بعد ارتفاع عدد الإصابات ..وعدد الوفيات ..وعدد الحالات الحرجة، وبعد ارتفاع عدد المخالطين وصعوبة ترصدهم والتحكم في تنقلهم ..وارتفاع عدد الفحوصات الإيجابية ..وعدد حالات الاكتظاظ في المراكز الاستشفائية، التي بدأت تستعين بالمقرات المنزلية للمصابين رغم محدودية الأطقم الطبية و عددها الاسعافية، بعد ظهور الوباء في أوساط الفئات الشبابية التي كانت محصنة بمناعتها القوية.. وبعد تفشي الوباء في المناطق النائية والقرى المعزولة والتي أصبحت في ذلك كالمدن الكبرى والبؤر الصناعية أو تكاد، وفي ظل تفاقم الأوضاع بعد رفع الحجر الصحي بما يشبه بداية الانفلات، وفي ظل تواضع النتائج المحققة رغم تضاعف عدد المستشفيات الميدانية وعدد مراكز التحليلات وغيرها من الجهود الجبارة المبذولة، وفي ظرف غياب اللقاح ..أو كونه فعالا مطمئنا وفي المتناول..، وفي ظرف غموض وتضارب نشرات منظمة الصحة العالمية بحديثها عن موجة ثانية للجائحة أعنف وأقسى، أو ما يفيد احتمال استمرار الجائحة معنا لمواسم أخرى أو ربما عقود؟؟.
كل هذا وطوله ولاشك، قد أصاب المواطن بالإحباط الشديد ..والتذمر النفسي العميق ..وكون عنده بعض التراخي في مواجهة هذا “الكوفيد” اللعين، أو حتى في التعايش السليم معه، والذي أصبح عند الكثيرين انتقال تام وسريع إلى حياة طبيعية تامة وكأن شيئا لم يكن ..أو على الأصح لم يبقى إلا في أذهان أصحاب المؤامرة الوبائية لأغراض لا يعلمها حتى “كوفيد 19” وهي تسن باسمه عبر العالم؟؟، كل هذا وطوله ولاشك، قد ساهم في اهتزاز ما كان من الثقة بين المواطن وجهاته الرسمية و بعض مسؤوليها الميدانيين المتجاوزين وإعلامها الرسمي الذي لا يزال – بالنسبة إليهم – يجتر بعض نتوءات “موازين” ويعتصر فضلاتها مصرا على قلب الموازين، بعيدا عن التأطير التربوي والتكويني للمجتمع، وهو لازال يلامس قشور المعضلة ولا يفجر فيها وفي تداعياتها ما يلزم من النقاش العمومي وبشكل ديمقراطي وتشاركي؟؟. غير أن كل هذا لن يؤدي الركون إليه و استئناس الكثيرين به إلا إلى تفاقم الوضع وشيوع الوباء واستفحال تداعياته الصحية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية..،في حين أنه لازال لدينا سلاح “السلوك المواطن” وقد أثبت نجاعته خلال الحجر الصحي، فلماذا ضعف تمسكنا به، ومن أين خرمت سفنه ومن خرمها وكيف؟، ولماذا لا نعالج الأمور بما يلزم من الروية والحكمة ونوجه بوصلتنا من جديد للإبحار بنا نحو ما ألفناه من المرافئ الوطنية التربوية و الاجتماعية التضامنية، الدافئة والآمنة؟؟.
السلوك المواطن هو الذي يكون على قاعدة “حب الأوطان من الإيمان” قولا وفعلا، و قاعدة:” لا ضرر ولا ضرار” سلوكا وعملا، وقاعدة: “المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده” وعيا والتزاما، وهو سلوك تراعى فيه مصلحة الآخرين والوطن ككل تماما كما تراعى فيه مصلحة الفرد أو ربما أكثر، لأن المصلحة العامة مقدمة على المصلحة الفردية وأنانية الفرد تذوب في صواب الجماعة: “لا تجتمع أمتي على ضلال”، وقاعدة:” لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه”، و”المسلم للمسلم كالبنيان المرصوص…ومثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد..إذا اشتكى منه عضو تداعت له سائر الأعضاء..” وكل هذا يجعل هذا السلوك المواطن بمواصفات أساسية لا تغني فيها شرنقة الكلام عن فعل الإنجاز والإنتاج، كالثقة بالله وحسن التوكل عليه والإيمان بقضائه وقدره مصدر الآمان والاطمئنان و وقودهما، لذا نرى ما يلزمنا جميعا من السلوك المواطن خلال هذه الجائحة بهده المواصفات وهي أنه:
1- سلوك علمي: يمتح من الحقائق العلمية اليقينية الهادية وليس من الخرافات الباطلة والإشاعات الزائفة الضالة والأهواء المغرضة المضللة، ويقوده البحث العلمي والإبداع الوطني وليس مجرد الأمنيات والطموحات، من هنا فهو يرفض كل رفض أو كل تراخي في الالتزام بما يوصى به من الاحترازات الوقائية ضد المرض على بساطتها كالنظافة والكمامة والتباعد الجسدي، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب؟؟.
