محمد كمال
سنحاول من خلال هذه المداخلة المتواضعة أن نتطرق إلى بعض مظاهر وتجليات تبخيس الحضارة الأمازيغية العريقة، عبر تاريخيها الطويل انطلاقا من مما نشاهده اليوم بالعين المجردة أو من مما اطلعنا عليه في المصادر و المراجع “الوطنية”.وكثيرة هي مظاهر هذا التبخيس والتحقير في التاريخ والحضارة المغربية الأمازيغية.
أولا من أبرز مظاهر تبخيس التاريخ والحضارة المغربية، هي عدم ترسيخ الهوية الوطنية المتعددة والمتنوعة، ويقرون بوحدة الهوية المغربية المبنية غالبا على القيم العربية الإسلامية، رغم الاعتراف باللغة الأمازيغية لغة رسمية سنة 211م، و ثانيا تغيب كل ما يتعلق بالمعارف والقيم الوطنية بجميع معطياتها الثقافية والتاريخية والانثروبولوجية والفنية اللغوية، وإذا أردوا مثالا تقديم شيء عن هذه القيم يقدمونها كأنها نتاج لحضارات خارجية وأجنبية. والتالي يروجون بأن نتاج ثقافتنا وقيمنا لم ترقى إلا بدخول “الفتوحات والغزوات” الإسلامية. بل ويعملون دائما بتحصين الحضارة العربية بكونها هي المثلى في هذا العالم بأسره. وثالثا كما نجد دائما في المصادر والمراجع التاريخية، مدى عراقة وقوة الحضارة العربية الشرقية، في المقابل نجد حضارة مغربية منحطة باهتة هزيلة وفقيرة ومبتورة تاريخيا وتابعا دائما للحضارات الأقوى الأخرى.
رابعا: إنكارهم وتبخسهم للتاريخ القديم ويقرون دائما بأن تاريخ المغرب لم يبدأ إلا مع عروبة الفتح ومع قدوم إدريس الأول، زد على ذلك ربطهم أصل الأمازيغ دوما الشرق العربي فثارة باليمين وتارة أحرى بالكنعانيين أو بالفلسطينيين، ويتجاهلون ما بلغ العلم الحديث من الأركيولوجيا والسوسيولوجيا، من أصالة وعراقة الأمازيغ في التربة الإفريقية.
زد على ذلك مثالا عندما يقدون محمد الخامس بوصفه رمزا من رموز العروبة والإسلام ،وليس رمزا وطنيا لكل المغاربة بمختلف توجهاتهم الدينية واللغوية والعرقية، ومن المظاهر كذلك دائما تقديهم لشخصيات العلمية الأمازيغية في قالب يذهب مع أطروحتهم وترهاتهم بإرجاعهم إلى سلالات عربية وشرفاوية خرافية.
كل هذا يؤدي بنا ويدفعنا إلى تكوين أجيال ومواطنين منسلخين دائما ونهائيا عن انتمائهم إلى الوطن ويرتمون بشكل كامل في انتماءات خارجية، كل هذا كما قلنا سابقا يؤدي إلى أنتاج مواطنين محتقرين لذواتهم لا يجدون مجدا إلا في تواريخ خارجية لا تمت لهم بصلة بالبث والمطلق.
كما يسعى المؤرخون دائما لتأكيد بأن التاريخ المغربي ليس محليا بل هل هو تاريخ أجنبي، بحيث يربطون أحدثنا الماضية بوصفها تواريخ فينيقية أو رومانية أو وندالية أو عربية، مما يتضح للمغاربة أنه لم يكون لهم تاريخ إلا تحت رحمة وجناح الأجانب الغزاة الأجانب، ومن جهة أخرى نجد لدى المؤرخون “الوطنيين”السكوت عن الدول والمماليك التي أسسها الامازيغ، مثلا مملكة ماسينيسا وصفاكس ويوبا، والمرابطون ، البرغواطيون، الموحدون، والمرنيون، في المقابل تمجيد والنفخ في الدول التي أسسها الشرفاء، الأدراسة، السعديون والفيلاليون، كما حرص المؤرخين كذلك على تجريم الأجداد الذين صنعوا هذا التاريخ، الذي يتمثل في لحظة دخول الإسلام، إلى تمازغى أي شمال إفريقيا، فقد قدم هذا التاريخ بشكل يجعل من الأمازيغ يحسون بنوع من الجرم التاريخي الذي أركبه أجددنا عندما قاوموا الإسلام وليس غزوات الفتح.
