Ad Space

تربويات لا تحتمل التأجيل؟؟

admin
2015-02-17T13:12:38+01:00
اقلام حرة
admin17 فبراير 2015
تربويات لا تحتمل التأجيل؟؟
الحبيب عكي

لقد تعددت الاستشارات والمناظرات والأبحاث والتقارير الدولية والمواثيق الوطنية الرامية كلها إلى إصلاح ما يمكن إصلاحه في التعليم،ولكن على المستوى العملي لا تزال الأزمة مستفحلة تنخر البقية الباقية من معالم المنظومة وتتجاوز كل ترقيعاتها المرتجلة وتدخلاتها المركزية،حتى فيما أصبح عليه الإجماع على ضرورة الإصلاح موضوعا وحكامة ومنهاجا، لتستمر القافلة التربوية الوطنية لمجرد الاستمرار بعيدة عن الأهداف التربوية والحاجات الوطنية ولعقود وعقود.،و كأن العبث أو غرض  الإفساد واجترار الأزمة طابع كل برنامج وحكومة ؟؟.

  • فما معنى أن يظل تعليمنا بدون هوية وطنية واضحة جادة ومتجددة،مما يصعب عليه كل المتابعات التقييمية والاختيارات المنهجية والتدخلات الإصلاحية؟.

  • ما معنى أن تظل الأهداف والوسائل والطاقات البشرية والمادية والأساليب التدبيرية هي هي نفسها رغم مستجدات الحياة وتحدايات الواقع المعاصر،ما معنى التفاوت الصارخ بين المؤسسات وجودا وتجهيزا وحرمة وعتاد مختبرات وملاعب و داخليات و حراسة و وسائل النقل وظروف العمل العامة،وما معنى أن يظل الممارسون الميدانيون في البحث عن االحلول مهمشون إلى درجة الإقصاء والاحتفاظ لهم فقط بمجرد أدوار التنفيذ ؟

  • ما معنى أن تظل مخرجات المنظومة غير مناسبة لسوق الشغل،ولعقود وعقود ولا جهود مقنعة تذكر لحل هذه المعضلة الوطنية الكبرى،التي تنخر كل يوم كل معاني الجودة وترتب أبناءنا في مجرد المتعلمين الجاهلين الذين لا يعول عليهم لا في العير ولا في النفير؟.

  • ما معنى قصور جهود التعميم واستفحال الهذر المدرسي وبطالة الخرجين،ليجد الطالب بعد عمر أن كل مصيره مجرد كرنفال كسر الضلوع في احتجاجات العاصمة أمام البرلمان أو صمت و “حكرة” يلوذ بهما في متاهة التكوين والمقاولة وسراب مشاريع التنمية الذاتية ولو بتربية “الدجاج” و”الأرانب” وامتهان “الراندا” و”السانجير”؟.

  • ما معنى تلميذ يدفع من مستوى إلى آخر في الابتدائي بالأقدمية،وتلميذ يعود بعد الطرد إلى الطاولات عبر التربية غير النظامية ودروس محو الأمية،وتلميذ يثلث في الثالثة إعدادي ولا زال في بعض المواد يحصل على الصفر في الأسدس ككل(تلميذ يدرس 6 أشهر من أجل صفر في المراقبة وفي الموحد)،و 13 في المائة فقط من يصلون إلى البكالوريا،وبعد البكالوريا يجتاز أخرى وفي نفس الشعبة وفي عمر تقادمها عام بالكاد وما معنى التقادم أصلا؟،وكم ممن يلجون الجامعة بصعابها ومتاهاتها ينهونها بنجاح (4 أو 5)،و بعد الإجازة يبدأ الجميع رحلة البحث عن الديلومات الخاصة وتجارة شهادات “المأرب” هنا وهناك،وهم الذين لم يصلوا إلى إجازتهم في الغالب إلا عبر الساعات الإضافية في مختلف المواد وبمختلف الأسعار ويا ليتها كانت قد أسعفتهم في شيء؟؟.

  • ما معنى أن يظل الموظف في القطاع في رهاب مستمر يستفحل كل يوم أكثر وأكثر، لا يأمن أي شيء على حاضره ومستقبله،تكوينه وتعيينه،أمنه واستقراره،صحته واستشفاءه وحياته،ترقيته وتقاعده واستمرار دراسته الجامعية،حرمانه من المباريات والترشيحات التي تتطلب هذا المؤهل،مؤسسة عمله ومادة تدرسيه، سلكه وانتقاله أو تكليفه بدعوى الحاجة رغم أنفه،وفي كل مرة تمنح الأمور للنقابات وحواراتها البزنطية التي لا تقدم ولا تؤخر؟؟.

