مَــــــدخــــــل:
العدالة و المساواة و الانصاف و عدم التمييز، هي قيم انسانية لبناء صرح مشترك، قوامه تبني رؤية كونية غير اختزالية لمفهوم حقوق الإنسان تحتضن و تسع الجميع، و هنا الكل مدعو للقطع مع ترسبات ايديولوجية أحادية غير منتجة و لا تنسجم مع فسيفساء الثقافة المغربية المتعددة الروافد و صلبها الأمازيغية، سواء تعلق الأمر بمكونات الفاعل السياسي و/أو الثقافي و/أو المدني و/أو عموم المواطنات و المواطنين. و بالتالي فالتعاطي مع مسألة تدريس اللغة الأمازيغية لعموم أبناء المغاربة يجب أن يؤخذ من منطق الواجب الوطني، بعيدا عن المزايدات أو الوصفات الإيديولوجية الجاهزة، و لنا في اتفاقية اليونسكو مبادئ يمكن أن تقدم إطارا عاما توافقيا ينهي حالة الصراع المفتعل في المخيال الجمعي الوطني في تعاطيه مع القضية الأمازيغية بشموليتها، بل ويقدم أرضية جيدة للتعايش الثقافي من خلال ترسانة من المبادئ الموجهة أهمها : تساوي جميع الثقافات في الكرامة و في الجدارة بالاحترام، واحترام التنوع الثقافي بصفته ثروة نفيسة للأفراد و الجماعات، و الانتفاع العادل من الثقافة، و الانفتاح على الثقافات الأخرى، إضافة إلى مبدأ التوازن بين مختلف الثقافات”، كما أن إعلان برشلونة العالمي للحقوق اللغوية لسنة 1996 يمكن أن يكون إطارا مرجعيا بإضافة نوعية لفهم أمثل للحقوق اللغوية من خلال حثه على “إبادة الإقصاء المتبادل و حق كل شخص في التحدث بلغته الأم، و في التمتع بثقافته و تلقينها لذويه في المدرسة و في المجتمع، و كذا بحقه في الولوج إلى الخدمات العمومية بواسطتها ]..[ دون تدخلات قصدية أو قسرية”.
وفي هذا الإطار أقدم المغرب على خطوة هامة، تتمثل في إدماج تدريس اللغة الأمازيغية بالمدرسة المغربية بدء من شتنبر 2003 بتنسيق مشترك بين وزارة التربية الوطنية و المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية بغاية التعميم بجميع مدارس السلك الابتدائي في أفق 2010، ثم إعطاء اللغة الأمازيغية صفة اللغة الرسمية للبلاد إلى جانب اللغة العربية في دستور فاتح يوليو 2011 (الفصل5)، وصولا إلى يوليوز2019 تاريخ المصادقة على القانون التنظيمي 26.16 الذي يحدد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية و كيفيات إدماجها في مجال التعليم (الباب الثاني: المادتين 3 و 4)، و في مجالات الحياة العامة ذات الأولوية، و ذلك لكي تتمكن من القيام بوظيفتها مستقبلا.
و انطلاقا مما سبق و من أجل تحليل موضوعي يثمن الإيجابيات و يضع الأصبع على مكامن الخلل بغية معرفة واقع حال لغة أمازيغية تحتضر على أبواب المدرسة المغربية بعد 17 عاما من التجربة و من الأخذ و الرد، سنحاول في الجزء الأول من هذه المقالة المتواضعة أن نرصد وضعية تدريس اللغة الأمازيغية بالمدرسة المغربية من خلال ممارسيها، ثم سنضع في الجزء الثاني موضع المساءلة مجموعة من الإحصائيات و الأرقام التي أعلنت عنها وزارة التربية الوطنية بمقارنتها مع ما هو كائن في مرحلة أولى ثم محاولة تقفي أثر الممكن من خلال مجموعة من التوصيات في مرحلة ثانية.