أضف إلى ذلك حين ثم إصدار الظهير البربري 16 ماي 1930، إذ شكلت هذه اللحظة كذلك مناسبة لتتحسسيهم بأنهم يقفون عقبة أمام الوحدة الوطنية، وأنهم بحفاظهم على أعرافهم ولغتهم وثقافتهم سيخرجهم من حظيرة الإسلام، وكذلك تبخيس وتحقير ما قام به أجدادنا الأمازيغ من تضحيات جسام أثناء محاربة للاحتلال الفرنسي والإسباني، في قمم الجبال والسهول والصحاري، ووصف تضحياتهم بالفوضى والسيبة والتمرد والخيانة، في حين تمجيد وتعظيم وتبجيل تقديس والنفخ في صف تضحيات أصحاب اللطيف والطرابيش الحمر بالجهاد والمقاومة والبسالة وبالوطنين، وفي الأخير نعطي مثلا في هذا الصدد هو تقزيم واستصغار تاريخ المغرب في 12 قرنا من تاريخ المملكة، عوض 33 قرنا من تاريخ الحضارة المغربية، وكذلك منع تسمية الأطفال بالأسماء الأمازيغية، والاستفزازات الغير الإنسانية التي يتعرض لها الأمازيغ يوما في الإدارات العمومية، في حين السماح بتسمية الأطفال بأسماء عربية وغربية خارجة لم تخرج من صلب ورحم هذه الأرض. إلى غير ذلك من الأشياء التي تمس بالإنسان في مختلف نواحي الحياة.
خلال رؤيتنا لبعض الدول التي لا يقل تاريخينا وحضارتنا العريقة عن حضارتهم وتاريخيهم، رأينا كيف أن هؤلاء الناس يكرمون ويحتفلون بأبسط الأشياء والناس الذين صنعوا أمجادهم وحاضرهم في أماكن راقية بدا بقصور أمرائهم وصولا إلى مداخل القصور والثكنات العسكرية ووسط المدن والحدائق العمومية، الذين يفتخرون ويعتزون بكل تضحيات فئاتهم الاجتماعية كبيرا وصغيرا. كيف ما كان نوعه.
ففي مغربا لا نجد إلى أسماء الجنرالات الفرنسية و أسماء شخصية وهمية لا تمت صلة بهذا الوطن نجدها في كل أركان المدن وحتى القرى البعيدة المهشمة ، في حين لا نجد أسماء لرجالاتنا الأحرار الذين استرخصوا دمائهم الزكية في شتى الميادين لا نجد لها آثر بل و أصبح الآن يحرم بالبات والمطلق ذكر أسمائهم التي أصبحت تهدد كيان “خونة” هذا البلاد، فمثلا ماذا صنع الفرنسيون الذين نحتف بهم في مغربنا سوى أنهم استعمرونا آخذوا ولا زالوا يأخذون ثرواتنا المائية في المحيطات والمعادن والذخائر النفيسة ، وقتلوا رجالنا ونسائنا وأطفالنا بأسلحتهم الفتاكة تحت ذريعة نشر قيام الحضارة الإنسانية الأوروبية تحت ثوب الدبابة وسياسة الحديد والنار والأرض المحروق في الصحاري وقمم الجبال. ولا زالوا إخواننا في الريف وصاغرو والأطلس الكبير والمتوسط يموتون بالسرطان بفعل الغازات السامة والأسلحة الكيماوية المحظورة عالميا التي أمطرتها عليهم فرنسا وإسبانيا لترويض أسود رفضوا الخضوع والخنوع لهم،” في حين نجد هؤلاء يتحدثون عن الأحرار فعن أي منبث الأحرار تتحدثون وعن أي مشرق للأنوار تدعونيا ترى“[1] فحين لازالت هذه القبائل تنظروا لافتة أخلاقية من فرنسا وإسبانيا والمخزن المغربي الذي باسم كانت فرنسا وإسبانيا تقوم بهذه الجرائم البشعة في هذه الأخير.
من خلال التجول في المدن والقرى المغربية نجد أسماء المؤسسات والشوارع والأزقة مسماة بأشخاص يجهلها مواطنها الأصلي في الشرق فكيف لنا أن نعرفها نحن المغاربة؟ ومن هنا يحق لنا التساؤل آلم تلد هذه الأرض يوما إنسانا سيحق الذكر والتكريم والاحتفاء به؟ لماذا عبادة الشرق والغرب وصباغة الذل والهوان على أنفسكم يا أغرب خلق على وجه الكون؟ فهل سنجد في الشرق أسماء كتاب فنانين سياسيين ، مقاومين مغاربة على شوارعهم ومؤسساتهم؟ لماذا هذه الأرض تعرف أزمة هوية لم يعرفها العالم يوما؟
بكل صراحة من العيب والعار والذل والمهانة أن نجد شوارعنا و مؤسستنا سميت بأشخاص أبادت المغاربة ومزقتهم إربا إربا ونكرمها في كل ركن من أركان مدننا وقرنا ونحتفل بهم في كتاب وحفل، فلا أحد على وجه هذا الكون يحتفل بجلاديه إلا المغاربة، في حين تجد المقاومين الحقيقتين لهذا الوطن مهمشين منسين مقصين من كل مختلف نواحي الحياة، فلم يحتفظ بتضحياتهم في الكتب ولا في الاحتفالات الوطنية ولا ضربت لهم تماثيل في ساحات المدن فعوض أن نجد زايد أوحماد وعبد الكريم الخطابي موحى أحمو، عدي أسخوف بسلام عسو وأمغار سعيد وعدجو موح وآخرون ، نجد شكيب أرسلان واليوطي بورنازيل، المهدي بن ترفة، وعلال الفوسي مليكة الفوسي… ألخ، فكما هو معلوم فمن الجبن والغباء أن تنتظر من أستعمرك وهمشك أن يحتفل بك اليوم فيضرب عرض الحائط كل أكادييه وادعاءاته.