 و على أي هذه بعض الأمور  ذات الصلة والتي لا تحتمل التأجيل  ومنها:

  • طغيان الطابع النظري للبرامج:

في الوقت الذي يركز فيه الاختيار التربوي الوطني على ضرورة تبني بيداغوجيا الحوار والإقناع وديداكتيك المشاركة والطابع التجريبي للعديد من المواد العلمية خاصة،نرى في الميدان مع الأسف زيادة الطابع النظري لمختلف هذه المواد العلمية ومواد التفتح،و أتذكر كمدرس فيزياء على أزيد من ثلاثة عقود كيف بدأنا تدريس المادة بحماس ومعايير علمية تجريبية واضحة ومضبوطة،كانت مشاركة التلميذ هي المستهدفة و رفع استيعابه ومتابعته هي المبتغى،وكنا نقوم بست إلى ثماني مجموعات للتجارب أو عشرة في فوج واحد من 16 إلى 20 تلميذ فحسب،يطرح عليهم الأستاذ الإشكالات المطروحة ويسعى الجميع للبحث عن الإجابات تجربيا باتباع التعليمات والتوجيهات التي قد تكون من الأستاذ أو تأتي من التلاميذ ولكن المهم أنها متفق عليها وسقف الحوار حولها عال،قيقيس التلاميذ ويخلطون ويحركون  ويركبون…،وفي حماس وتنافس وفرص مشاركة لم تعد اليوم متاحة ولو بعشر المعشار،لإزالة التفويج أولا رغم المذكرات التي تنص عليه واكتظاظ الأقسام الأربعينية ثانيا،وفقر العتاد التجريبي في ما يوجد من مختبرات،وكارثة النقص من مُعامل المادة كذلك رغم رفض الأساتذة والمفتشون،كل هذا الإجهاز الممنهج جعل المادة تدرس عمليا وكأنها مادة أدبية تكفي فيها القراءة الصامتة والقيام بالخلاصة، أو في أحسن الأحوال القيام من لا زال يكابد من الأساتذة بتجربة واحدة أمام السبورة،لا يكون  حظ الملاحظة فيها للجميع،فبالأحرى حظ المشاركة والاستنتاج الذاتي والقبول أو الرفض الذاتي للنتائج والخلاصات؟؟.وأعتقد أن نفس المرارة تجري على بقية المواد العلمية التجريبية كعلوم الحياة والأرض والتكنولوجيا والتربية الأسرية والتربية الفنية،التي تتبنى منظومتنا تدريسها ولو بالطابع النظري والحكائي وهي مواد تجريبية محضة،عجزت الوزارة بكل ورشاتها وفرقها المعلوماتية المركزية والجهوية المبرمجة المواكبة والمبدعة التجديدية،حتى عن إنتاج أقراص مدمجة بمختلف دروسها وتجارييها وتمارينها وبالتالي توفير حواسب تدريسها؟؟.وفي هذا الإطار قد صدمني اليوم و أنا في حراسة الامتحان الموحد لنهاية الدروس الإعدادية أن رأيت العجب العجاب:”امتحان الإعلاميات على الأوراق،وبدون حواسيب عملية،وطبعا حاول التلاميذ أن يغشوا كالعادة،فقلت:” لقد غشتكم الدولة قبل أن تغشوها”؟؟.

  • التخفيف من الطابع الكمي للبرامج:



