من الصعب جدا تصور إقامة كأس افريقيا في بلد غير إفريقي بالمعنى الإفريقي للكلمة، وفي توقيت غير الذي فيه، لنقل أن المغرب فعل خيرا في الكأس عندما سمح لها ان تلعب في موطنها الحقيقي ليس بحكم ان المغرب ليس بلدا افريقيا من الناحية الجغرافية على الأقل، ولكنه كذلك إذا علمنا ان المغرب تنصل من (افريقيته) منذ زمن أداءا ونتيجة. والنتيجة ان تهرب من مسطرة الصلح مع افريقيا بتركه لهذه النسخة مشاركة و تنظيما، بدون سبب مباشر رغم وجود أسباب غير مباشرة في الخفاء العلني. لكن الأسباب الغير مباشرة لم تعوض يوما الاسباب المباشرة حتى في أعتد الحروب العالمية، ليتخلى المغرب بذلك عن نكهة جديدة لكأس إفريقيا كنا سنسميها “الكان بالحليب” باعتبار ان المشاركة العربية كانت ستكون ثلاثية الابعاد مغاربيا و كذلك من خلال تنظيم بلد شبه افريقي انتماءا.
كتب لنا ان نعيش كأس افريقيا بطعمه الحقيقي شكلا و منتوجا في أبهى حلة من الناحية السيكولوجية على الأقل، على اعتبار اننا قد نقبل ان تقع هفوات تنظيمية وطرائف يومية و لقطات اليوم في كل مباراة لسبب معقول هو أنها ماما افريكا. ومن الناحية السيكولوجية أيضا سنستمتع بالأجواء الإفرقية التي تعيدنا لواقعنا الحقيقي، ونشاهد من خلالها الضباب الحضاري الذي نعيشه في الأصل إذا حذفنا الواقع الاستعماري الذي نتعايش معه دون ان نعرف مصدره، لأننا موهمين بأننا المصدر. في حين اننا لم ننتج شيء خارج المؤسسة الاستعمارية إطلاقا، لذلك فواقعنا لا يختلف عن غينيا الاستوائية أو السيراليون أو الزاييير.. كلنا أفارقة باختلاف بسيط في درجات الحرارة الاستعمارية ومصالحها.
إذن كأس افريقيا هي فرصة لكساد تجارة الوهم و الحلم، وهي فرصة أيضا للمصالحة مع الذات الافريقية وهي فرصة كذلك لنقد ذاتي حقيقي.
فلو نظمت الكأس في المغرب كانت ستكون خالية من أبسط النكهات الإفريقية، بحكم ان الجمهور الافريقي سيعجز عن القدوم إلى المغرب، بحكم غلاء اسعار شركات الطيران المهيمنة؛ وهو الذي اعتاد التنقل مشيا وبرا في ماما افريكا، وبالتالي كانت ستغيب الفوفوزيلا عن المدرجات وكانت ستغيب الرقصات الفولكروية الخاصة بكل بلد مشارك، وكان سيغيب المشجعين المصبوغين بألوان أعلام افريقيا.
في المقابل كان سيحظر الجمهور العربي و الأوروبي، وكنا سنعيش نفس لأوهام المونديالتو و كان المغرب سيتأهل إلى المربع الذهبي بالإكراه التحكيمي كما فعلت الاستوائية غينيا، وكما فعلت تونس ومصر في احتضانهما للكأس على التوالي قبل 10 سنوت تقريبا. وكان سيطغى الحليب على القهوى وبدون سكر افريقي محض.
خير ما فعل المغرب بعد إقصائه تنظيما ومشاركة بالنظر إلى أن منتخبات غير مصنفة افريقيا أظهرت مستويات كبيرة في المباريات التي أجريت حتى الان في الكان، ما كان للمنتخب المغربي ان يجاريها.
لذلك وجب التفكير من الان في تحويل الانظار إلى مشاركات خليجية قد تعفينا من صخب الكان على وتر الأعصاب لان افريقيا لها أناسها و (حنا هما حنا).
أحمد لحياني
المصدر : https://tinghir.info/?p=4699