ندعو أن يَكُفَّ المسؤولون عن تحريف الأسماء الأمازيغية للأماكن والقرى والمدن والجهات، وعن تعريبها القسري، نظراً لما في ذلك مِن إثارة لمشاعر الأمازيغ، أن تُسَمّى المنشآت العمومية الكبرى بأسماء الشخصيات التاريخية المغربية، لاَ بأسماء شخصيات مجهولة في الذاكرة الوطنية المغربية. لَقد كان من العيب والعار، في “عهد الاستقلال ” إلى يومنا هذا أن يذكر أو أن تسمى مؤسستنا وشوارعنا بأسماء لشخصيات قدمت للوطن كل ما تملك في سبيل الحرية والاستقلال، ( محمد بن عبد الكريم ، وزايد أوحماد وعسو أوبسلام وعدي أسخوف وزايد أسكونتي وموحى أحمو الزياني وأحمد أحنصال ومحمد أوباني وآخرون، بحيث جبلوا هؤلاء بسياسة الاقصاء ونشر ثقافة النسيان، وهل هكذا يرد الوطن الجميل إلى قادته وزعمائه لا والله؟؟؟؟ !!!!!!!!
إنّما غايتنا مِن كتابة هذا المقال، هي التعبير عن عَزمنا على مقاومة الهيمنة الثقافية المخطّطةِ لإِقبار قسم جِدّ مهم من تراثنا الحضاري، والساعيةِ في القضاء على لُغتنا الأصلية وفي طمس معالم البُعد الأمازيغي لهويّتنا المغاربية، رغمَ عمق ذلك البعد
وطوله وعَرْضه. إننا نؤمن بأن التنوع غنىً، وأنّ الاِختلاف مشحذَة لِلْهِمَم؛ ونَرى أن الأُحادية مَضْيعة لِفُرَص التفتّح والازدهار والتمدّن؛ وما الوحدانية إلا للبارئ الذي »لا يغفر أن يشرك بِه .«وبحكم تقاليدنا وأعْرافنا الديموقراطية الضاربةِ جذورُها في أعماق التاريخ، نحرِصُ، نَحن الأمازيغ، على أن نكون إخواناً لجميع الشعوب المحِبّة للسلام والعدل أن يُرَدّ الاعتبار لما هو فنّ أمازيغي أصيل، ممّا هو أدب ورقص وغناء ومعمار وزُخرف، وأن يُعمل من أجل تحديث ذلك الفن والنهوض به، وأن تُنْفى عنه صِفة الفولكلوريّة لتي ألصقَهَا به الاستعمار وجاراه في ذلك، في “عهد الاستقلال”، مسؤولون لا يضمِرون شيئاً من حَقْدهم على »تيمّوزغا.
وفي الأخير أدعوا كل الغيور إلى بدل مجهود جبار إلى نفض الغبار على تاريخ والحضارة الأمازيغية، و فضح كل الدسائس والمؤامرات والخروقات التي تحاك ضد الحضارة الامازيغية العريقة. وبذل مجهود كبير لسبر أغوار هذا التاريخ وإخراجه إلى حيز الوجود، حتى لا يتعرض للطمس والتشويه والتزييف والإضمار من جديد، وذلك لإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان ورد الاعتبار إلى لذات الأمازيغية حضارة ولغة وثقافة، ودمنا للنضال والامازيغية وتيموزغا صامدين، وأعترف أن الموضوع تشوب أخطاء معرفية ومنهجية لكن ذلك لن يمنعني من المحاولة حتى أصيب والوصول إلى الغرض المبتغى.
بقلم كمال محمد أمازيغ أرحال ن بوﮔافر:
طالب باحث في التاريخ واللغة الثقافة الأمازيغية.
الإثنين 16 فبراير2015./ 4 فبراير 2065.
بقلم الطالب الباحث محمد كمال أمازيغ أرحال ن بوﮔافر
[1] – عمر زنفي، مقال لعمر زنفي منشور في جريدة أشال العدد 3، بتصرف.
المصدر : https://tinghir.info/?p=5058