2- سلوك ذاتي: يلتزم به الفرد عن وعي وقناعة مخلصا في ذلك ومن تلقاء ذاته، ويتشبث به كسلوك مميز للشخص كانت معه سلطة الآخرين وإمعتهم أو لا، فسواء عنده كل صرامة المذكرات وعيون الدوريات أو عدمها؟؟.
3- سلوك مؤسساتي: جماعي يراعي مصلحة الجماعة والأفراد على حد السواء، ولا أحد فيه يسمح له بخرم السفينة أو إطلاق الحبل على الغارب أو فتح الثغر أمام العدو من جهته وجبهته فيهلك ويهلك الجميع؟؟.
4- سلوك مواطن: يراعى فيه الواجب والإجماع الوطني، بكونه أداة وفضاء العيش المشترك الذي علينا دعم أمنه واستقراره والسعي لرقيه وازدهاره، وتنميته بشكل تضامني وتعاوني، على قول المثل: و”من لم يطفئ النار في بيت جاره أحرقت داره”؟؟.
5- سلوك شمولي: ينطلق من رؤية شمولية للأزمة ولحلولها الممكنة، وبروتكولات صحية قطاعية شمولية أيضا وتراعى فيها مختلف الجوانب التدبيرية المستحدثة وشروط نجاحها، وخاصة بعض الأولويات المرتبطة بالجائحة كالجانب الصحي، أو تداعياتها كالعمل والإدارة عن بعد، وكذلك الجوانب الاجتماعية والنفسية التضامنية الملحة؟؟.
6- سلوك مدني: تساهم فيه منظمات المجتمع المدني في بلورته وإقراره والتأطير المحكم والتشاركي لشيوعه خاصة في صفوف روادها و كل من تصل إليهم من متعاطفيها وساكنة أحيائها؟، خاصة بعدما سجل بعض تهميش الجمعيات والأحزاب والنقابات والمجالس الترابية من نقائص التدبير الحالي؟؟.
7- سلوك قانوني: يحترم دستور البلاد وقوانينها العامة، ويكيف معها إجراءات حالة الطوارىء، ولا يكون مناسبة للاستفراد بالتدبير وتمرير ما لا يمرر كما حدث مع مشروع قانون 22.20 السيئ الذكر إبان الحجر الصحي.. أو تصفية حسابات بين بعض السلطات وبعض الفرقاء وبعض الفاعلين ..وكلهم في سفينة واحدة هي سفينة الوطن؟؟.
وتظل المرحلة مرحلة مواجهة وتعايش سلمي مع الوباء بأقل الخسائر..لا ينبغي لأي كان التخلي ولا التولي في هذه الملحمة الوطنية المصيرية فبالأحرى وضع العصي في عجلاتها أو تبخيس إنجازها الكبير مقارنة بإمكانها المحدود، ولا يعني هذا في نفس الوقت عدم وجوب المواكبة وتقديم بعض مقترحات التسديد والتقويم وتجاوز ما قد يظهره التدبير الميداني من النقائص والخلافات والمتناقضات في حينها، وكل ذاك من مقتضى السلوك الوطني وخلاصته في الأول وفي الأخير، حفظ الله أسرنا وأطفالنا وآبائنا و أوطاننا، ورفع عنا وعن العالمين هذا الوباء والبلاء والغلاء والعناء ..وأنزل علينا السكينة والطمأنينة والشفاء وألهمنا إليهم حسن التوكل وإيجاد الدواء، وأعان كل من يتصدى لهذا أو يساعد على ذلك من أي موقع وبأي إمكان، وعجل بعودتنا التامة إلى مساجدنا ومدارسنا ومعاملنا وأعمالنا وأحبابنا وأسفارنا..آمنين مطمئنين،آمين..أمين..والحمد لله رب العالمين؟؟.
المصدر : https://tinghir.info/?p=49593