أولا: وضعية تدريس اللغة الأمازيغية بالمدرسة المغربية
إن أساتذة اللغة الأمازيغية على مستوى كل التراب الوطني يفتقدون للحد الأدنى من شروط الاشتغال في جو تربوي سليم و عادل و منصف، حيث يبدأ الموسم الدراسي و مدرس(ة) الأمازيغية محروم من أبسط أساسيات الفصل الدراسي العادي من كتب مدرسية وعدة بيداغوجية ملائمة و استعمال الزمن، وصولا الى التأطير التربوي و قاعة خاصة، إلخ. فاللغة الأمازيغية على سبيل الذكر لا الحصر محرومة من مبادرة مليون محفظة في عدد من المديريات، و توزع الكتب المدرسية و الكراسات و الدفاتر الخاصة بجميع المواد الأخرى باستثناء الأمازيغية، إضافة الى إشكالية تعميم الأمازيغية أفقيا و عموديا أولا على مستوى نفس المؤسسة ثم على مستوى باقي المؤسسات، حيث يدرس أستاذ واحد 8 فصول دراسية بمعدل ثلاث ساعات لكل فصل أسبوعيا، و أمام العدد الكبير من الفصول يقتصر تدريس اللغة الأمازيغية على مستويات الأول و الثاني أو الثالث ابتدائي في أحسن الأحوال، ما يحرم الأمازيغية من أن تكون إشهادية و يحرم تلاميذة المستويات الأخرى من حقهم في تعلم اللغة الرسمية للبلاد. إشكاليات تربوية تنضاف إليها مشاكل إدارية تتمثل أساسا في استغلال النفوذ و الشطط في استعمال السلطة و سياسة فرض الأمر الواقع على أستاذ(ة) ومادة اللغة الأمازيغية اللذان لا حول و لا قوة لهما، من قبل بعض المديرين التربويين (تعويض أستاذ اللغة الأمازيغية للأساتذة في رخصة، محاولة التكليف للقيام بمهام إدارية أو التدريس بالفرعيات المدرسية عوض المركزيات، إلخ) أو بعض المديريات التعليمية التي عمدت في المواسم الدراسية الماضية إلى محاولة تصريف أزمتهم في تدبير الموارد البشرية في التخصص المزدوج على حساب الامازيغية بالرغم من الحصيص الهزيل الممنوح لها، عبر محاولات تكليف شفوية و بالقوة لتدريس التخصص المزدوج (العربية و/أو الفرنسية) بدل تخصصهم الأصلي الذين هم مكونون فيه و مؤهلون لتدريسه (مديريات بوجدور، النواصر، بوعرفة، تنغير، مراكش، خنيفرة، ماسة، كلميم، الفداء مرس السلطان، بوزنيقة و الرحامنة، الخ).
و ها هو الموسم الدراسي الحالي يطل علينا بإشكالات تدبيرية للوزارة الوصية على القطاع، تتمثل أساسا في تدبير الحركة الانتقالية، حيث يتم سنويا فتح باب التوظيف لما بين120 إلى 200 أساتذ(ة) جدد، ليعينون فيما بعد في مدارس بعيدة عن المركز، ما يحرم الأساتذة القدماء من حق الإنتقال من جراء قرارات إدارية لا دخل لهم بها، حيث يتم تعبئة طلباتهم للانتقال إلى المراكز الحضارية دون نتيجة تذكر، حيث أن المديريات التعليمية لا تفتح تلك المدارس الشاغرة في وجه أساتذة التخصص سواء الراغبين في الانتقال داخل أو خارج جهتهم الأصلية، في حين أن الحل بسيط و تقني بالأساس، حيث لو تم فتح المدارس الشاغرة في وجه الأساتذة الراغبين في الانتقال مع إعطاء أولوية التعميم على مستوى المراكز الحضارية ثم على مستوى كل مؤسسة تعليمية في أفق التعميم على باقي المناطق لتم حل المشكل بشكل نهائي.