aid

في تصحيح الموحد،ورغم كل العناء واجراءات التنظيم والمراقبة وعناء التصحيح،وجدنا نتائج غير سارة ونقط متدنية بلغ بعضها نقطة الصفر وفي مختلف المواد،طبعا الأسباب قد تكون مختلفة من التلميذ أو الأسرة والمحيط أو من المادة والأستاذ أو من المؤسسة والرفقة،ولكن الإشكال الذي يطرح نفسه بكل مرارة هو كيف يدرس تلميذ دورة كاملة ليحصل على الصفر؟؟،بل كيف يبقى تعليمنا رهينا بالنقطة ورهاب الامتحانات ،وكيف يظل تعاملنا مع النقطة هو اتخاذها معيار النجاح أو السقوط بدل معيار الفهم و الدعم والبحث في منهجية وطريقة ذلك؟؟.قال أحد المدراء وهو يفسر الظاهرة :”إن التلاميذ في القسم لا يفهمون عما يتحدث الأستاذ،وفقط يكتفون إذا ما سألهم هل فهمتم أن يجيبوه:”نعم يا أستاذ” والأستاذ بدوره ربما لم يفهم ما يقوم بإفهامه،أو ليس لديه خيار آخر ولا وقت إضافي لإسعاف المتعثرين وتحسين الاستيعاب والمواكبة الجماعية”؟؟.لذا أقول أن جزءا مهما من الإشكال يكمن بلا ريب في طول المقررات واختلاف طاقات الاستيعاب الفردي،وغياب(البيداغوجيا الفارقية)،والتي من أجل التمكين لها في مدارسنا ينبغي تقليص المقررات حتى إلى النصف ولا يضر،وينبغي تجديد المقررات الراكدة لعقود وعقود ومن الأفضل رقمنتها،وتجديد على الأخص بيداغوجية تدريسها تجديد علميا منطقيا لا  يعتمد الحشو بالمعلومات بل منهج البحث الذاتي عن المعلومات وحسن استثمارها وبأدوات العصر وتقنياته،وأعتقد أن الاستثمار في هذا المجال مهما بلغت ملاييره فهو ربح  للبلد وأي ربح و لابد من اقتحام عقبتة وتحدياته،فهذا الاقتحام وحده الكفيل بأن يغنينا عن البيداغوجيا “الطلائعية” التي يكتفي فيها الأستاذ مكرها بأن يتجاوب ويساير مع بعض الطلائع من التلاميذ الذين يسايرون  ويتجاوبون معه ولو كان عددهم  أربعة أو خمسة على حساب الأغلبية الصامتة أو المشاغبة وهي على كل حال لا تساير ولا تساءل؟؟.

  • الانفتاح الجاد على مواد التفتح والتربيات المعاصرة:

بلا شك مما ينفر التلميذ من الدراسة ويضعف اهتمامه بها و يضاعف ملله فيها،انه يجد الكثير من دروسها ومقرراتها لا علاقة لها بواقعه المعاصر ولا بمستقبله المأمول،فهي منظومة قديمة وضعت لإشكالات غير اشكالات الناشئة وهمومهم الحقيقية لا الوهمية أو الأدلجة،وحتى فيما يكون من واقعيتها لا يكون فيها تدخلها مسعفا ولا عطاءاتها مجدية في شيء،خذ مثلا الكارثة والركاكة اللغوية التي تظل ملازمة للتلميذ وهو يدرس اللغة طوال أسلاكه ولا يتقن أية لغة أو يمتلك ناصيتها ويستطيع التواصل بها نطقا وقراءة،فبالأحرى كتابة وإبداعا؟؟. وبمقتضى كون النشء مواطن اليوم ،كوني الهوية والمرجعية والانتماء،فأين تربيتنا من التربية الكونية وقيمنا الحضارية والمواثيق الدولية وما بينهما من اتصال او انفصال؟؟.التربية المعاصرة وهي الرحى اليومية للنشء من التربية التقليدية الفكرية و الحوارية والاجتماعية والسياسية و الإعلامية والتربية العلمية والمعلوماتية الفلسفة والمنطق والتربية المعاصرة الصحية والتربية البيئية والتربية الحقوقية والسلوك المدتي والتربية الدينية الوسطية والتربية الأسرية والتربية الجنسية والتربية الطرقية والتربية الفنية والرياضية والشأن المحلي والمدني والديني…، هي الرحى اليومية للنشء ولكن مع الأسف لا تزال مدرستنا تستنكف عن مقاربتها أو في أحسن الأحوال مقاربة محتشمة لا تعدو أن تكون بعض الثقافة العامة وبدون مستلزمات ولا إعداد أطر متخصصة،وفي كثير من الأحيان توكل كل ذلك إلى الأندية التربوية وطابعها التطوعي،ليظل الإشكال في الحاضر والمستقبل يخيم على الأجيال المتضاربة الأفكار والمشارب مما يفتح الأبواب على مصراعيها بين من درسوا موادا فنية أو حقوقية مثلا وحصلت لهم فيها دراية وقناعة ور بما ممارسة  وتذوق و إبداع ومن كانوا محرومون من ذلك جاهلون له وله معادون ؟؟.

