بالرغم من الانفتاح والمكاسب الديموقراطية التي عرفها المشهد السياسي والحزبي المغربي مؤخرا بإشراك الشباب والنساء في مختلف العمليات التنموية بالمغرب، إلا أن المشهد القائم لا يزال قاتما ولم يطرأ عليه التغيير المنشود والمنتظر سواء عبر تراب المملكة أو عموم الجنوب الشرقي.
فبين المشاركة المحتشمة للنساء اللواتي يتم تصويرهن في غالب الأحيان ككومبارس وديكور لتأثيث المشهد وبين الطموح الشبابي الذي يفيض بالحيوية والنشاط رغم غياب التأطير توجد هوة شاسعة وإشكال كبير في ظل بقاء سلطة القرار في يد النخب البرغماتية والعارفين بخبايا ودواليب السياسة وتدبير الأمور.
فإذا كانت “النخب” هي فئة الصفوة من المجتمع التي يفترض فيها أن تكون الأكثر معرفة وثقافة لما تتمتع به امكانات معرفية تخول لها التأثير داخل المجتمع بشكل ايجابي وتحدث التغييرات والفوارق المنشودة أو تسعى لتأطير العامة وتوجيههم على الأقل نحو الصلاح ونصرة القضايا المصيرية للمجتمع وتضع الانسان في مقدمة اهتماماتها بعيدا عن الانتماء والمرجعية.
فإن الجنوب الشرقي أصبح في الآونة الأخيرة يعج بفئات شبابية في مختلف المجالات ونخب جديدة تحمل مشعل التغيير وتتقلد المناصب والمسؤوليات وتسعى للتأثير داخل المجتمع وتؤمن بالتغيير من داخل المؤسسات وهو الشيء الإيجابي والمحمود.
لكن في المقابل تبقى هذه الفئة وللأسف في كثير من الأحيان مجرد آلية للدمار والتخريب وتغذية الصراعات وآلة لإنتاج الافكار المعدية، وتستخدم من طرف البعض كدروع للمواجهة في ظل انعدام التأطير والخبرة الكافية لدى هذا الجيل من الشباب المفعم بالحيوية وغير الملم كثيرا بقواعد الممارسة السياسية والنقابية والترافعية السليمة وما وجدت من أجله دون تعميم طبعا.
إضافة الى لجوء هذه الفئة لنشر “سمومها” باستخدام الوسائل الحديثة للاعتماد في كثير من الأحيان على سياسة قيادة الجيوش والجماهير لتغليب المصالح والتحريض ضد الآخر المختلف. فكثيرا ما يحدث أن ترى منشورات هنا وهناك تسعى لإحداث توجه عام لدى الجماهير أو التأثير في مواقف وقضايا معينة رغم الإدراك التام بأن الناشر والمنشور يجانب الصواب أو الحقيقة أو يخفي جزءا مهما منها.
ورغم ذلك حتى الجماهير نفسها أصبحت تغلب العاطفة على العقل وتكون كالقطيع وراء “القائد المزيف” تهلل وتدافع عن السلوك الخطأ دون أي احساس بالذنب وتأنيب للضمير ومع التكرار والعادة يتزايد الاقتناع حتى يتولد الشعور بالرضا والافتخار.
كما أن عددا من هذه الفئات الذين تعج بهم مختلف مدن وقرى الجنوب الشرقي يرجحون دوما المصلحة الخاصة لسبب من الاسباب عن المصلحة العامة وهم على استعداد دائم للخوض في المعارك والصراعات واشعال فتيل النزاعات والخوض في القضايا الشائكة دون الرجوع للقواعد واحترام للأخلاقيات وبالتالي يكون أغلب هؤلاء كإطفائي يهوى إشعال الحرائق ولا يأبه لشيء ولا يخشى إحداث الضرر.
وفي السياق ذاته ليس بغريب أن تجد عشرات المنشورات تحرض ضد الغير أو تسخر منه أو تخوض في قضايا القبلية والأراضي وتسعى لخطف الأضواء دون وعي بخطورة الأمر أو حتى إدراك لعواقب الأمور التي يمكن أن تخرج عن السيطرة أو تغذي الفتن وفي الغالب لا تقدم البدائل ولا تخوض بالمعرفة والعلم والأدلة وإنما تعتمد في غالب الأمر على النزعات العرقية والشخصنة والضرب في الأصول والمفاخرة وغيرها من الأساليب البائدة التي لا تؤمن بالاختلاف وبوحدة المشترك والمصير ويفترض أن تنتهي هذه التصرفات مع هذه الفئة الى غير رجعة ولكن خلاف الأمر هو الذي يحدث..
يتبع المقال للحديث عن نخب مناضلي القضايا، ونخب النفاق والأقنعة، والنخب المنشودة، ..
المصدر : https://tinghir.info/?p=48357