و ما يؤكد التخبط العشوائي و غياب الرؤية لدى القائمين على القطاع فيما يخص ملف تدريس اللغة الأمازيغية هو ما أقدمت عليه مديرية المناهج بوزارة التربية الوطنية المغربية مؤخرا حين أصدرت دليل “مستجدات المنهاج الدراسي للتعليم الابتدائي برسم السنة الدراسية ، يوليوز 2020 –2021 “، وهي وثيقة تبين الإختيارات البيداغوجية و التوجهات و الغايات الوطنية في مجال التربية و التكوين عامة و تشمل جميع متدخلي و شركاء المدرسة المغربية، إلا أنها في شق التوجيهات التربوية و البرامج الدراسية الخاصة بجميع مواد تخصصي اللغة العربية والفرنسية تم إستثناء غير مبرر للغة الأمازيغية، فكان نصيبها من الدليل أربعة أسطر فضفاضة، حيث ورد في ملخص الحصص الأسبوعية للأساتذة في الصفحة 38: “الأستاذ المتخصص في اللغة الأمازيغية: يدرس أستاذ(ة) اللغة الأمازيغية كزملائه المتخصصين في اللغة العربية واللغة الفرنسية 27 ساعة بمعدل ثلاث ساعات لكل قسم، حسب ما تنص عليه المذكرة 130 – 2006، تضاف إليها ثلاث ساعات تخصص للدعم ولأنشطة الحياة المدرسية وللتكوين المستمر. وتثبت وجوبا في جدول حصص الأستاذ(ة).”، لكن عند الرجوع إلى المرجع المشار إليه، و الذي تم اعتماده في صياغة تدبير الحصص الأسبوعية لأساتذة اللغة الأمازيغية في الدليل السالف الذكر أي المذكرة رقم 130 الصادرة بتاريخ 12 شتنبر 2006، في موضوع تنظيم تدريس اللغة الأمازيغية وتكوين أساتذتها، وهي بمثابة الوثيقة الإطار لإرساء وتدريس اللغة الأمازيغية بالمدرسة المغربية، سنكون أمام مفارقة و لبس كبيرين، حيث أن المذكرة الإطار تنص في الصفحة 5 على ما يلي: “في البداية، لابد من التأكيد على أن الغلاف الزمني المخصص لمكونات درس اللغة الأمازيغية قد تم تحديده في ثلاث ساعات أسبوعية في جميع مستويات التعليم الابتدائي (حاليا في المستويات التي تدرس بها”، و في الصفحة 7 : ” تخصيص أستاذ لتدريس اللغة الأمازيغية كلما بلغ عدد الأقسام التي تدرس بها ثمانية أقسام. كما يمكن، كلما دعت الحاجة إلى ذلك، تكليف أستاذ أو أكثر لتدريس اللغة الأمازيغية في مؤسسة أو أكثر؛ على أن يقضي نصف يوم أو يوم كامل في التدريس بنفس المؤسسة ربحا للوقت، وتفاديا لتنقل الأساتذة بين المؤسسات المتباعدة (الفترة الصباحية أو المسائية أو يوما كاملا”، سبب النزول هنا كما يقال هو من أين جاء مؤلفو(ات) دليل “مستجدات المنهاج الدراسي للتعليم الإبتدائي” بالغلاف الزمني الذي أشاروا إليه في الهامش المكتوب في الصفحة 38 وهل توجد مذكرة وزارية أخرى مؤطرة للغة الأمازيغية تحمل نفس الرقم 130 وهل من المقبول منهجيا أن يخالف دليل بيداغوجي الضوابط التنظيمية؟ ثم لما التراجع بعد ذلك عن هذا القرار بعد ما صاحبه من ضجة و عبر بلاغ رسمي؟
تلكم معطيات تؤكد و بالملموس أن ملف تدريس اللغة الأمازيغية بالوزارة الوصية يفتقر لرؤية واضحة المعالم و للجنة مختصة عارفة بحساسيات و خصوصيات الملف، كما أن الدولة تعمل بسياسة الكيل بمكيالين في تعاملها مع ملف السياسة اللغوية للبلاد، حيث هناك لغات توفر لها من الإمكانيات المادية و البشرية الشيء الكثير و لغة أصيلة و متجذرة في هذه الأرض السعيدة ممنوع عليها أي فجوة للتقدم و التطور، بل تنتزع حقوقها الواحد تلو الآخر كلما سمحت الفرصة و/أو الظروف، عوض التعامل معها بنوع من التمييز الإيجابي و جبر الضرر بعد أكثر من 60 سنة من التعريب و الفرنسة.
وهو ما سنبينه بالأرقام في الجزء الثاني من هذه المقالة من خلال تحديد عدد التلاميذ و عدد المدارس التي تدرس بها اللغة الأمازيغية ، إضافة الى عدد أساتذة اللغة الأمازيغية و عدد الخصاص على الصعيد الوطني ، إضافة إلى سيناريوهات التعميم في ظل المعطيات المتوفرة.
*باحث في اللغة و الثقافة الأمازيغية.
المصدر : https://tinghir.info/?p=52382