العديد من الباحثين في سلك الاجازة والماستر والدكتوراه أيضا، يتبادر إلى أذهانهم في غالب الأحيان سؤال ما الغاية من القراءات السابقة؟، هل هذا بدافع الفضول؟ أم بدافع المعرفة؟ على هذا الأساس حاولنا صياغة هذا المقال البسيط من أجل تقريب الاذهان من الأفهام، وكذا منحهم جوابا مؤقتا يمكن أن يقربهم من أهمية هذا الأجراء البحثي.
فأغلبية الباحثين “المبتدئين” خاصة في مرحلة إعداد المقترح البحثي الأولي، يطلب منهم الأستاذ المشرف كخطوة أولى صياغة ما يعرف بــ” مقترح البحث” الذي يتضمن: الموضوع المقترح والمنهجية والمراجع والدراسات السابقة المنجزة حول الموضوع المختار. لكن الملاحظ أن بعض هؤلاء الباحثين ” الطلبة” يجهلون أهمية هذا الأجراء المنهجي الذي يمكن الباحث أولا: من الإحاطة والتمكن من الموضوع والمنهجية، وثانيا: تكوين رؤية بحثية حول الظاهرة قيد الدراسة والتحليل. بالتالي فالبحث البيبلوغرافي في هذا الإطار له أهميته في تشكل الوعي المنهجي والبحثي لدى الباحث. كما أنه يفتح أمامه آفاق متعددة تمكنه من ضبط البحث في كل مراحله. زد على هذا أن ما يعرف بالقراءات السابقة تمكن الباحث من الاطلاع على منهجيات بحثية مختلفة في كل دراسة يطلع عليها، وكذا تزوده بالمعارف والمعلومات التي قد يحتاجها في مرحلة التحليل. ويدخل هذا ضمن التكوينات البيداغوجية، وهذا ما أريد تأكيده في هذا المقال الذي أحاول من خلاله إبراز أهمية القراءات السابقة كمبدأ منهجي الذي يجب التقيد به من قبل الباحثين الذين يطمحون إلى انتاج أبحاث علمية رصينة تستوفي كل الشروط العلمية والموضوعية.
وتجدر الإشارة أيضا إلى الحديث عن المشاكل التي يقع فيها أغلبية الباحثين المبتدئين، خاصة المرتبطة بطريقة كتابة الاحالات أو اخذ فقرة من المقال أو الكتاب، وهذا إشكال اخر في حد ذاته لازال يواجه طلبة الطور الأول والثاني وحتى الثالث في بعض الأحيان. والغاية من هذا كله هو وضع الباحث في السكة الصحيحة بغية تفادي تلك السارقات العلمية الفاضحة التي يمكن أن نصادفها في يعض الأبحاث والدراسات المنجزة والتي في طور الإنجاز أيضا. حيث يشكل هذا الأمر المسألة الأولى التي أريد أن أركز عليها كونها تندرج ضمن أخلاقيات البحث العلمي التي ينبغي أن يتحلى بها الباحث، وهي من المبادئ والركائز الأساسية التي يجب أن يقوم عليها أي بحث أو دراسة كيف ما كان نوعها.
ونعود مجددا إلى السؤال المطروح في البداية من أجل توضيح غايات الدراسات السابقة، التي يمكن أن يعتبرها البعض مضيعة للوقت والجهد وتبذير للزمن البحثي. أقول الأمر عكس هذا الافتراء اللامنهجي الذي لا يتسند على أخلاقيات البحث العلمي، التي ينبغي أن تكون الأساس الأول الذي يقوم عليها أي بحث علمي، وتكون أيضا دليل وبوصلة كل باحث يطمح إلى تقصي الحقائق من خلال بحثه حول مجتمع البحث.
ولا نعمم اللامنهجية البحثية بل هناك دائما استثناءات كثيرة، بحيث نجد بعض البحوث التي تثلج الصدور، وتفتح أمامنا الآفاق البحثية للبحث فيها. ولا ينبغي أيضا تبخيس مجهودات الباحثين الشباب الذين يحاولون البحث في هموم وقضايا المجتمع.
بالتالي فإعطاء الأهمية القصوى للباحث العلمي أصبح ضرورة ملحة في ظل ما تشهده المجتمعات من تحولات سريعة وظهور جوائح تهدد استقرارها، مما يدفعنا بدورنا إلى تأكيد أهمية البحث العلمي في مواجهات كل المخاطر التي يمكن أن تهدد حياة الانسان (الجوائح/ الجهل/ المرض) وغيرها. ونخلص مما سبق بأن ثقافة السؤال هي التي تخلق القلق الفكري والذي يدفع الفرد إلى البحث عن الحقائق والأجوبة وهدم أيضا تلك المعتقدات المقدسة التي تقود العقل البشري إلى عالم اللايقين، بالتالي هنا تبرز أهمية البحث العلمي في تدمير هذه الأوهام والبحث فيها كظواهر اجتماعية ينبغي التعاطي لها كمواضيع البحث والدراسة، وأكد أيضا أهمية السؤال المطروح من قبل الباحثين:ما الغاية من القراءات السابقة؟ والذي لايزال قائما ويتطلب إعطاء جواب كل واحد حسب فهمه وتخصصه وانتمائه الأيديولوجي والفكري، لهذا يظل السؤال مطروحا على الجميع.
المصدر : https://tinghir.info/?p=49786