  • ضرورة تخليق الحياة المدرسية:

ويبدو العنوان صادما في الحقيقة،إذ كيف نطلب من المدرسة التي تربي على الأخلاق تخليقها هي ذاتها،ولكن الصدمة سرعان ما ستزول إذا ما علمنا أن التخليق كان من الأدوار التقليدية للمدرسة والتي واجهتها تحديات أضعفتها بل وقلبتها إلى ضدها وإن جر ذلك التحول نتائج وخيمة على المدرسة ومحيطها الاجتماعي وظروف الاشتغال فيها  ومنتوجها العلمي والمعرفي والسلوكي العام،والذي مع الأسف لا يلاحظ له كثير أثر على المعارك التنموية للبلد ومعركة تخليق الحياة العامة؟؟.وهكذا يدب الآن في جونا المدرسي سلوك العنف المتبادل والصراع بدل المحبة والأخوة والاحترام والتعاون ،و قيم الكسل والغش والاعتماد على طرق ملتبسة وملتوية غير مشروعة لتحقيق النتائج بأي ثمن،انحرافات سلوكية وقيمية كالتدخين والميوعة والانخراط في عصابات الانحراف العقائدي وترويج المخدرات؟؟.فما هي المنظومة الأخلاقية للتلميذ المغربي مع كل التوسع والاختلاف الذي يمكن أن تكون بين بعضه البعض،ولكن لابد  في النهاية من الحد الأدنى من الملامح التي ينبغي أن يصطبغ بها هذا التلميذ،علما ومعرفة،مهارات طباعا سلوكا وقوانين و وعي اجتماعي(يغش/لا يغش- يحترم/لا يحترم- متعاون/غير متعاون- يحب المؤسسة ويحترمها/لا يحبها و يخرب نظامها وممتلكاتها ويعتدي على روادها—)؟؟،بل ما المنظومة الأخلاقية للأستاذ وما هي المنظومة الأخلاقية للإداري،وهل لازال النظام الإداري يسعف منظومتنا التربوية في شيء أم هي في حاجة إلى نظام قيادي وكيف السبيل إلى ذلك، ولا ينبغي بحال من الأحوال توقيع شيك التدريس والإدارة التربوية التنموية فيه على بياض، أو أكثر الامتيازات بأقل جهد ممكن ؟؟.فمدرستنا في أمس الحاجة إلى ميثاق من الحقوق والواجبات منصف لكل الأطراف ومحين بينهم على ضوء الإشكالات والمستجدات في ساحتنا التربوية الموبوءة والأهم من كل هذا التفعيل لعلنا نضع بذلك بعض الحد للضحايا الذين لازالت كل يوم تزهقت منهم الأرواح وتسال منهم الدماء وبصابون بعاهات مستديمة تلاميذ وأساتذة وإداريين،لا ما هو سائد اليوم من أجواء الكيد والتكهرب والنفور والملل بكل الأشكال،الساحة في حاجة إلى تكاثف الجهود بين الجميع ليس من اجل مدرسة النجاح فحسب بل من أجل حياة مدرسية مفعمة بالمتعة والإفادة ولا تربية في أجواء الإكراه ليس على التلاميذ فحسب بل على الأساتذة أيضا والعديد من القوانين والمذكرات لا تعمل إلا على احتقارهم وتكريههم في المهنة التي قضوا فيها زهرة شبابهم دون مقابل ولا حتى شيء من الوقار و رحم شيبتهم  وخيبتهم وعجز صحتهم،مدرسة حب المدرسة أولا بدل التذمر منها والهروب من واجباتها بشكل أو بآخر وعلى مستوى طرف أو آخر، ولا إصلاح بدون حب المدرسة،أطرا وتلاميذ،و لحسن الحظ أن هذا الجانب الأساسي في الحياة المدرسية لا يتطلب قرارات ولا ميزانيات بقدر ما يتطلب الوعي بأهمية الموضوع والإدارة الحازمة ذات العزيمة والمبادرة المُحِفزَة والمُحَفِزِة،فمن يعلق الجرس يا ترى من،وإلا فنحن لا نبوء  إلا بإثم الساقطين والمتعثرين والمتضايقين والمحبطين والخريجين المعطلين وكل ضحايا منظومتنا التربوية وما أكثرهم؟؟.

الحبيب عكي

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.