعمالهم، إذ رغم ما يقدمونه من منتوج إعلامي باحترافية عالية ومستوى أفضل أحيانا ممن يسمون بالصحافيين المحترفين، ورغم أن من المواقع الإليكترونية والجرائد المحترفة من تسرق أعمال”الهواة” هؤلاء وتعيد نشرها، تارة بتغييرات طفيفة حتى لا يفتضح أمرها وتارة أخرى كما هي دون أن تكلف نفسها عناء الإشارة إلى كاتبها، إلا أنهم يصطدمون بهذه المعايير والقيود التعجيزية.
فهل شروط المشاركة في الجائزة الكبرى للصحافة الوطنية مقبولة؟ وهل عدم التوفر على بطاقة صحافي وعدم الاشتغال لدى مؤسسة إعلامية وطنية يجب أن يمنع المبدعين “الهواة ” من المشاركة؟
كانت صحف ومواقع إليكترونية وطنية قد تحدثت منذ مدة عمن تصفهم بالصحافيين الأشباح وعن كيف كان يتم توزيع بطائق الصحافة بسخاء على أتباع حزب العدالة والتنمية حتى من الذين لم يلجوا معهدا للصحافة يوما أو مازالوا طلبة يتابعون دراستهم عندما كان مصطفى الخلفي على رأس وزارة الاتصال، ما دفعه بعد ذلك إلى إعلان أسماء المستفيدين من تلك البطائق تكريسا حسبه لمبدإ الشفافية ورفعا لكل لبس، غير أن الحقيقة أن كل ما يعلن للعموم ليس هو كل الحقيقة وليس كل حق يراد به حق، ومعنى هذا؛ أن التوفر على بطاقة صحافي ليست معيارا كما ليس كل من يحملها صحافيا بالضرورة، وذلك سواء بالنظر إلى ما شاب عملية توزيع تلك البطائق من زبونية كما أوردت منابر إعلامية كثيرة في عهد مصطفى الخلفي أو بالنظر إلى جودة العمل المقدم التي تفوق-كما أسفلنا-عند بعض الهواة نظيرتها عند بعض المحترفين.
أما اشتراط العمل في مؤسسة إعلامية وطنية، فلا يستحق هو الآخر أن يكون شرطا للمشاركة، إذ إن العديد من “الصحافيين الهواة” يساهمون بمساهمات قيمة في عدة مجلات ذائعة الصيت وفي مواقع إليكترونية وجرائد دون أن تربطهم بها عقود عمل وبدون تعويضات تذكر.
ومن الناحية الدستورية، نجد تلك الشروط تضرب بعرض الحائط مبدأ تكافؤ الفرص الذي يعتبر من الركائز الأساسية في الدستور الجديد، كما أنها تتنافى مع ما جاء في بعض فصوله كالفصل25 الذي ينص في فقرته الثانية على أن “حرية الإبداع والنشر والعرض في مجالات الإبداع الأدبي والفني والبحث العلمي والتقني مضمونة”، وهنا وجب توضيح أن الدستور وإن تحدث بشكل عام ولم يقصد تحديدا حق المشاركة في مسابقات الإبداع في مختلف المجالات، إلا أننا نرى بأن شروط جائزة الصحافة الوطنية تتعارض مع الحق في النشر والإخبار لأنها تقيد تلك الحرية وتحصرها في فئة معينة دون غيرها ألا وهي فئة الصحافيين المحترفين، ثم ما الذي سيحفز على الإبداع والنشر إذا كان هناك حرمان من الجوائز ولم يكن هناك تكافؤ في التباري الشريف للفوز و تلقي الدعم؟
في الفصل 33 من الدستور كذلك ورد ما معناه أن على السلطات دعم الشباب بما يضمن تفتق طاقاتهم في مختلف مجالات الإبداع والثقافة والتكنولوجيا، فكيف يستقيم منع شباب لم تسعفهم ظروفهم المادية والجغرافية والعملية على ولوج معاهد الصحافة والحصول على “التأشيرة” من المشاركة في جائزة الصحافة الوطنية مع هذا الفصل الداعي إلى دعمهم في مختلف مجالات الإبداع؟
صحيح أن لكل مسابقة شروطا تحددها لجنة مكلفة ويجب أن تحترم، وصحيح أن هناك من يتفق مع هذه الشروط، بل مع تشديدها حتى تقتصر المنافسة على أقل عدد ممكن وتكبر حظوظه الفوز وذلك تحت شعار” إقصاء غيري يزيد من حظوظي”، لكن صحيح أيضا أن على المنظمين التفكير مستقبلا في تخصيص جائزة للشباب من هواة الصحافة الذين يطرقون مواضيع غير مسبوقة، وبمستوى محترم ينالون به التنويه والتفاعل من الكثير من المتابعين بمن فيهم صحافوين مرموقون، كما يساهمون بقسط وافر في نفض الغبار عن الكثير من المناطق التي لا تصلها حتى كبريات القنوات والجرائد والمواقع الإليكترونية و”الصحافيين المحترفين”، وبإمكانياتهم المادية واللوجيستيكية المتواضعة، فهل هناك من هو أحوج إلى التحفيز والدعم من هؤلاء الذين يعرفون ببلدهم وما يزخر به، مقدمين معلومات ومعطيات لم يسبقهم إليها أحد؟
المصدر : https://tinghir.info/?p=52871